تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

"حلف ناتو آسيوي " لمواجهة التنين الصيني

مصدر الصورة
خاص

لم يخف وزير الخارجية الامريكي مايك بومبيو الخطة الامريكية لتشكيل حلف ناتو آسيوي جديد، على شاكلة حلف الشمال الأطلسي ، لمواجهة النفوذ الصيني المتزايد وذلك من خلال إحياء الرباعية التي تضم كلاً من الولايات المتحدة الامريكية واليابان واستراليا والهند والتي من المتوقع أن تعقد اجتماعاً لها يوم الثلاثاء السادس من أكتوبر/ تشرين الأول في العاصمة اليابانية طوكيو ، بعد أن كانت مقررة في نيودلهي ، على مستوى وزراء خارجية الدول الأعضاء .وتعد هذه النواة الرباعية حجر الأساس للخطة الامريكية في تشكيل تحالفات جديدة بعد ان تحولت أنظارها إلى منطقة آسيا باسيفيك ومواجهة القوة الصينية التي بدأت تهز عرش الولايات المتحدة في الهيمنة على العالم اقتصادياً وعسكرياً .

ويهدف الحوار الرباعي  إلى وضع رؤية مشتركة للأمن البحري والتقنيات الالكترونية والحرجة والبنية التحتية ومكافحة الإرهاب والتعاون الإقليمي وعين على الصين خصوصاً بعد زيادة حدة التوتر والعداء لها من نيودلهي بعد النزاع الحدودي في جبال الهيمالايا ، وكانت الهند مترددة في السابق الدخول في الرباعية لعدم ازعاج جارتها الصين ، إلا أنها الآن تسّرع من خطاها باتجاه المعسكر الأمريكي لتعزيز قدراتها العسكرية والأمنية ، أما  الولايات المتحدة فلم تتخلى إدارة ترامب عن اتهام بكين بنشر جائحة فيروس كورونا وزادت من حدة العداء للصين خلال الحملة الانتخابية  الجارية للرئيس الأمريكي  دونالد ترامب .

بالنسبة لواشنطن فإن الخطر القادم هو من الصين ولابد من إيجاد تحالفات معادية للصين تديرها المصالح الأمريكية في المقام الأول. إلى كانبيرا حيث ساءت العلاقات بين البلدين منذ وصول موريسون إلى رئاسة الوزراء في اوستراليا ، أما اليابان التي تربطها علاقات تجارية وسياسية وطيدة  مع جارتها فهي حائرة بين فكي الكماشة الأمريكية والصينية وتريد طوكيو  للنفوذ الأمريكي أن يستمر في المنطقة لحماية حلفاء واشنطن التقليدين .

 جاءت التطورات السياسية الحالية والتقلبات العالمية والخلل في ميزان القوى لتفرض نفسها بقوة على واشنطن للدخول في حرب باردة مع الصين بعد أن كانت مع الاتحاد السوفييتي سابقاً وبالتالي بدأت تحفز حلفاءها للانضمام إلى هذا التحالف الجديد وقد تكون كندا العضو الجديد خاصة بعد أن ساءت العلاقات الكندية الصينية في الآونة الاخيرة وأصبحت أوتاوا أكثر عدوانية بعد اعتقال مسؤول كبير في  شركة هواوي الصينية عام 2018  وإرسالها سفناً حربية إلى مضيق تايوان الشهر الفائت لاثارة حفيظة بكين .

رباعيات الديمقراطيات

صيغت الرباعية على يد رئيس الوزراء الياباني السابق شينزو آبي عام 2007 بعد مشاركة الدول الأربع في عمليات الاغاثة والانقاذ عام 2004 عندما تعرضت المنطقة إلى إعصار سونامي ورَوَج آبي لمفهوم المحيطين الهندي والهادئ ودعا للتعاون بين الدول الديمقراطية الأربع لتحقيق الاستقرار في المنطقة  الجغرافية السياسية الجديدة . وبعد انتشار جائحة كورونا  وزيادة الحملة العدائية ضد الصين ،وكما يقال الغاية تبرر الوسيلة فقد وجدت هذه الدول الأربع حاجة ماسة في تعزيز التعاون بينهم وتحويل هذه المبادرة إلى حقيقة تفرضها الظروف الجديدة  وتشكيل الرباعية، التي اعتبرتها في السابق معادية للأمن والسلم العالميين .ومن شأن هذه الرباعية أن تقلل من شأن مجموعة  دول البريكس والتي تضم الصين والهند وروسيا والبرازيل وجنوب افريقيا واتهام  بعض الدول الأعضاء للصين بمّد نفوذها خاصة نيودلهي الحليف الرئيسي  التي وجدت ضالتها في الرباعية المدعومة أمريكياً ، بعد الاعتداءات الأخيرة في جبال الهيمالايا وكذلك التقارب الصيني الباكستاني الذي تعتبره الهند يضر بمصالحها و يحد من حملتها الدولية لعزلة باكستان دولياً باعتبار أنها دولة راعية للإرهاب الموجه  ضد الهند ،على حد زعمها. وسوف تلعب الهند دوراً حيويا" في تعزيز دور التحالف الجديد وضم دول أخرى إليه مثل جزر المالديف وميانمار وغيرها من الدول المحيطة بالصين.

وتتوجه الأنظار الآن إلى العاصمة اليابانية طوكيو لمعرفة ماذا سيتمخض عن هذه الاجتماعات وما هي أهداف الرباعية المعلنة وغير المعلنة ،وهل سيتم الاتفاق على إطار نظام دفاع مشترك جديد  طويل الأمد ، للدول الأعضاء ربما يعيد التوازن الاقليمي ويحّد من النفوذ الصيني الذي يثير حفيظة واشنطن ويقلق حلفاءها التقليدين ويدفعها للعدول عن فكرتها بالتوجه نحو الاقتصاد الخالي من الكربون والنقي لحماية المصالح الأمريكية .

ولكن ما مدى نجاح مثل هذه التحالفات ؟

يعد شعار الديمقراطية  السائد  هو العامل الرئيسي لمحاربة الأنظمة " الاستبدادية والدكتاتورية " والمقصود بها هنا الصين و إيران و روسيا أعداء واشنطن حالياً .ومع ذلك هناك عوامل أخرى تجمع بين هذه الدول لإيجاد ارضية مشتركة وهي القوة  الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية والمعلوماتية  .وسوف تجد ضالتها في تعزيز التعاون فيما بينها لحماية مصالحها القومية.

 بين أن الصين تعتبر التحركات والتحالفات الأمريكية موجهة ضدّها وتساهم في افتعال  الأزمات  مع جيرانها  لتعزيز التحالفات المعادية لها وتحاول بكين التقليل من شأن هذا التحالف الأمريكي الجديد والذي تراه أنه يهدف لتضييق الخناق عليها من خلال عرقلة تدفق النفط للصين  عبر مضيق ملكا للحد من النمو الاقتصادي الصيني .وبدورها تسعى الصين المتفوقة اقتصادياً الحّد من المحاولات الأمريكية لإعاقة نموها وتضييق الخناق عليها ، وذلك من خلال التوجه نحو اقتصاد خال من الكربون  بحلول عام 2060 وتقليص الاستيراد من استراليا والولايات المتحدة التي سوف تضغط على اليابان والهند لشراء الفحم والنفط الأمريكي الخام وإنقاذ سوق صناعة السيارات الأمريكية التي تعمل على الوقود الأحفوري  . وبالتالي لن تجد نفعاً محاولات واشنطن بممارسة الضغوط على بكين وتطويقها في المحيطين الهندي والهادئ .

في غضون ذلك تعزز الهند والولايات المتحدة من العلاقات الثنائية بينهما بعد أن اصبحت مواقفهما تتطابق في العداء للصين ، و تقرر عقد الجولة الثالثة من المباحثات(  اثنان +اثنان )على مستوى وزيري الخارجية والدفاع لكلا البلدين في السادس والسابع والعشرين من الشهر الجاري في العاصمة الهندية دلهي والتي سيتم خلال هذه الجولة ، التوقيع على اتفاقية للتعاون والتبادل الأساسي في مجال التعاون الجغرافي المكاني ، ضمن أربع اتفاقيات أخرى والتي ستعزز من التعاون العسكري والأمني بين البلدين وسوف تسمح للهند الإسراع بشراء طائرات بدون طيار من طراز MQ-9 B الأمريكية لوضعها على الحدود مع الصين .

تأتي هذه التطورات في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات الهندية  مع الصين وباكستان تدهوراً ملحوظاً وتعارض الهند بشدة الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني عبر مناطق من إقليم جامو وكشمير تعتبرها الهند لها .

وتتزامن  الاجتماعات الأمريكية الهندية نهاية الشهر الجاري ، مع الجلسة العامة للحزب الشيوعي الصيني و سوف يتم مناقشة قضايا إقليمية هامة خاصة التطورات في افغانستان مع اقتراب موعد انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان ، عقب  التوصل إلى اتفاق أمريكي مع حركة طالبان وبدء الحوار الأفغاني الأفغاني وكذلك الأمر المستجدات على الساحة الأمريكية الإيرانية  ومستقبل ميناء تشابهار الإيراني الذي تموله الهند ، بعد فرض العقوبات الاقتصادية على طهران وتوقف نيودلهي من شراء النفط الايراني .

هذه التقلبات الدولية دفعت الصين  للتقارب مع روسيا وتعزيز التحالف مع إيران ، بينما تسعى نيودلهي لتعزيز تعاونها الأمني والعسكري مع طوكيو وكانبيرا وواشنطن ووضع قدم لها في منطقة آسيا باسيفيك بدعم أمريكا وحلفائها الآسيويين . وعلى الرغم من القلق الصيني من التعاون الهندي الياباني وطموحات الأخيرة بالتمدد للمحيط الهندي ،  إلا أن التعاون العسكري والأمني  الأمريكي الهندي وتبادل المعلومات العسكرية السرية ، هو الذي يثير قلق الصين باعتبار أن هذا التعاون تراه  بكين موجهاً ضدها خاصة وأنه يربطها حدود مشتركة مع الهند ، يقدر طولها بحوالي 4000 كم وقد  يزيد من مخاطر مواجهة عسكرية بينهما ،إذ يرى البعض أن واشنطن تسعى  لإشعال الجبهة بين عملاقي آسيا خاصة في ظل  الحكومة الهندية القومية  الآن بزعامة حزب بهارتيا جاناتا القومي الهندوسي وهناك ميول داخل الحكومة الهندية الحالية لتعزيز التعاون والتقارب مع الولايات المتحدة الامريكية  .

وقد تفشل المحاولات الأمريكية جر هذه الدول إلى تحالف ضد الصين باعتبار أن اقتصاداتها تعتمد بشكل أساسي على السوق الصينية  وسوف تواجه عواقب مباشرة في حال فكرت بالتحالف ضد التنين المتنامي . ولعل هذه الرباعية قد تضع الأسس "لنظام جديد قائم على القواعد " إلا ان معالجة الحساسيات مع بكين وعدم إرسال إشارات خاطئة  و ضرورة  توضيح الأهداف الرئيسية لمثل هذه التحالفات قد يخفف من حدة التوتر ويفتح المجال أكثر بين دول الجوار لتعزيز الروابط الجيواقتصادية والتباحث بالقضايا المصيرية  والتحديات والمنفعة المشتركة كي لا تتحول إلى مناطق لحروب بالوكالة لمصلحة دول أخرى لا تفرق بينهم

ويتطلب من الدول المعنية معالجة مشاكلها بشكل مباشر وحل خلافاتهم باسرع وقت ممكن والعمل معاً لمواجهة تداعيات جائحة فيروس كورونا وتحسين النمو الاقتصادي لهذه الدول ، لأن مجرد  التحّوط استراتيجيا" ضد الصين واستعراض العضلات العسكرية  سيؤدي إلى كوارث لا يحمد عقباها  وعلى الرباعية العمل على الحفاظ على الأمن والاستقرار في مياه المحيطين الهندي والهادئ  وعدم السماح لأحد الاصطياد بالمياه العكرة ...

                                           الدكتور وائل عواد

                          الكاتب الصحفي السوري  المتخصص بالشؤون الآسيوية

 

 

 

 

 

 

 

مصدر الخبر
محطة أخبار سورية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.