تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

أوروبا المثقلة بـ «كورونا»

مصدر الصورة
عن الانترنيت

مفتاح شعيب

فتح حزب «رابطة الشمال» الإيطالي المتطرف النار على الاتحاد الأوروبي، عندما طالب زعيمه ماتيو سالفيني بإعادة النظر في عضوية بلاده بالاتحاد، بالتزامن مع نشر استطلاعات رأي تشير إلى أن الأغلبية بين الإيطاليين تريد الخروج على غرار التجربة البريطانية، متهمين الكيان الاتحادي بالتخلي عنهم في مواجهة أزمة فيروس «كورونا» التي خلّفت وفيات إيطالية غير مسبوقة؛ جرّاء وباء في العقود الأخيرة.

دعوة سالفيني، التي جاءت قبيل قمة أوروبية حاسمة، كانت منتظرة ومتوقعة على نطاق واسع في ظل الاستياء الكبير في مختلف الدول والأسئلة الحارقة عن جدوى الانتماء إلى هذا الاتحاد الذي سجل أول فشل جماعي في التعامل مع الفيروس الفتاك؛ وذلك بعدما سارعت كل دولة إلى إغلاق حدودها، والتعويل على إمكاناتها الوطنية؛ لاستيعاب تداعيات الوباء، وهي مشكلة قائمة وقد كشفت هشاشة التكامل الأوروبي، الذي كان يصور قبل هذه الأزمة، أنه النموذج الوحدوي البراق، وما فتئ المتشبثون به، على غرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، يدافعون عنه بقوة، ويؤكدون أن المشروع ما يزال قائماً وطموحاً. ولكن أزمة «كورونا» المفاجئة يبدو أنها سحبت أوراقاً كثيرة من أيدي أنصار الإبقاء على الاتحاد لمصلحة الذين يخططون لتقويضه، والعودة إلى الدولة الوطنية؛ أي إلى أوروبا ما قبل سبعين عاماً.

بعض الدراسات الاستشرافية تشير إلى أن التداعيات النهائية لأزمة «كورونا» ستكون أسوأ من نتائج الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة معاً. وستكون أبرز النتائج واضحة في الغرب عموماً وتحديداً في أوروبا التي يمكن أن تواجه انهيار اتحادها أو إعادة تشكيله على أسس ومعايير جديدة إن وجد إلى ذلك سبيلاً. والمشكلة التي ستواجهها أوروبا ستواجهها العولمة التي يمكن أن تكون أحد أبرز ضحايا هذا الفيروس المستجد. كما ستتعرض قواعد ومفاهيم وتفاهمات كثيرة للنسف الكامل أو التغيير؛ بسبب التغيرات العميقة التي أصابت المزاج الإنساني في هذه المرحلة، لتبدأ معه بذور توجهات فكرية تحاول أن تستنبط من هذه المأساة المترامية الأطراف مقاربات جديدة لفهم كل ما جرى، ولرسم معالم طريق إلى ما بعد هذه اللحظة القاتمة.

مرة أخرى تنعطف أوروبا ومعها العالم كله في منعرج خطر؛ بسبب هذه الأزمة الصحية، التي يمكن أن تفشل معها كل المحاولات الرامية إلى تطويق تداعياتها، وبالنسبة إلى أوروبا، فإن قادة الاتحاد ربما لن يوفقوا في تجاوز انقساماتهم، على الرغم من محاولات التهدئة؛ ومن ذلك تعهد ميركل بالمساهمة بشكل أكبر في ميزانية الاتحاد. وجاءت دعوتها ضمن مبادرة تضامن هدفها إحياء روح الاتحاد، والرد على المشككين. ولكن يبدو أن حجج الطرف المقابل أقوى وأكثر وضوحاً بالنظر إلى واقع «القارة العجوز» المثقل بنحو 114 ألف وفاة، ومئات الآلاف من المصابين، وانهيار اقتصادي وأزمات اجتماعية وسياسية عاصفة. ربما ستحتاج أوروبا إلى كثير من الشجاعة والجرأة؛ لاستيعاب هذا الوضع قبل النظر في استكمال رحلتها الحضارية جماعياً أو متفرقة.

مصدر الخبر
الخليج الإماراتية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.