تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

د. وائل عواد يتابع الكتابة من الهند من وحي الحجر الصحي عن كورونا و يوميّات قنّاص كركرونا -ألو مين معي؟ -17-

مصدر الصورة
خاص

 

  • نعم...
  • ألو مين معي؟
  • يا أخي أنت من اتّصل! من أنت؟
  • قُل لي من أنت؟
  • لماذا تريدني ان أقول لك من أنا؟ أنا لم أتّصل بك، أنت المتّصل، تفضّل!
  • هل أنت سيّد شارما؟
  • لا النّمرة غلط.
  • طيب أنت مين؟
  • بيهمّك تعرف؟
  • أنا الضّابط غرم تشاند من مركز الاستخبارات المركزيّة.
  • آسف سيّدي، النّمرة غلط.

من الإزعاجات اليوميّة التي تتكرّر بشكلٍ فظيعٍ بالهند، ربما بسبب الكثافة السكانيّة، وهذا يزيد من فرص الاتّصالات المتكرّرة. هو لا يسألك هل الشّخص الفلاني يتحدّث معي؟ أو هل من الممكن أن أتّحدث مع الدكتور وائل/ ڤيل اواد (Wael Awwad) /أوادي؟ بالمناسبةِ، هناك صعوبةٌ في لفظ اسمي وتذكّره، ويكفي القول هنا أنّ كلّ شهادةٍ أخذتها من الهند، وحتّى الشّهادات الفصليّة، لم تحمل اسمي كما هو على الإطلاق، وأعتقدُ بأنّي سوف أواجه صعوبةً في تعديل الشّهادات،  وقد يتمّ اتّهامي بالتّزوير .

والمهمّ هنا أنّه ليس ثمّةَ حواجز للمتّصل، والله يعينك إذا أنت اتّصلت مع شبكة الاتصالات وتريد خدمةً منهم، أو اتّصل بك مركز اتّصالاتٍ يروّجون لسلعةٍ ما، إذ لن ينتظروا السّؤال، أو حتى تصحيح الاسم، ويبدؤون بشرح ما تعلّموه، وكأنّهم ألة تسجيلٍ، يكرّرون لك السّرد وكأّنّك تسمع أغنية ديميس روسس (فاراواي فاراوي) التي كانت مشهورةً في أيّامنا، وقد لاقت صيتاً شعبيّاً وسط فتيان وفتيات الحيّ، حتّى ولو أنّنا لم نكن نتحدث اللّغة الانكليزيّة بطلاقةٍ. وأذكرُ أنّي كنت عند جاري الذي يبيع أشرطة تسجيل أغانٍ، ويسجّل لك ما تريده من الأغاني،  وجاءت إحدى الفتيات من بلدتي السّلميّة، وطلبت منه أن ينسخ أغنية ديميس روسس بالكامل على الكاسيت وسط دهشتي ودهشة صاحب المحلّ، وأكّدت أنّها تريد هذه الأغنيّة فقط .

وتتكرّر الإزعاجات خاصّةً عندما تتّصلُ من قاعة الانتظار في المطار بموظّفٍ في شركة الاتّصالات، وقبل أن يردّ عليك الموظّف،  وبعد عناء ضغط  الأرقام حتى تتحدّث مع الموظف لخدمتك، تستمع إلى رسالةٍ صوتيّةٍ بأنّ هذه المكالمة سوف تسجّل لتدريب موظفينا، فتقول: "من فضلك  معك د.وائل، أتحّدث من رقمي .... هل لك أن تفعّل لي حزمة  الألف لمدّة شهر كوني مسافرٌ إلى أوربا  وشكراً؟"

  • شكراً للتّعريف بنفسك، دعني أتاكّد واشرح لك.
  • لا حاجةَ للشّرح، أرجوك أنا أسافرُ باستمرارٍ، وأريد فقط التّفعيل .
  • شكراً سيّدي، كما تعلم لدينا مجموعةٌ من الحزم للمسافرين، ولاحظ أنّك فعلت الحزمة ألف وهناك  حزمةٌ ب... أيضاُ إلى مناطق أخرى...
  • لحظةً، أنا لم أسالك عنها، فأنا مسافرٌ لدول الحزمة ألف!
  • أعرف، ولكن دعني أشرح لك ...
  • لماذا؟ لا أريد ان تشرحي، شكراً! افعلي فقط ماطلبته، أرجوكِ.
  • اتفهّمكَ يا سيّدي، ولكن كما تعلم لدينا خدماتٌ عديدةٌ، وحزماتٌ جديدةٌ، وووووو ...
  • لا أريدُ... توقّفي! عليّ أن ألحقَ بالطّائرة، وليس لديّ وقتٌ، سأزور موقعكم ...
  • شكراً! سوف أفعّل الحزمة لك، ابقَ على الخطّ  لو سمحت ...
  • شكراً.
  • سوف تستلمُ رسالةً بعد قليلٍ حول تفعيل الحزمة، و كذلك أن تعطي  تقييمك بحديثك معي ...
  • بالتّأكيد، باي.

وهكذا تُمضي دقائقُ عصيبةٌ وأنت على أعصابك لأنّ الموظّف مثل الببغاء، عليه أن ينطقَ بكلّ ما حفظه عن ظهر غيبٍ، دون توقّفٍ، حتّى ولو لم تفهم، فهو يريد إرضاء مرؤوسيه، ولا علم له بأدب الاتّصال والإتيكيت في الحديث مع الزبون .

كانت أوقاتنا أصعب في البدايةِ، فقد كانت الاتّصالاتُ غاليةً، ولا يمكنك البقاء على الخطّ تنتظر التفقيسات والكبسات حتّى تصل إلى الشّخص المناسب للحديث معك، وكثيراً ما يحدثُ ذلكَ، حتّى الآن، في المكالمات الدُّوليّة .

أتذكّر عندما جئتُ إلى الهند، كنت أقضي ساعاتٍ  في مركز للبريد والاتّصالات،  كي نستطيعُ التقاطَ الخطّ والتحدّث مع الأهل، إذا حالفنا الحظّ،  وفي كثيرٍ من الأحيان، كنّا نقضي يوماً كاملاً دون جدوى. كنت أنتظرُ ساعاتٍ طوالَ، وعاملُ الهاتفِ الهنديّ يحاول التحدّث مع قسم هاتف حماه كي يصلني مع  مدينتي السّلميّة، وعندما يصلهم يصرخ عليّ الهنديّ: "بسرعةٍ... ادخل، وكلّمه بالعربيّ." ومن كثرة المحاولاتِ  كوّنا صداقاتٍ مع العاملين في قسم الهاتف بالسّلميّة، وكان العامل يردّ فوراً: "نعم، بيت أبو فوّازالشّيخ حسن، تكرم، خليك عالخطّ عم يرن .... احكي...." وأرفع اشارة النصر للسنترال الهندي كي يبدأ بتسجيل الوحدات وفترة المكالمة.

كانت الاتّصالات بدائيّةً، وأتذكّر كم كان يستغرق معنا الوقتُ للحصول على خطّ هاتفٍ للبيت. ومن المقالب المضحكةِ أن تتّصل بأحد الأصدقاء وتقول له: "نحن من مؤسّسة البرق والهاتف ...بيت أبو فلان؟ الرّجاء ضع صينيّةً أو طبقاً تحت جهاز الهاتف، لأنّنا عم نزيّت الخطوط ..." ونفصل الخطّ، ونركض إلى  منزله لنجدهُ قد وضع طبقاً تحت  جهاز الهاتف اليدويّ ونضحك سويّاً. وأذكرُ حادثةً من أحد الأصدقاء من مدينة تلّ منين، وكيف  كانوا يعاكسون بائع أقمشةٍ ...

لبثتُ لسنينَ، وكانت اتّصالاتنا تقتصرُ على الأهل،  وكنّا نتوق لسماع أصواتهم، ونعاود الاتّصال كلّ أسبوعٍ مرّةً بسبب التّكلفة الماديّة الباهظة آنذاك للاتّصالات. وقلّما يتّصل بنا أحد الأصدقاء القدامى  لعدم امتلاكنا لهاتفٍ، واقتصر تواصلنا مع البعض على رسائل  البريد، إذ كنّا ننتظر ساعي البريد ليوزّع لنا الرّسائل مثل السّجناء، ونحتفظ بالطّوابع، وصرنا من هواة جمع الطّوابع، ومازلت أحتفظ بالعديد منها ... وفي بداية ثورة تكنولوجيا المعلومات، كان استقبال المكالمات مجّاناً، ولذلك يقوم أحدهم بالاتّصال معك، ويقطع الخطّ وينتظرك لتعاود الاتّصال به ...

 محظوظون أبناءُ الجيل الحديثِ الآن، إذ يمكنهم الحديث عبر الفيديو لساعاتٍ، والتنقّل بالجهاز في جميع الغرف، وحتّى المطبخ، وووو..

ومن المواقف الطّريفة أن يصلك اتّصالٌ من شخصٍ ما، ويقولُ بانّه صديق مقعد الدّراسة، ويتوقّع منك أن تتذكّرهُ، وكأنّك غادرت احتفال التّخرج من المدرسة قبل شهورٍ، إذ كان صديق مقعد الدّراسة وحفرتَ اسمك واسمه على المقعد...ودون سابق إنذارٍ، يرنّ جهاز الهاتف تكراراً، وعليك أن تردّ على رقمٍ غريبٍ حتّى لو كنت بالاجتماع، أو مانك عالحشيشة ...

  • سلامات كيفك وين هالغيبة؟
  • هلا وغلا والله بالهند .(لا تسأل عن الاسم استنى ... عيب ما تعرف صديق المدرسة، ولو!)
  • كنت هداك اليوم مع رفقاتنا، وتذكرناك، وقلت بدّي خبرك .
  • حلو، والله اشتقنالكم.

يستمرُّ الحديثُ  لدقائق، ولا أعرف من معي! وكيف لي أن أتذكّر لأكثر من أربعين عاماً زميل المدرسة ولم يتّصل بي مرّةً  واحدةً طيلة فترة تواجدي بالهند! ولا حتّى كلّف نفسهُ برسالةٍ أو مرسالٍ مع صديقٍ! ومع ذلك عليكَ أن تكون مؤدّباً ولبقاً في الحديث معه على الهاتف .

يطلبُ منك أحد الأشخاص إضافته على الفيس بوك، وتزورُ البروفايل وتجد عدداً من الأصدقاء مشتركين بصداقته، ويرسل لك رسالةً على الماسنجر فور موافقتك ويفتح معك الحديث. ويا ويلك إذا مارديّت ودردشت! يعني بتردّ عليه، وفوراً بيتّصل فيديو عالماسنجر! ... "ألو... مينك أنت؟ وشو هالجرأة يعني تتّصل هيك؟!" ويزعل إذا لم تردّ، وإذا ألغيت صداقتهُ، يدخل على صفحتك ويكتب تعليقاتٍ ويعطيك درساً في أخلاقيّاته وتربيته والذّوق في التعامل مع الاصدقاء، وكأنّه هو مؤسّس الفيس بوك، وأنت وقّعت على الشّروط قبل فتح الحساب! ...

على كلٍّ يحدثُ هذا في الأيّام العاديّة، ولكن مع الحجر صار الواحد يبحث عن الاتّصالات والتّسويق للبضائع؛ الكلّ عاطلٌ ومغلقٌ، وإذا جاء اتّصالٌ من شركةٍ، فإنّ أفضل علاجٍ وجدتهُ هو إمّا ان تعطيهم رقم موبايل صديقك، وتقول لهم: "هذا مدير الأعمال، والخبير الاستشاريّ بهذه المسائل. احكوا معه." أو عندما يتكرّر الاتّصال من نفس الرّقم، ولكن من قبل شخصٍ آخرَ، فما عليك سوى أن تحظرَ الرّقم؛ وكثيراً ما كنتُ أستمعُ، وبعدها أقول له: "خلّيك عالخطّ لو سمحت." وأكبس زرّ الانتظار حتى يملّ، ويتّصل بآخر لينفخ له قلبه ...هذا ما نستطيع أن نفعله لننتقمَ من هذه الإزعاجات اليوميّة وفشل شبكات الاتّصالات في حظرهم .

أتذكّر هنا أحد الأخوة السّوريّين، اسمه كامل الرّواس - رحمه الله - من دمشق، كان رجلاً عصاميّاً، وعاش وتوفّي في الهند، وكان بيته مفتوحاً لنا، نحن أبناء الجالية السّوريّة جميعاً، وعمل مترجماً لدى سفاراتٍ عربيّةٍ والسّفارة السّوريّة، ولم تعقه إعاقتهُ عن الإبداع والتميّز والتفاني  في عمله. كانت الحادثة الأولى عندما يزوره مندوب  خطوط شركة الطّيران العربيّة السوريّة، هو وزوجته وطفله المشاغب الذي كان ياخذ المسطرة معهُ ويضرب الببغاء في منزل الأستاذ كامل -أبي صيّاح - رحمه الله - ولا يؤنّبه والداهُ، وكان أبو صيّاح بطبعه خلوقاً مضيافاً، ويدخل الببغاء للقفص. وفي إحدى الزّيارات لمنزله، كان يُطعمُ الببغاء ويداعبه بمنقاره، ونحن نراقبهُ وهو يأكل البندقَ ويغرّدَ ويقلّد صوت أبي صيّاح. أُعجبَ الولدُ المشاغبُ بذلك، وحاول تقليدَ أبي صيّاح الذي تركه على راحته، واقتربَ الولدُ من الببغاء، وهنا قرص الببغاءُ إصبعَهُ قرصةً دفعته للصراخ من شدّة الألم، واعتذر أبو صيّاح - رحمه الله - وأدخل الطّائر للقفص، ومن يومها لم يعد الطفل يجرؤُ على الاقتراب منه، ترباية أبو صيّاح، إذ قال لي ما قدرت انتقم منه غير بهذه الطريقة وربّيه هو وأبوه .

الحادثة الثّانية عندما انتقم قردٌ من أبي صيّاح، إذ دخلَ إلى مطبخه، وبدأ بالعبث بالمطبخ، ولسوء حظّ أبي صيّاح، كان قد اشترى سلّةً من التّفّاح، فبدأ القردُ يقضم بأسنانه الضّخمة تُفّاحةً ويرمي بها على الأرض وهكذا... حاول كشّه من شبّاك المطبخ بعكّازهِ، لكنّ القرد كان يكشّر عن أسنانه ويهمّ بالهجوم إلى أن ضربه بالعكّاز، وأصاب القرد الذي هرب من الشبّاك ومكثَ على باب منزله لمدّة ثلاثة أيّامٍ، فلم يستطع أبو صيّاح أن يذهب لعمله في السّفارة أو يتجّرأ على الخروج من منزله - رحمه الله ...

  • ألو سلامات الله يعطيك العافية...
  • هلا وغلا، تفضّل!
  • ولاشي والله شفتك من شوي عالتّلفزيون بالمقابلة، ماشاء الله حلوة.
  • يحلي أيّامك، مشكور كلّك ذوق .
  • بس بتعرف يادكتور انا مبارح كنت عم أسمع حوار على قناة وحكوا غير هيك ولقلّك وجهة نظري....
  • يا أخي البرنامج خلص، وأنا كنت ضيف على المحطّة، و ماني عالهوا معك ...
  • بعرف بس بدّي ياك تعرف وتفهّمهم أنه هيك وهيك...

 ويتحدّث لك عن الحلول، وكأنّه وجد اللّقاح المنشود لفيروس كورونا، وهو يفصفص بزر ويشرب كاس عرق، ويأكل خيار وصحن فول عليه بصل وثوم ومعصور عليهم ليمون ...ويفقع ضحكةً وفمه مليان وجالس مع ضوء الشبّاك، وأنت تجامل، ولا تقطع معه الاتّصال، عيب بيفضحك بالضّيعة شفت حالك عليه.

ساعدني العمل التلفزيونيّ بتعلّم الكثير من التّقنيات في فنّ التّصوير، واختيار الموقع المناسب للوقوف أمام الكاميرا، ويعود الفضلُ إلى الزّملاء المصوّرين المبدعين الذين عملت معهم، وحاليّاً، ترى العديد يأخذ سيلفي وسيلفيزي يا عزيزي وهم يقفون لدقائق أمام الكاميرا لالتقاط الصّورة بزاويةٍ معيّنةٍ، وكنهم بانتظار العطسة  كأنّهم يحاولون العطس، ومن ثمّ يقومون بتجميلها وتنزيلها على المواقع المتعدّدة، ولايكات على كيفك ...

وبسبب الحجر بالمنازل في معظم دول العالم، أصبح التّواصل بين الأصدقاء يتمُّ عبر الاتّصالات الجماعيّة مثل السكايب زووم وماسنجر وغيرها من التّطبيقات لنحتفل َبعيد ميلاد أحد الأصدقاء الذي تزامنت ذكرى ميلاده مع فترة الحجر الصحيّ، ونتبادل أطراف الحديث، وكلٌّ في حالةٍ يُرثى لها من الشَّعر والذقون الطّويلة، والقمصان غير المكويّة، وكأنها عقوبةٌ لستّ البيت، يعني شو سويّنا لهم حتى  نعاقبهم بهذه المناظر؟

بالمناسبة، في حدا منكم وصلوا شي دعاية من زمان عن العمل من المنزل وقبض رواتب مغريةٍ؟ يا جماعة من زمان لم أستلم، اختفت هذه الدّعايات ونحن في المنازل نبحث عن عملٍ ...

وستّي يا ستّي... خلّيك بالبيت.

وللقصّة تتمّةٌ...

                                             الدّكتور وائل عوّاد

                               الكاتب والصّحفيّ السّوريّ  المقيم في الهند

مصدر الخبر
محطة أخبار سورية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.