تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

رئيس كوريا الديموقراطية كيم جونغ أون – أنا بخير طمّنونا عنكم

مصدر الصورة
خاص

تصدّر خبر الغياب المفاجئ لرئيس كوريا الشماليّة أحداث الأسبوع الفائت العالميّة، خاصّةً الصّحافة الأمريكيّة، وكثُر الحديث عن الخطّة التي وضعها البيت الأبيض للتّعامل مع الحدث بالتّعاون مع كوريا الجنوبيّة، وكيفيّة مواجهة الخطّة (ب) للحكومة الصّينيّة في حال قرّرت ضمّ كوريا الشّماليّة لها. لم يكن الخبر أقلّ شأناً من وصفة الرئيس الأمريكيّ - دونالد ترامب - لمعالجة الإصابة بفيروس كورونا بالمعقّمات ومواد التّنظيف، وتحذيرات الأطبّاء بعدم الأخذ بنصيحته، إذ امتلأت صفحات التّواصل الاجتماعيّ بالفكاهات والصّور التي تستهزئ بالرّئيس ترامب وتنصحنا بعدم العمل بالمثل القائل: "اسأل مجرّب ولا تسال حكيم". وكانت إحدى هذه الدّعابات الهزليّة المكالمة الهاتفيّة لرئيس كوريا الشّماليّة  مع نظيره الأمريكيّ وسؤاله عن علاجٍ لمرضه، ليردّ الرّئيس الأمريكيّ: "عليك بالمنظّفات" (CLOROX) ...

كذلك الأمر، لاقى مصير الرّئيس الكوريّ - كيم جونغ أون – المجهول بالعالم العربيّ اهتماماً بالغاً، باعتبار أنّ اختفاءه شكّل لغزاً، وأورد الكثيرون الخبرَ اليقين بأنّ زعيم كوريا الشّماليّة قد مات. ولكي نفهم هذا الاهتمام، علينا أن ننظر إلى القضيّة من المنظور الأمريكيّ أوّلاً، باعتبار أنّ قضيّة كوريا الشّماليّة وسلاحها النوويّ وصواريخها الباليستيّة هي الشّغل الشّاغل للإدارات الأمريكيّة المتعاقبة بعد أن انسحبت واشنطن من المباحثات السّداسيّة، والتي كانت تضمّ إلى جانب الولايات المتّحدة كلّاً من الكوريّتين والصّين واليابان وروسيا، وهذا ما دفع ببيونغ يانغ إلى التّوجه نوويّاً وتطوير صواريخها الباليستيّة  لتصل إلى العمق الأمريكيّ كقوّة ردعٍ، وفي محاولةٍ لإجبار واشنطن على العودة إلى طاولة المفاوضات للتّوصّل إلى اتّفاقٍ يضمن عدم الاعتداء الأمريكيّ على كوريا الشّماليّة والتّوقيع على اتّفاقيّة سلامٍ بين الكورّيتين مقابل إخلاء شبه الجزيرة الكوريّة من السّلاح النوويّ. بيد أنّ الولايات المتّحدة رفضت العودة قبل نزع السّلاح، وفرضت عقوباتٍ اقتصاديّةً صارمةً على بيونغ يانغ، عن طريق مجلس الأمن في الأمم المتّحدة، ومارست ضغوطاً على حليفي كوريا الشّماليّة الرّئيسيّين - الصّين وروسيا - للموافقة على حزمة العقوبات، باعتبار أنّ كوريا الشّمالية تشكّل خطراً على الأمن والسّلم العالميّين .

ولذلك لم تكن سياسة شيطنة النّظام في كوريا الشّمالية وليدةَ السّاعة، وإنّما سياسةٌ اتّبعها صنّاع القرار في  الولايات المتّحدة في زمن أحاديّة القطب، حقبة مذهب الاستثنائيّة والتفرّد في اتّخاذ القرارات ضدّها، باعتبار أنّ الحرب الباردة  لم تنته، إذ أبقت واشنطن على قواعدها العسكريّة  في كوريا الجنوبيّة في كونسان وأونسان ضمن سياسةٍ ممنهجةٍ لحشد الرّأي العامّ العالميّ في حال قرّرت شنّ حربٍ على كوريا الشّماليّة، خاصّةً بعد غزو الولايات المتّحدة لأفغانستان والعراق، وأنّه يتوجّب تغيير النّظام بالقوّة ونزع السّلاح النوويّ والباليستيّ، ومن ثمّ البتّ بمسألة إعادة توحيد الكوريتين. وتبنّت وسائل الإعلام الأمريكيّة هذه السّياسة المعادية لكوريا الشّماليّة، باعتبار أنّ امتلاكها للسّلاح النوويّ والباليستيّ شكّل خللاً في موازين القوى العالميّة، وكثر الحديث  عن أنّ  الحرب القادمة  ستكون ضدّ بيونغ يانغ، وبدأت الولايات المتّحدة بعسكرة منطقة آسيا باسيفيك، وعينٌ على غريمها التّنين الصّينيّ. وبسبب شحّ الأخبار الواردة من بيونغ يانغ، فإنّ معظم وسائل الإعلام تستند إلى مصادر أمريكيّةٍ وغربيّةٍ في نقل الأحداث هناك، وتركّز وسائل الإعلام على ما تزعمه الولايات المتحدة  بأنّ النّظام في كوريا الشّماليّة نظامٌ شموليٌّ استبداديٌّ، حزبٌ واحدٌ، سلالةٌ واحدةٌ، نظام عائلةٍ واحدةٍ. بينما هناك قناعةٌ لدى الشّعب الكوريّ بحبّه وتفانيه للزّعيم كيم إيل سونغ، مؤسّس الدّولة.

تسلّمت عائلة كيم إيل سونغ الحكم في البلاد منذ عام 1948، ويعدُّ كيم جونغ أون الجيل الثّالث بعد والده كيم جونغ إيل (2011)، الذي رسّخ في أذهان سكّان كوريا الشّماليّة  فكرة حكم السّلالة المنحدرة من جبال بيتكو وحقّها في حكم البلاد، وعزّز من قبضته على الحكم في تسعينيّات القرن المنصرم من خلال تعزيز قدرات بلاده العسكريّة ضدّ أيّ هجومٍ محتملٍ من قبل الولايات المتّحدة وجارتها  كوريا الجنوبيّة.

تربّع الزّعيم كيم على عرش السّلطة بدعمٍ من جيشٍ قوامه مليون ومائتي ألف جنديٍّ. نشر قرابة 40% من هذه القوّات على طول الخطّ الفاصل بين الكوريّتين في المنطقة منزوعة السّلاح، يقابلها على الجانب الآخر بطّاريات صواريخ  باتريوت الأمريكيّة وترسانة الأسلحة الأمريكيّة الهجوميّة الفتّاكة، ممّا زاد من احتمالات المواجهة العسكريّة بين الطّرفين، وأبقى على حالة انعدام الأمن والاستقرار في جنوب شرق آسيا،  والحاجة لنزع أسلحة الدّمار الشّامل منها. وبالمقابل عزّزت بيونغ يانغ من قوّة الرّدع لديها لكبح أيّ مغامرةٍ عسكريّةٍ أمريكيّةٍ؛ وفي كلّ مرّةٍ تهدّد واشنطن، تطلق بيونغ يانغ تجربةً صاروخيّةً جديدةً إلى أن نجحت في تطوير صواريخ بالسيتيّة بعيدة المدى.

وأدّت حالة اللّا حرب واللّا سلم في المنطقة إلى إبقاء القناعة لدى العديد من دول العالم بأنّ النّظام في كوريا الشّمالية هو المسؤول عنها، ولابدّ من إنهاء حكم سلالة كيم إيل سونغ. بيد أنّ الزعيم كيم جونغ أون استطاع أن يجبر الولايات المتّحدة على التوجّه إلى طاولة المفاوضات، وفتح حوارٍ مباشر بين زعيميّ البلدين وسط إغراءاتٍ أمريكيّةٍ، وترحيبٍ دوليٍّ بقرب حلّ الأزمة، والتوصّل إلى حلٍّ سلميٍّ لنزع أسلحة الدّمار الشّامل، وتوحيد الكوريّتين، ورفع العقوبات الاقتصاديّة عن بيونغ يانغ. لكنّ الحلم لم يدم طويلاً، إذ لم تسفر المباحثات المباشرة بين الزّعيمين عن أيّة نتائج تذكر، وأبقت على حالة التّوتر هناك، وظهرت كيم يو جونغ على السّاحة السّياسيّة إلى جانب أخيها، الزّعيم كيم جونغ أون، وكثرَ الحديث مؤخراً عن أنّها الزّعيم البديل لأخيها في حال تُوفّي أو بقي طريح الفراش، بعد أنباءٍ عن تدهور حالته الصحيّة، واحتمال خضوعه لعمليّةٍ جراحيّةٍ في القلب، باعتبار أنّ أمراض القلب وراثيّةٌ في العائلة الحاكمة.

وبالفعل، فبعد تداول الأنباء عن خضوعه لعلميّةٍ جراحيّةٍ في القلب وتدهور حالته الصّحيّة، كثر الحديث  في أوساط المخطّطين العسكريّين الاستراتيجيّين في البنتاغون عن سيناريوهات حربٍ أمريكيّةٍ محتملةٍ، ووضع خطّةٍ عسكريّةٍ لمواجهة الخطّة الصّينيّة في ضمّ كوريا الشّماليّة لأراضيها من ناحيةٍ، ومن ناحيةٍ أخرى التّحضير لاجتياح كوريا الشّماليّة، والسّيطرة على سلاح بيونغ يانغ النوويّ ونزعه، ومنع تدفق اللّاجئين إلى دول الجوار، باعتبار أنّ رحيل كيم عن السّلطة، دون معرفة خَلَفهِ، سوف يؤدّي إلى كارثةٍ عالميّةٍ، وفوضىً سياسيّةٍ وقد يتسبّبُ يوقوع حربٍ أهليّةٍ بين السكّان الذين يقدّر عددهم ب24 مليون نسمةٍ و هم كما تزعم وسائل الإعلام الغربية يعانون من الفقر والمجاعة والقمع السياسيّ، ممّا قد يستوجبُ تدخّل الجيش هناك وحدوث انشقاقاتٍ في صفوفه، ، وإلى ما هنالك من التّرويج لشائعاتٍ تخدم وتبرّر التدخّل العسكريّ الأمريكيّ والمكاسب السياسيّة والعسكريّة الاستراتيجيّة التي ستجنيها الولايات المتّحدة من انتصارها في الحرب المحتملة بمساندة حلفائها، إذ سيأتي الدّعم اللّوجستي من طوكيو بغطاءٍ من مجلس الأمن الدوليّ ودعمٍ روسيٍّ لمنع وقوع الأسلحة النوويّة في أيدي ضبّاطٍ عسكريّين كوريّين متشدّدين متمردين. ولا داعي للكذب والمراوغة على المجتمع الدّوليّ كما الكذبة  التي روّجت لها الولايات المتّحدة وبريطانيا قبل غزو العراق عام 2003 بحجّة حيازته أسلحة الدّمار الشّامل، وبالتّالي تأجيج الصّراع بين اليابان والكوريّتين من جهةٍ على شاكلة الصّراع السنّيّ-الشيعيّ في العراق بعد غزوه، وبالتّالي  إبقاء القواعد العسكريّة الأمريكيّة هناك، وتعزيز الاستراتيجيّة الأمريكيّة في المواجهة  المحتملة مع الصّين، وتحجيم دورها المتنامي والمنافس للهيمنة الأمريكيّة على العالم؛ وكأنّ النّظام في كوريا الشّمالية يستند على رأس الهرم، لا على القاعدة الشعبيّة لحزب العمّال الكوريّ الحاكم،  والدّور الحيويّ الذي تلعبه  "إدارة التّنظيم والإرشاد" في إقالة وتعيين كبار المسؤولين في الحزب والسّلطة، وهذا ماكتب عنه روبرت كولينز- لجنة الدّفاع عن حقوق الإنسان في كوريا الشّماليّة .

وكما يقول المثل الشعبيّ: "جحا أولى بلحم ثوره"،  فلا كوريا الجنوبيّة تريد انتهاء حكم سلالة كيم، ولا اليابان تحبّذ شبه جزيرةٍ كوريّةٍ موّحدة ديمقراطيّةٍ (ألمانيا الجديدة)، ولا الصّين ترغبُ في تحمّل أعباء النّازحين واللّاجئين من كوريا الشماليّة. وعلاوةً على ذلك كلّه، لن يسقط النّظام برحيل كيم، وهذه ليست المرّة الأولى في تاريخ كوريا الشّمالية بدون زعيمٍ، وقد حدث ذلك في الماضي، كما أنّ الأمور تسير على ما يرام، وثمّة شخصيّاتٌ قويّةٌ داخل الحزب والجيش تدير الشّؤون السياسيّة والاقتصاديّة والأمنيّة  في البلاد، فسياسة  بيونغ يانغ ثابتةٌ وراسخةٌ، ولن تتغيّر بغياب زعيمها، ولن يخلف أحدٌ الزعيم كيم في الوقت الرّاهن، ولن تتخلّى كوريا الشّماليّة عن قوّة الرّدع  النوويّة لديها قبل رفع العقوبات الاقتصاديّة الأمريكيّة  المجحفة بحقّها، والتّعهد الأمريكيّ بعدم الاعتداء عليها .

من شبه المؤكّد أنّ الزعيم كيم سوف يتعافى من العمليّة الجراحيّة، ويطّلع على ردود الفعل للقادة والتكهّنات حول مصير بلاده لو رحل، ولسان حاله يقول : "أنا بخيرٍ، وكذلك شعبي... ارفعوا العقوبات الاقتصاديّة، وابحثوا عن الحلول السّياسيّة، وتفرّغوا لحماية شعوبكم من جائحة فيروس كورونا واسحبوا معدّاتكم الحربيّة ووظّفوا تقنيّاتكم الحديثة لإنتاج لقاحٍ لهذا الفيروس، بدلاً من التكهّنات والسّيناريوهات لشنِّ حروبٍ لاتحمد عقباها".

                                            الدّكتور وائل عوّاد

                                 الكاتب والصّحفي السّوريّ المقيم في الهند

 

 

مصدر الخبر
محطة أخبار سورية - خاص

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.