أدّى النظام السائد في العالم إلى سيطرة «التافهين» على مواقع أساسية في السياسة والفن والإعلام، وهذا ما يعرف بـ «نظام التفاهة» حسب كتاب الباحث «آلان دونو».
يتحدث الباحث عن اختراق «الجهلة والمتواضعين فكرياً» كل مجالات الحياة لخدمة أغراض السوق، الذي باتت تسيطر عليه الرداءة والانحطاط على حساب الجدية والجودة، وأصبح من الصعب على العقلاء مقاومة «غزو البلهاء».
ومن هذا المنطلق، بات المعيار الأساسي للنجاح هو عدد المشاهدات، وما يجنيه «التافهون» من دولارات على منصات التواصل السوشال ميديا بغض النظر عن نوعية المادة.
ظاهرة «اليوتيوبرز» أو صانعي المحتوى على موقع «يوتيوب»، هي أوضح الأمثلة على نظام التفاهة العالمي، حيث يحقق المحتوى الرديء أكبر نسب مشاهدة متفوقاً على المحتوى العلمي والرصين.
«أكبر حفلة معرفة جنس مولود في العالم»
هو عنوان الفيديو الأكثر مشاهدة في العالم العربي خلال الساعات الماضية، ويكشف خلاله الزوجان السوريان أنس وأصالة عن جنس مولودهما على واجهة برج خليفة في دبي.
هكذا انتهى العد التنازلي بعبارة «إنه ذكر» على واجهة البرج باللون الأزرق، وسط فرحة الزوجين ممزوجة بدموع الفرح، وأجواء من الإثارة والرومانسية.
فيما أفادت وسائل إعلام إن استئجار واجهة البرج تكلف 95 ألف دولار لـ 3 دقائق فقط، (*) ولكن أنس أكد أن الحفل كان مجانياً ولم يكلف حتى دولار واحد!.
وأصالة المالح مطربة من أصول سورية اشتركت سابقاً في برنامج «ذي فويس» الأميركي، وزوجها أنس مروة سوري الجنسية وابنتهما ميلا، ويعيشون بين كندا ودبي، وتعارفا عبر موقع «سناب شات».
وتعتبر هذه العائلة الأشهر على يوتيوب، حيث يملكان قناة يتابعها أكثر من 7.5 مليون شخص، وينشران فيديوهات عن حياتهما اليومية، تحقق مشاهدات تتخطى عشرات الملايين.
وقال الثنائي في وقت سابق إن العوائد التي يجنونها عبر يوتيوب تعادل ما يزيد على راتب الطبيب والمحامي معاً، حيث تمكنا من الزواج وشراء بيت وسيارة خلال 6 أشهر.
الفيديو حصد خلال ساعات قليلة أكثر من عشرة ملايين مشاهدة، واستقطب آلاف التعليقات التي غلب عليها طابع الإعجاب، ولكنها لم تخل من الانتقادات، وجرى التصويب مباشرة على الزوج أنس مروة كونه ابن هشام مروة عضو الائتلاف السوري المعارض.
(*) وقال أحدهم إن مروة دفع 95 ألف دولار (230 مليون ليرة سوري) ليكتب جنس مولوده الجديد على أطول برج في العالم، فيما والده يتاجر بالشعب السوري ومأساته ومعاناته!.
وانتقد مغردون الفكرة على اعتبارها مبالغة لا ضرورة لها في وقت تمر فيه سورية والدول العربية بأوقات صعبة، وهذا أمر من الممكن الاحتفال به في عيادة الطبيب دون الحاجة للمغالاة، فيما رأى آخرون أنها مجرد حرية شخصية، والجمهور يريد هكذا محتوى.
ووجد البعض أن الثنائي المعروف بـ (Ansala family "أنصالة") سيحصدان أضعاف هذا المبلغ من خلال عائدات المشاهدات، ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن الجمهور هو الأساس الذي يبني عليه هؤلاء شهرتهم، وعلق آخرون بالقول: (لا تجعلوا من الحمقى مشاهير).
فيما علق آخرون على الحدث بأنه حركة تجارية تقوم بها حكومة دبي كل فترة لتشجيع السياحة برعاية وتمويل شركة إعمار، خصوصاً بعد الركود الاقتصادي الأخير الناجم عن كو رونا.
يرى الباحث (آلان دونو)، في كتاب «نظام التفاهة» أن الأخطر هو ترميز التافهين، أي تحويلهم إلى رموز، ما يجعل الكثير من تافهي السوشال ميديا والفاشينيستا يظهرون لنا بمظهر النجاح والشهرة، وضمن طوفان التفاهة، يدعم التافهون بعضهم بعضاً، فيرفع كلٌّ منهم الآخر، لتقع السلطة بيد جماعة تكبر باستمرار، لأن الطيور على أشكالها تقع!.
صدام حسين
