تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

أوروبا.. «بريكسيت» والتحدّي التركي

مصدر الصورة
وكالات

كمال بالهادي

هل تقدر أوروبا على إدارة معركتين متزامنتين في الشمال ضد بريطانيا وفي الشرق ضد تركيا؟

لا تعاني أوروبا في هذه الفترة تبعات انتشار «كورونا» فقط، والذي يعود بقوّة هذه الأيّام في أكثر من دولة أوروبيّة، فمخلّفات الفيروس الاقتصاديّة ثقيلة جدّاً في قارّة لم تبرأ بعد من مخلّفات الأزمة الماليّة التي عاشتها منذ عام 2008 بل هناك فيروسات أخرى تنخر الجسد الأوربي، مثل بريكسيت في الشمال، والتحدّي التركي في الشرق.

الاتحاد الأوروبي يهدّد باللجوء إلى القضاء بعد أن أصدرت بريطانيا تشريعاً يخالف الاتفاقات مع بروكسل حول الخروج النهائي من الاتحاد. كبير المفاوضين الأوروبيين ميشال بارنييه، قال إنّه قلق بشأن العلاقات مع لندن، بعد الخروج النهائي؛ بسبب عدم التزام الأخيرة ببنود الاتفاق، وبسبب تلكّئها في تنفيذ ما يستوجب عليها تنفيذه. وقال بارنييه: «أولئك الذين كانوا يتوقعون تسريعاً للمفاوضات هذا الأسبوع سيصابون بخيبة»، مضيفاً، «في هذه المرحلة يبدو أن اتفاقاً بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي مستبعد. لا أفهم لماذا نضيع وقتاً ثميناً؟». وأوضح أن التعطيل لا يزال يتعلق بالموضوعين الأكثر جدلاً، وهما شروط المنافسة المنصفة والصيد البحري، وفي ما يشبه الإنذار لبريطانيا شدّد على أنّ السوق الأوروبية لن تكون مفتوحة أمام السلع البريطانيّة، وأنّه سيتم تنفيذ قوانين منظمة التجارة العالمية على بريطانيا في الحادي والثلاثين من كانون الأول القادم، إن فشلت المفاوضات بين الطرفين.

أوروبا التي تعاني من مخلفات الجائحة، ويراوح نموّها الإجمالي عند حدود الواحد في المئة، والتي خصصت حكوماتها نحو 980 مليار دولار؛ لإنعاش اقتصاد دول الاتحاد، يبدو أنها غير مستعدّة للتساهل في الملف الاقتصادي مع بريطانيا التي اختارت من تلقاء نفسها الخروج من الاتحاد. رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد، قالت إنّه لا تساهل في إجراءات التعافي التي حددها البنك، على جميع الدول الأعضاء، وهذا دليل على أنّ الاتحاد لن يتساهل في ملف اقتصادي وسياسي في حجم البريكسيت. وبينت رئيسة المركزي الأوروبي أنّ على حكومات منطقة اليورو مواصلة الإنفاق بسخاء؛ للحيلولة دون ارتفاع معدل البطالة. وتابعت: «استمرار سياسة التوسع المالي ضروري لتجنب فقد مفرط للوظائف، ولدعم دخل الأُسر إلى أن يقوى التعافي الاقتصادي». هذه الرّسائل الحازمة، تؤكّد حجم الخطر الاقتصادي الذي تواجهه أوروبا، الأمر الذي يدفع كبار مسؤوليها إلى تصعيد لهجة الخطاب مع لندن.

لهجة التّصعيد هذه تأخذ بعداً سياسياً في العلاقة مع تركيا التي أجرت مناورات عسكريّة بالقرب من المياه الإقليمية اليونانيّة. ما اعتبرته بروكسل، عملاً استفزازيّاً لا يمكن السكوت عنه. المراقبون يؤكّدون أنّ أوروبا رفعت العصا الغليظة في وجه أنقرة عندما لمّحت إلى فرض عقوبات اقتصاديّة وحتى سياسيّة وعسكرية، إن لم تتراجع أنقرة عن عمليات التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط. تهديد رضخت له أنقرة يوم الأحد الماضي، فأعلنت سحبها سفينة التنقيب «أوروك ريس» من المناطق المتنازع عليها مع اليونان في شرق المتوسط. وندد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ب«لعبة الهيمنة لقوى تاريخية» في البحر الأبيض المتوسط وليبيا، مطالباً تركيا بوقف التنقيب عن الغاز في المتوسط، والامتناع عن تصدير الأسلحة إلى ليبيا. وقال في ختام قمة، عقدت بجزيرة كورسيكا، وجمعت رؤساء دول وحكومات جنوب الاتحاد الأوروبي، إنّ «بحرنا الأبيض المتوسط اليوم مسرح لنزاعات مستمرة، في ليبيا لعبة الهيمنة لقوى تاريخية تسعى إلى زعزعة استقرار المنطقة كافة، والدور التركي يثير القلق».

أوروبا التي تقاتل مثلها مثل بقية قارات العالم للانتصار على الفيروس اللعين، وتخرج من المعركة بجراح «اقتصاديّة» غائرة لن تشفى منها بسهولة، وأوروبا التي تدرك جيّداً أنّ المتوسط مسرح النزاع الجديد بين القوى الدّولية لم يعد مجالها الحيوي الذي تتحكم في خيوط اللعبة فيه. وقادتها يدركون أنّ أي تساهل في هذا الملفّ سيكلّفهم ثمناً باهظاً في المستقبل. لذلك فإنّ خطاب التصعيد قد تليه خطوات عمليّة شديدة القسوة ضدّ أيّ طرف يمكن أن يمثل تهديداً استراتيجيّاً في المستقبل للمصالح الأوروبيّة. ولكن المراقبين يتساءلون، هل تقدر أوروبا على إدارة معركتين متزامنتين في الشمال وفي الشرق؟

مصدر الخبر
الخليج الإماراتية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.