تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

ترامب صانع الأزمات

مصدر الصورة
وكالات

حافظ البرغوثي

ترامب يعزل بلاده تدريجياً عن العالم، ويريد تحويلها الى «غيتو» مغلق يقيدها بأفكاره والقوانين التي يفصّلها على مقاسه.

انتعش منطق العنصرية البيضاء في الولايات المتحدة في الاتهام للشرطي الذي أطبق بركبته على رجل أسود في مدينة مينيابوليس الأمريكية، حيث اتهم القاتل بالقتل «غير العمد» من الدرجة الثالثة باعتبار أن القتيل كان يعاني أمراضاً وليس لأن القاتل ضغط بركبته على عنقه وهو يستنجد بالمارة من أنه يختنق!.

المنطق نفسه كان موجوداً وما زال في البيانات «الإسرائيلية» الاحتلالية التي تحمّل الضحية مسؤولية قتلها بيد قوات الاحتلال، وآخرها قتل شابين أحدهما من ذوي الاحتياجات الخاصة من دون سبب، حتى وصل الأمر ذات سنة بأرييل شارون المجرم إلى القول إن الفلسطينيين أجبرونا على أن نتحول إلى قتلة.

ويبدو أن الرئيس الأمريكي الذي لا ينام دون اختلاق مشاكل دولية أو في عقر داره، استغل جائحة كورونا وصراعه التجاري مع الصين لتفريخ المزيد من الأزمات على المستويين الدولي والأمريكي. ويلاحظ أن انتفاضة الشارع الأمريكي بعد الحادث ليست حكراً على السود، بل شارك فيها البيض سواء في الهجمات على مراكز الشرطة أو نهب المتاجر كما يظهر في أشرطة الفيديو، حتى إن الإدارة الأمريكية حاولت لوم الآخرين واتهمت ما سماه وزير العدل الأمريكي «عناصر مندسة» بإشعال الأحداث في المدن الأمريكية. بينما لا يمكن لوم هؤلاء المحتجين خاصة السود لأن مدينة مينيابوليس شهدت في السنوات الأخيرة عدة جرائم قتل من قبل الشرطة لمعتقلين سود وتمت تبرئة القتلة البيض، لكن عندما اتهم شرطي أسود بقتل امرأة بيضاء تمت إدانته وسجنه.

فالعنصرية ما زالت متجذرة لدى شريحة واسعة من الأمريكيين خاصة أنصار ترامب، فهو المحرض لهم ومروج نظرية التفوق العنصري للبيض. ولعل تهديده بإطلاق الرصاص على المحتجين يأتي في سياق نظرته للأمور، حيث سبق له أن رفض إدانة مقتل متظاهرة في حادث دهس نفذه عنصري يميني ضد متظاهرين في فرجينيا وحمّل ترامب الطرفين المسؤولية، كما أن تصريحات ترامب العنصرية ضد المهاجرين والسود والمسلمين واللاتينيين باتت دليلاً لليمين الأمريكي الإنجيلي المسيحاني الصهيوني المتطرف وجماعات التفوق العنصري للبيض، حيث شهدت فترة رئاسة ترامب زيادة مطردة في التحريض والاعتداءات العنصرية ضد السود والأقليات الدينية كالمسلمين، كما تزايدت الاعتداءات العنصرية ضد المسلمين بنسبة تزيد على ستين في المئة، وكذلك ضد اللاتينيين.

ترامب يعزل بلاده تدريجياً عن العالم، ويريد تحويلها الى «غيتو» مغلق يقيدها بأفكاره والقوانين التي يفصّلها على مقاسه. فهو دخل منذ بداية حكمه في معركة مع الإعلام وقاطع كبرى الصحف والشبكات مثل «واشنطن بوست» و«سي ان ان»، واتخذ من «تويتر» منصة لبث أفكاره، لكن سرعان ما تلقى تحذيراً من «تويتر» على تغريداته الداعية للعنف، فدخل في معركة ضد وسائط التواصل الاجتماعي حالياً ويستعد للانتقام منها بسنّ قانون على مزاجه. وعلى المستوى الدولي انسحب من كثير من الاتفاقات الدولية والمعاهدات وآخرها الانسحاب من منظمة الصحة العالمية بحجة أنها أيدت جانب الصين في أزمة الجائحة الحالية، وهو الآن يؤجج صراعه مع الصين على خلفية الوضع في هونج كونج. وقبل ذلك انسحب من اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ، كما أعلن انسحابه من معاهدة الأجواء المفتوحة، وهي اتفاقية بين ثلاثين دولة تسمح برحلات الاستطلاع فوق أراضي بعضها من أجل تقليل عدم اليقين وفرصة سوء التقدير. وكانت هناك مجموعة من الانسحابات الأخرى، بما في ذلك اتفاق باريس للمناخ، والاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، ومعاهدة القوى النووية متوسطة المدى واليونيسكو، ومجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بسبب مواقف المنظمتين الأخيرتين من سلطات الاحتلال «الإسرائيلي».

ما يهمنا في هذا السياق أن السياسة الناجحة حتى الآن للرئيس الأمريكي هي ضد الفلسطينيين، فقط فهو استفرد بهم ضمن «صفقة القرن»، كما اعترف بالقدس ويستعد لدعم ضم أراضٍ من الضفة للاحتلال.

إن السياسة المنحازة لـ «إسرائيل» سوف تدفع اليهود إلى المجهول ولن تصنع لهم أمناً ولا سلاماً في المنطقة، لأن ربط وجود الاحتلال برئيس غير مستقر سياسياً يعني أن كل مواقفه ستتبخر عندما يغادر سدة الحكم.

مصدر الخبر
الخليج الإماراتية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.