تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

هل تكون الهند السبّاقة في تصنيع لقاحٍ مضادٍّ لفيروس كورونا؟

مصدر الصورة
خاص

يتساءل العديد من الخبراء في دول العالم عن سبب عدم انتشار فيروس كورونا بشكلٍ كبيرٍ في الهند، وكثيراً ما يوجّه لي هذا السّؤال في اللّقاءات الصحفيّة المتكرّرة على القنوات العربيّة. فالهند هي الدّولة الثّانية بعد الصين حسب التّعداد السّكّانيّ الذي وصل إلى مليارٍ وثلاثمائةٍ وخمسين مليون نسمةٍ، وهناك أكثر من 40% من السّكّان تحت خط الفقر، كما أنّ القطاع الصحيّ ليس متطوّراً، ولا تملك الهند القدرة على استيعاب أعدادٍ كبيرةٍ من المصابين؛ ما هوالسرّ إذاً؟

سرعان ما يتبادر الجواب لذهني، وهو أنّ الوقاية خيرعلاجٍ في الوقت الرّاهن في ظلّ غياب توافر لقاحٍ، و قد أعلنت الهند الإغلاق التامّ، ومدّدته حتى الثالث من مايو/أيّار الشّهر المقبل، فلعب هذا دوراً هامّاً في تخفيض نسبة التّلوث البيئيّ، والحدّ من الانتشار المادّيّ  للفيروس اجتماعيّاً. أضف إلى ذلك قلّة الفحوصات للكشف المبكّر عن الإصابة بفيروس كوفيد -19، ممّا جعل من الصّعب التّشخيص فيما إذا كانت الوفاة بسبب الإصابة بالفيروس أم لا. ومن العوامل الأخرى التي يمكن إضافتها هنا أنّ نسبة المسنّين في الهند أقلّ بكثيرٍ من بقيّة دول العالم، وهي لا تتجاوز 0.8% من السكّان فوق سن الثمانين، بينما يشكّل 75% من السّكّان الأفراد دون سنّ الأربعين عاماً، ولذلك كانت الإصابات والوفيّات أقلّ بكثيرٍ من بقيّة دول العالم،  ناهيك عن كثرة التّطعيمات في الهند للعديد من الأمراض السّارية مثل داء السلّ والملاريا والتهاب الكبد المزمن والروماتيزم وغيرها، وكذلك عوامل  أخرى مثل الطّقس والبيئة والرطوبة  التي لعبت دوراً هامّاً في تخفيض نسبة الإصابات بالفيروس الجائح.

ومن بين العوامل الرئيسيّة  التي يمكن إضافتها هو عدم وجود طيرانٍ مباشرٍ بين مدينة ووهان الصّينيّة المنكوبة وأيّة مدينةٍ هنديّةٍ، ماعدا ولاية كيرالا الجنوبيّة التي كانت الإصابات بها هي الأكبر بعد عودة مواطنيين هنود من سكّان الولاية من الصّين، واستطاعت  حكومة الولاية أن تحدّ من الإصابات وتنجح في تسطيح الخطّ البيانيّ للإصابات أفقيّاً .

على أيّة حالٍ، تدرس الحكومة الهنديّة  بعنايةٍ وحذرٍ تداعيات رفع الإغلاق التامّ تدريجيّاً، والذي من شأنه أن يتسبّب بتفشّي الفيروس  التّاجي، ويؤدّي إلى كارثةٍ  بشريّةٍ، في حال تمّ انتقال العدوى عن طريق التّقارب الاجتماعيّ، وبالتّالي يكشف النّقاب عن اللّغز الغامض للأسباب الحقيقيّة حول نسبة  انخفاض الإصابات في الهند بالفيروس. ولذلك فهناك احتمالاتٌ لتمديد فترة الإغلاق التامّ حتّى الساّدس عشر من الشهر مايو| أيّار المقبل.

 على الرّغم من شبكة اتّصالنا الواسعة وتواصلنا مع زملاءٍ لنا في الميادين الإعلامية ، إلّا أنّه، والحقّ يقال، يصعب على أيّ متابعٍ للأحداث في شبه القارّة الهنديّة أن يعطي صورةً كاملةً للأحداث الجارية هنا، خاصّةً مدى الاستجابة لدعوة رئيس الوزراء بالإغلاق التامّ، والعدد الحقيقيّ للإصابات بالفيروس، خاصّةً بعد النّزوح الهائل للعمّال والعودة إلى ديارهم، بعد أن طردهم أرباب العمل، وأصبحوا بلا مأوىً أو طعامٍ، واضطرّ الآلاف للعودة إلى منازلهم سيراً على الأقدام بعد توقّف القطارات ووسائل النقل العامّة، وحالة الرّعب والهلع التي أصابت الهنود بعد عودةِ مَن حضر الاجتماع السنويّ لحركة التّبليغ الإسلاميّة  في العاصمة دلهي، والتي كان فيها العديد من المصابين بالفيروس من جنسيّاتٍ متعدّدةٍ، وأثارت زوبعةً من الاحتجاجات، ومنحت المتطرّفين وقوداً لتعطي للفيروس طابعاً طائفيّاً استغلّته حركاتٌ يمينيّةٌ متشدّدةٌ لإشعال الفتنة، واستهداف المسلمين الهنود وممتلكاتهم ومقاطعة أعمالهم وتجاراتهم، ممّا دفع برئيس الوزراء الهنديّ - ناريندرا مودي - لمناشدة شعبه بالابتعاد عن الفتنة وعدم إعطاء الفيروس صبغةً طائفيّةً، وكذلك صدر عن زعيم المنظّمة  الهندوسيّة الأمّ راشتيا سوايامسيفاك سانغ (أرأس أٍس )، السيّد موهان باغواتي - أمراً بعدم شيطنة مجتمعٍ بأكمله بسبب أخطاء حفنةٍ صغيرةٍ من أفراده. وسارعت صحيفة الهندوستان تايمز في افتتاحيّتها يوم الثلاثاء 28-4-2020 بنشر  تصريحاته لأهميّة هذه الشّخصية الهندوسيّة، إذ يتمتّع بشعبيّةٍ كبيرةٍ ويطيعه أنصاره، وطالبت الصّحيفة كوادر المنظّمة الهندوسيّة الأم بالانصياع لأوامره.

خلاصة الأمر، إنّ الفيروس سوف يصيب مالايقلّ عن 70% من سكّان الكرة الأرضيّة قبل التّوصل إلى لقاحٍ له بدرجاتٍ متفاوتةٍ من شدة الإصابة والوفيّات التي سوف تنجم عنه، خصوصاً بين صفوف المرضى بأمراضٍ مزمنةٍ، وهم الأكثر عرضةً للموت من جرّاء الإصابة به بسبب ضعف جهاز المناعة لديهم .

ودخلت الهند السّباق بين الدول الأوربيّة والولايات المتحدّة والصّين للتوصّل إلى إنتاج لقاحٍ للفيروس التاجيّ. وتعدّ الهند من الدول الرّائدة في مجال إنتاج اللّقاحات  والبحث العلميّ مقارنةً بالصّين، وتضاهي قدراتها الدّول الأوروبيّة والامريكيّة؛ بيد أنّ المشكلة الأساسيّة التي تعيق تطوّرها هو إحجامها عن إجراء التّجارب على الحيوانات، على عكس العديد من دول العالم، بل تتمّ التّجارب للّقاح على البشر. ويوجد حاليّاً خمس شركاتٍ عالميّةً رئيسيّةً، صينيّةً وأمريكيّةً وبريطانيّةً وألمانيّةً وفرنسيّةً  وهنديّةً، ومن بينها ستّ شركاتٍ هنديّةٍ تنافسُ على إنتاج لقاحٍ للفيروس، إمّا بشكلٍ مستقلٍّ، أو بالتّعاون مع شركاتٍ عالميّةٍ لإنتاج اللّقاحات والأدوية الطبيّة. وهناك  أربع شركاتٍ ضمّتها منظّمة الصحّة العالميّة، من بينها ثلاثة شركاتٍ أساسيّةٍ، وهي زايدوس كاديلا (Zydus Cadila)، ومقرّها مدينة أحمد آباد في ولاية غوجرات الغربيّة، وشركة بهارات بيوتيك (Bharat Biotech) ومقرّها مدينة حيدرآباد في ولاية اندرا برادش جنوبيّ الهند، والتي تجري التّجارب على لقاحٍ بقطرةٍ واحدةٍ في الأنف، وشركة إنتاج اللّقاحات (المصل) في مدينة بوني في ولاية مهراشترا الغربيّة، والذي أعطى نتائج إيجابيّةً في عزل فيروس كورونا التّاجيّ، وهي الخطوة الرئيسيّة الهامّة، وأكّد مصدرٌ من المعهد أنّه سوف يتمّ إنتاج ما لا يقلّ عن 60 مليون جرعةٍ من اللّقاح المحتمل للفيروس هذا العام ضدّ فيروس كورونا الجديد الذي يخضع للتّجارب السريريّة في بريطانيا. وتتنافس هذه الشّركات الهنديّة مع الشّركات العالميّة للإنتاج باستثماراتٍ ماليّةٍ تقدّر بحوالي مليار دولارٍ أمريكيٍّ، وقد  تستغرق عمليّة إنتاج اللّقاح من سنةٍ إلى سنةٍ ونصف؛ وسوف يتمّ توفير اللّقاح مجّاناً للهنود بعد الدّعم الماليّ من قبل رئيس الوزراء الهنديّ.

ومازالت عمليّات  تطوير اللّقاح في الهند في  مراحلها الأولى  من البحث والتّجارب على المتطوّعين، وسوف تمرّ بٍثلاث مراحل على الأقلّ من التّجارب على الحيوانات والتجارب السريريّة على البشر. وقد تستغرق هذه العمليّة عدّة سنواتٍ، على الرّغم من الضّرورة الملحّة لإنتاجه بأقصى سرعةٍ ممكنةٍ، وذلك بسبب الانتشار الواسع للفيروس الجائح والإصابات القياسيّة به. وبالفعل، فقد بدأت في الهند عمليّاتُ التجارب على المصابين بحقنهم بالبلازما عن طريق نقل الدّم من مرضى قد تعافوا من الإصابة بالفيروس، واستجاب قرابة 300 من المسلمين الهنود للنداءات بالتّبرع بالبلازما، وهم من  الذين أصيبوا بالفيروس، حيث كانوا من المؤتمرين في مؤتمر مركز تبليغ  الدّعوة في شهر فبراير| شباط الماضي من العام الجاري. و كانت نتائج الحقن إيجابيّةً، واستجاب لها المصابين بالفيروس التّاجيّ، ممّا زاد من الأمل بتحقيق الشّفاء للمرضى، ومازلت اللّقاحات قيد التّجربة.

 

وبينما تُجرى التّجارب العالميّة على أكثر من 70 لقاحاً، مازالت قيد التّجربة، تتوجّه الأنظار إلى الهند أيضاً لقدرتها على إنتاج كميّاتٍ هائلةٍ متوقّعةٍ من اللّقاح للفيروس وتوزيعها عالميّاً.

وتفنيداً لنظريّة المؤامرة بأنّ هذا الفيروس قد تمّ إنتاجه في المخابر النّشطة في إنتاج الأسلحة البيولوجيّة، فإنّ العلماء يجمعون أنّ هذا الفيروس الخبيث يُستنسخ بكثرةٍ، ويصعب تطويره مخبريّاً، وهناك أكثر من نوعٍ  للتسلسل الجينيّ له، وتختلف من منطقةٍ لأخرى في العالم من حيث التكوين وقدرته الفتّاكة .

وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ الهند تعدّ من الدّول الرّائدة في العالم  في صناعة الأدوية العامّة، وإنتاج اللّقاحات ضدّ شلل الأطفال والتهاب السّحايا والالتهاب الرئويّ والفيروس العجلي وداء السلّ ( BCG ) والحصبة والنّكاف والحصبة الألمانيّة ، وغيرها  من الأمراض. ويعود الفضل بذلك إلى السّياسة الحكيمة والاستثمارات الضّخمة في هذا القطاع على مدى العقود الماضية ممّا أكسبها سمعةً عالميّةً جيّدةً لجودتها وأسعارها المعتدلة مقارنةً بشركاتٍ عالميّةٍ أخرى.

خلاصة القول ، علينا ان نتعايش مع فيروس كورونا التّاجي لسنتين على الأقلّ حتى يتم إنتاج اللّقاح والقضاء على الجائحة، وإلى حينه فإنّ طريقة التّعايش والتّقارب والتّواصل الاجتماعيّ سوف تتغيّر بشكلٍ جذريٍّ في حقبة ما بعد فيروس كورونا. ولا يسعنا في الوقت الرّاهن سوى الالتزام في بيوتنا للحدّ من انتشاره عملاً بالمثل القائل "درهم وقايةٍ خيرٌ من قنطار علاجِ" وإعطاء فرصةً للعلماء والباحثين لإنتاج اللّقاح بأسرع وقتٍ ممكنٍ وإنقاذ البشريّة من هذا الوباء القاتل.

بقلم الدّكتور وائل عوّاد

الكاتب والصّحفيّ السّوريّ المقيم بالهند

 

 

 

مصدر الخبر
محطة أخبار سورية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.