تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الولايات المتحدة إلى أين..؟!!

مصدر الصورة
وكالات - أرشيف

أذكر قبل أكثر من ثلاثة عقود، عندما كنّا طلاباً، أننا كنا نقرأ عناوين على أغلفة الصحف والمجلات في الأكشاك والمكتبات وعلى أرصفة شوارع دمشق، عناوين كثيرة، لايزال أحدها يرنّ كلّما سمعت خبراً عن هذا البلد الشقيق: اليمن إلى أين؟ وأذكر أنّ أحد زملائي علّق على صورة للرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح وهو ينظر إلى مكان غير محدد، على غلاف مجلة لبنانية وفوقها بالخط العريض العنوان الأزلي: اليمن إلى أين؟ وقال صديقي: "لوين يعني.. مو عرفان الله وين حاطو" (أي: إلى أين، وهو لا رؤية لديه للمستقبل).

بعد سنوات انتقلت عدسة الكاميرا وبدأ العنوان يتغيّر ويتكرر، ولم يعد ملكاً حصرياً لليمن المعذّب وحده: أصبح السؤال: الصومال إلى أين، بعد حرب امتدت لسنوات.. ثم أصبح السؤال بعد حروب دامية مع إيران وبعد غزو الكويت وبعد الحروب الطاحنة المستمرة ضدّه: العراق إلى أين؛ وهكذا يتكرر السؤال منذ سنوات في المغرب العربي: ليبيا إلى أين، بنفطها وأرضها وشعبها؛ ثم يعود السؤال إلى المشرق العربي: سـورية إلى أين، ومتى تنتهي الحرب الغربية العربية الشريرة على مركز الأرض وقلب العالم ومتى تنتهي الآلام والأوجاع؛ لبنان إلى أين والأردن أيضاً إلى أين...؟!

والحقيقة، لم يعد السؤال مقتصراً على دول هذه المنطقة؛ يمكن بعد جائحة وباء الكورونا والدمار الاقتصادي الحاصل، والخوف والقلق العالمي على مصير البشرية، السؤال بدون تردد: العالم كلّه إلى أين؟!!

قد تكون الإجابة عن كل الأسئلة في مكان بعيد، خلف البحار والمحيطات؛ في مكان صنع الشرور وخلق المشاكل؛ في غرف المؤامرات السوداء، وغرف صياغة برامج الحروب وتصديرها إلى العالم: الولايات المتحدة. تلك البلاد التي كانت قبل سنوات وربما عدة أشهر فقط محطّ رغبة شعوب العالم للسفر والهجرة والاستيطان والعمل، ها هي تضيق اليوم بأهلها وبالعالم، وتكاد تنفجر مثل صندوق الشرور الذي ينشر في العالم كل أنواع الكوارث والمآسي والويلات.

الولايات المتحدة إلى أين؟ وقد تجاوزت حصيلة إصابات فيروس كورونا حين كتابة هذه الأسطر، أربعة ملايين حالة، ووفياته تجاوزت الـ154 ألفا؛ الولايات المتحدة إلى أين؟ وقادتها يتهمون بعضهم بالكذب والنفاق وعدم الثقة وقلّة الأخلاق وينشرون غسيلهم الوسخ على الملأ؛ الولايات المتحدة إلى أين؟ والأزمة الاقتصادية التي تشهدها حالياً توصف بأنها "الانهيار الاقتصادي الأكبر" في تاريخ البلاد؛ يدخل الاقتصاد الأميركي مرحلة انكماش شديد؛ إذا استمرّ الانهيار على هذه الوتيرة خلال عام واحد، فسيعني ذلك أن الناتج المحلّي سينكمش بمقدار الثلث؛ انهيارٌ لن يكون الأسوأ منذ الأزمة المالية عام 2008 فحسب، بل وحتى من الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي؛ في الفترة ما بين آذار وحزيران، زادت ثروات أغنى خمسة مليارديرات في أميركا بمقدار 101,7 مليار دولار؛ فيما في الفترة نفسها فقد حوالي 50 مليون أميركي أعمالهم. وفي غضون بضعة أشهر فقط، خسر الرئيس ترامب، أكبر بطاقة رابحة لديه في الطريق إلى انتخابات تشرين2: النموّ والوظائف. (صحيفة الأخبار 3/8/2020).

وهل ننسى المشاكل العرقية والتمييز العنصري الكامنة التي أيقظ فتنتها وحرّك مظاهرات حاشدة بسببها، مقتلُ الأمريكي من أصل إفريقي؛ جورج فلويد؟! أمَا وقد أضيف للقنبلة الموقوتة حوالي 50 مليون أميركي عاطل عن العمل، مع أسرهم وبدون مساعدات، فإنّ السؤال يصبح حقاً خطيراً وملحّاً جداً: الولايات المتحدة إلى أين؟!!

الولايات المتحدة إلى أين في حربها التجارية والاقتصادية والعقوبات التي تفرضها ضد دول العالم وشعوبه: أولاً ضد الشركاء في أوروبا، وضد الشركاء في الخليج العربي؛ وثانياً ضد المنافس القوي الجديد، الصين العلمية والاقتصادية والسيبرانية وطريق الحرير الجديد؛ وضد العدو القديم الجديد روسيا صاحبة الصناعة النفطية والأسلحة الفرط صوتية؛ وضد إيران وغيرها من الدول والشعوب، وضد كل من لا تروق سياسته لحكام واشنطن أو تخدم مصالحهم؟

لا أحد من المحللين والمفكرين والكتّاب والسياسيين لديه ما يبشّر بالخير، أو أدنى حدّ من اليقين، أو يستطيع التكهن بمآلات إيجابية في ظل الظروف الراهنة والمشاكل والتحديات القائمة، ليقول لنا إلى أين تتجه الولايات المتحدة، وإلى أين تحاول جرّ العالم معها في هذه التحولات الكبيرة الرهيبة...؟!

                                                         بـديـع عفيـف

 

مصدر الخبر
محطة أخبار سورية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.