تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

د. وائل عواد يتابع الكتابة من الهند من وحي الحجر الصحي عن كورونا و يوميّات قنّاص كركرونا - صراع الجبابرة بالوسادات (المخدّات) -18 -

مصدر الصورة
خاص

مع انتهاء الشّهر الأوّل للحجر الصحيّ في شبه القارة الهنديّة، وارتفاع نسبة الإصابات على الرّغم من ارتفاعِ درجة حرارة الطّقس، تشيرُ الاحتمالاتُ إلى تمديد الإغلاق التامّ حتّى نهاية الشّهر الجاري... ياهمّلالي؛ ولذلك علينا شدُّ الأحزمة، والتأقلم مع الشّهر الجديد للبقاء في المنزل،  والبحث عن أساليب جديدةٍ للتّرفيه، والعودة إلى الرّياضة المنزليّة، خاصّةً القديمة، والتي توفّر لنا الأدوات لممارستها. وهذا يدعونا إلى البدء برياضة التّضارب بالمخدّات (وسادات النّوم ) .

على سيرة الوسادات، ثمّة قناعاتٌ كثيرةٌ لدى الهنود بشراء وساداتٍ على علاقةٍ بعلم التّنجيم، ووضعها بالمنزل حسب نظام فاستو شاسترا، وهناك مستشارين وخبراء في هذا الحقل ينصحونك بأيّ اتجاهٍ يتوجّب عليك وضع الوسادة، وتعديل الإضاءة، وكيفيّة النوم، لتحظى بنومٍ عميقٍ،  وإذا كنت تعاني من مشاكل في النّوم، ضع رأسك في اتجاه الجنوب وباعد بين رجليك واشخر على كيف كيفك. وهناك اعتقاداتٌ أيضاً عن كيفيّة الحماية من العيون الشّريرة والحسد، بأن تضع علبةً من الشبّ تحت الوسادة لإبعاد الطّاقة السلبيّة السّيّئة والمحزنة. طبعاً هذه الرّفاهية لا تتوفّر في دور السّكن العامّ.

 وثمّة من يؤمن أيضاً هنا، في الهند، بما يعرف بالتّنجيم الصينيّ  فينغ شوي (Feng Shui) فيما يتعلّق بغرف النّوم والسّرير والوسادات، ويقال إنّ اللّون الأحمر والزهريّ يرمزان للحبّ والرّومانسيّة، ولا مانع أن يكون هناك شريطتان بهذين اللّونين في الوسادة إحم إحم ...

 يتوجّب عليك ألّا تضع بعض الأشياء تحت  المخدّة قبل النوم كي تغطّ في نومٍ عميقٍ، ألا وهي النّقود والمجوهرات والكتب والمفاتيح والأدوية والأسنان والسّلاح  والصّور وغيرها...

بالنّسبة للنقود، فإنّهم  يؤمنون بأنّ النّقود رغم أنّها تمنحك الشّعور بالأمان، لكنّها تسبّب لك الأرق، وتفقدك القدرة على النّوم العميق، لذلك ضعها بشي مخدّة بالسقيفة مانك عم تستخدمها ... وبالنّسبة للمجوهرات ممكن تسبّب لك إزعاجات متواصلة لذلك رجعها لتحت حجرة الحمّام .

أمّا الكتب،  فإنّها تشتّت المخّ والتّفكير، وأنا كنت طوال حياتي أظنّ  وقد تعلّمت من أفلاطون أن أضع كتابي المدرسيّ (حسب المادّة الصعبة) تحت المخدّة وأنام عليه لتتخزّن المعلومات بمخّي،  ولا حاجة لقراءتها أو مراجعتها. وأذكرُ إحدى قريباتي قبل الامتحان بشهرٍ أخفت كتبها في الخزانة وقالت إنّها ليست بحاجتها، فقد حفظتها بالكامل ولاداعي للمراجعة، ومن شدّة الفهم نجحت شحط، وأتمّت المرحلة الابتدائية فقط، وجدّي - الله يرحمه - بهدلها كثيراً وهو يتفتف على الجلاء المدرسيّ.

وضع المفاتيح تحت الوسادة من العادات السيّئة أيضاً، وتسبّب لك أرقاً ومشاكل داخل الأسرة وتجلبُ لكَ الفقر، وأنا عم قول ليش طفران عالآخر، رح خلّي الباب مفتوح مثل ما بيفعلوا الهنود بعيد الديوالي (الأنوار) كي تدخل آلهة المال (لاكشمي) وتطمرني بالنّقود، يا مشحّر ما انتبهت لهذه المسالة ...

أمّا الأدوية، والعياذ بالله، تؤثّر سلبياًّ على صحّتك وعافيتكَ. لعنَ الله فيروس كورونا، ما خلّينا دواء وما حطّيناه جنبنا، يعني صيدلية متنقّلة، من فيتامينات سي ودي ومانغنيز وزيت الحوت أوميغا إلى حبّ الكوليسترول وارتفاع الضّغط والصّداع والملاريا ونقص المناعة وتطعيم داء السلّ والانفلونزا وداء الكبد، بالإضافة إلى المعقّمات والكمّامات و طارد الحشرات وقتّالة الذباب، وأنا عم قول ليش ماعم  أقدر نام وبشوف كوابيس وبتصيبني هلوسة ...

كذلك ينبغي عدم وضع طقم الأسنان أو أيّ سنٍّ تحت المخدّة، يعني أنا اللّي بتذكّره كانت أمّي - الله يطول بعمرها - تقول لي ضع السنّ الذي يسقط من فمك في محرمةٍ تحت المخدّة منشان يطلع بداله سنّ غزال ولهذا اتّبعت نصيحة أمّي ... بينما الله يرحمك يا ستّي كانت تلفّ طقم الأسنان، وتحطه تحت المخدّة ...

وكذلك عليكَ أن تضع قطعة ورقٍ تكتب عليها ماتريد حسب نيّتك وأمنياتك وتقرأها قبل النّوم وتحلم  وتصحى الصّبح بسم الله وتقرأها مرّةً ثانيةً بصوتٍ عالٍ لتتحقّق، وكنت أعتقدُ أنّ القصد أن يسمعني المرحوم الوالد ويفهم عليّ. ولطالما تمنّيتُ أن أطلع عالضيعة والبستان والكرم، والحمد لله، تحقّقت أمنياتي...

هناك من يضع سلاحهُ تحت مخدّته، من سكّين أو خنجر أو سيف أو مقصّ وغيرها من أسلحة الدّفاع عن النّفس، والتي تمنحك الثّقة بالنّفس، يعني بتنام وأنت مرعوب بلا مزح ...

لم نكن نكترثُ من قبل لطبيعة وسادات النّوم، ومن أيّة مادّةٍ تُصنعُ، في بيت الطّالب، كنّا نشتري الرّخيص منها، ومع الأيّام تصبحُ ثقيلةً وقاسيةً، ومع ذلك كنّا نستخدمها للنّوم مثل العساكر وللمعارك بالوسائد، وتصبح قويّةً لدرجة أنّها تطرحُ الشّخص أرضاً ...

أذكرُ في بيت الطّالب السّوريّ، أنّنا كنّا مجموعةً من الطّلبة، قتيبة الدندشي  وطارق الزين وحبيب عبد الكريم وعبد السّلام علوش ويقظان الرّفاعي ود. رافي أصلانيان والمرحوم الدّكتور السوريّ الأرمنيّ الأصل غفونت مراد ورياض جورج الصبّاغ، وجرت معركةٌ بالمخّدات والتكّايات، وانقسمنا إلى فريقين ، وبدأنا بضرب  بعضنا البعض وأخذنا نتصارع حتى سقطنا من التّعب. وأتذكّرُ أنّ الضّربة القاضية كانت لقتيبة  الدندشي - ابن تلكلخ - الذي حاول أن يضربني بمخدّةٍ بيديه وهو في الهواء، فاستهدفته بضربةٍ مباشرةٍ سقط على إثرها، وخرجت منتصراً، وهو شاهدٌ على ذلك، وأعتقد أنه سوف يعترف بالجولة الحاسمة وانتصاري في المعركة الضّروس .

طبعاً هذه الانتصارات المتكرّرة  سببت قلقاً لدى الفريق الخصم، و دفعت بالبعض للتوجّه إلى التّدرّب على فنّ القتال الفرديّ والملاكمة بعد فشل فنّ قتال الشّوارع معهم. ولحسن الحظّ، كان عندنا شابّان، الأوّل محسن شايش التّركاوي الذي جاء لدراسة الطبّ في الهند، وكان والده من الشّخصيّات المرموقة من مدينة حمص، التقيتُ به وبأخته الفاضلة في الكويت أيضاً. لقد كان شابّاً مهذّباً ورياضيّاً محترفاً برياضة الكاراتيه (كونغ فو) والجودو رغم أنّهُ كان أصغرنا سنّاً. والشاب الثّاني ناظم الشلبي من ريف دمشق - تل منين - كان يقيم في مدينة مومباي العاصمة التّجاريّة للهند، ونال بطولة ولاية مهراشترا الغربيّة بالملاكمة، وكان يتردّدُ لزيارتنا في دلهي والسّكن في بيت الطّالب السوري  بحكم وجود أصدقاء من بلدته وقريبه المهندس أبي بشّار - شيخ الشّباب - عبد اللطيف الشلبي . كان الشّرط الأساسيّ للتّدريب هو أن نصحوَ باكراً، ونلتحق بهما في الباحة أمام مقرّ السّكن. وبالفعل باشر الشابّان بتدريبنا على فنّ القتال في الباحة مقابل مقرّ السّكن في الصّباح الباكر من كلّ يومٍ. وأذكر حادثتين ظريفتين هنا؛ الأولى كانت بين محسن التّركاوي وابن القامشلي رياض صبّاغ – القبضاي. كان محسن يدرّبنا ورياض يتفاخر بقدراته القتاليّة وفنّه في مواجهة المخاطر، ومحسن يتجنّب مصارعته، وكان رياض يتحدّثُ عن مهارته في ضرب السكّين والعصا وغيرها من أدوات فنّ قتال الشّوارع. ولسوء حظّه، أراد أن يثبت مهارته في النّزال في الحلبة مع محسن الذي حاول جاهداً إقناعه بالتخلّي عن الفكرة، لكنّ أبو الروض كان واثقاً من الفوز. وأتذكّر في هذه اللّحظة أن اتّخذ كلٌّ منهما موقعاً للهجوم، وبلمح البصر فتل محسن بدائرةٍ، ولا أدري كيف طار بقدمه وأصاب رياض على رأسه، فسقط على الأرض مذهولاً، واعتذر منه محسن، وانتهت المعركة بحضور د. سعيد سهدو ود.غفونت مراد المغفور له الذي قضى نحبه في إيطاليا بعد إصابته بفيروس كورونا اللّعين. وقد توقّف محسن عن المواجهة المباشرة مع ابن القامشلي المقاتل الشّرس بعد هذه الحادثة.

الحادثة الثانية كانت بين حلب وريف دمشق، فقد خرجنا مع أبي هشام - د.عمار طلس - ود.سليمان جاموس ود. ناظم طلس و المهندس باسل مقصوصة الذي زارنا في دلهي وبقيّة الشباب للتدرّب الصباحيّ وتعلّم حركات اليدين والضّربات الصحيحة لأبطال الملاكمة والتدرّب عليها بطرقها الصّحيحة، ومن أفضل من بطل الملاكمة ناظم الشلبي! وفيما نحن في خضمّ التدريب ونصرخ بين الحين والآخر إذ نجري التّدريبات وكأنّنا فريقٌ من القوّات الخاصّة –  فرقة المغاوير مثلاً فرع الهند، استيقظ د.عمر الأطرش من النّوم على أصواتنا وهرع للخروج من المقرّ للالتحاق بالتّدريبات الصباحيّة وهو يرتدي الشورت وقميص شيّال مثل البطل الكوميدي سيد جيمس (Sid James) أحد أبطال سلسلة الأفلام البريطانيّة (Carry on Doc) الشهيرة. ولم يجرِ د. عمر تمارين الإحماء الأوّليّة لتأخّره، ووضعه ناظم الشلبي مقابل عمّار أبي هشام، واستمر بتدريبنا على الحركات، واشتدّ حماس عمر وأصاب عمّار بلكمةٍ على وجهه، واغتاظ أبو هشام من الألم وقال له بلهجته الحلبيّة: أخ أشو هاد؟ عم تضربني أنا ؟ بلا كاراتيه بلا بوكسينغ ...قتال شوارع خيو ..." وتظاهر بأنّه سيقتل عمر وهجم عليه مثل الممثّل المصريّ الرّاحل محمود المليجي وانهال ضرباً بكفّه على رأس عمر( ضرباتٍ خفيفةً طبعاً)  وكان الصّلع بدأ يظهر على رأسه لنسمع رقعة الكفّ بدقّةٍ، وفضضنا النّزاع وسحبنا د.عمر من بين يديه ، وأخذ على خاطره عمر وقال: "بطّلت اتدرّب"، وانسحب عائداً للمقرّ، ورفض النّزول للتدريب من بعدها. وذهبت كلمة عمّار قتال شوارع مَثلاً نتذكّرها مع الأصدقاء القدامى بين الحين والآخر.

تعدُّ الرّياضة جزءاً هامّاً لمحاربة القلق والكآبة والضّياع والفراغ  وقضاء العطل القصيرة بين الشّباب والزّملاء، كما أنّها تساعد على تنمية العضلات وتحسين الهندام والقضاء على الضّجر، ولم يكن هناك نوادي للتدريب للدّفاع عن النفس (كونغ فو)  ونوادي اللّياقة البدنية كما يفعل شباب اليوم لنفخ عضلاتهم بالهرومونات والمنشّطات الضارّة بالصّحة. وبالتالي كان وجود رياضيّين بيننا، أيام الزّمن الجميل ،  يشجّعنا على ممارسة الرّياضة والخضوع للتدريبات والنّزول في الصّباح إلى حلبات المصارعة، وكنّا بعد الظهر نلعب كرة قدمٍ مع أولاد الحارة من الأصدقاء الهنود في حديقةٍ أكبر في منطقة السّكن فازنت فيهار.

كانت الحياة بسيطةً وهادئةً، ولا نجد صعوبةً في التّعارف والتّقارب مع أصدقاء هنود و طلبةٍ عرب وأفارقةٍ جاؤوا للدّراسة. ولم نحمل الضّغينة والحقد وكنّا نفتخر جميعاً بانتمائنا لسورية. كان الحنين للوطن يشدّ أزرنا مع بعضنا البعض، ندافع عن حقوقنا  وانتمائنا القومي العروبيّ وقضايانا العادلة  بشراسةٍ وحماسٍ مع تنظيمات الطّلبة العرب والأجانب، ونناقش بالقضايا السّياسيّة، نختلف ونتّفق  دون الحاجة للعراك، وكانت تجمعنا القضيّة الفلسطينيّة والدّفاع عنها في جميع المناسبات،  وكانت الهندُ تتعاطف مع قضيّة الشّعب الفلسطينيّ، والدّفاع عن حقوقه وحقّه في تحرير أراضيه المحتلّة وتقرير مصيره وفقاً للقرارات الدّوليّة ذات الشّأن. وكنّا نحتفل بيوم الأرض في المركز الهنديّ للعلاقات الثقافيّة، ونقدّم عروضاً فلوكلوريّةً تعكس عمق حضارتنا وأصالتها.

وسوف أتطرّق للعروض في قصصٍ مقبلة...

وبعد سرد ذكرياتٍ جميلةٍ لأيّام الشّقاء والاغتراب، عدتُ إلى الفراش الذي أقضي به ساعاتٍ طوالأ خلال هذه الأيّام العصيبة، أمسكُ بوسادةٍ في يميني وأخرى على يساري، وأضعُ ثلاثة وساداتٍ تحت رأسي وأنا أستذكرُ هنا شاعرالمهجر الكبير - إيليا ابو ماضي - بقوله :

محنةٌ ليس لها مثلٌ سوى

محنة الزّورق في طاغي العباب

 ليس بي داءٌ ولكني امرؤٌ

 لست في أرضي ولا بين صحابي

مرّت الأعوام تتلو بعضها

للورى ضحكي ولي وحدي اكتئابي

كلّما استولَدَت نفسي أملاً

 مدّت الدّنيا له كفّ اغتصاب

أفلتت مني حلاوات الرؤى

عندما أُفلت من كفّي شبابي

 بتُّ لا الإلهام باب مُشرَعٌ

 لي ولا الأحلام تمشي في رِكابي

 أشتهي الخمر وكأسي في يدي

وأُحسّ الروح تعرى في ثيابي

ربِّ هبني لبلادي عودةً

وليكن للغير في الأخرى ثوابي

وللقصّة تتمّةٌ...

                                  الدّكتور وائل عوّاد

                        الكاتب والصحفيّ السّوري المقيم في الهند                         

مصدر الخبر
محطة أخبار سورية - خاص

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.