تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

صحيفة: حزام نار تركي

مصدر الصورة
عن الانترنيت

تأخذ سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أبعاداً استراتيجية خطيرة، لأنه يلعب في منطقة تتداخل فيها المصالح الدولية والإقليمية، وتتشابك مع أبعاد دينية وإثنية، قد تؤدي إلى انفجار صراعات وحروب تتعدى قدرات تركيا، وتتجاوز أية إمكانات لضبطها أو لجمها.

في المشهد البانورامي لصورة الوضع الإقليمي الممتد من منطقة البحر الأبيض المتوسط، وصولاً إلى منطقة جنوب القوقاز، نرى أن حزام النار الذي ترسمه تركيا بات يشكل خطراً فعلياً قد يؤدي إلى حروب إقليمية، وهو ما حذر منه أكثر من مسؤول عربي وأوروبي وروسي وإيراني، نظراً للعلاقة المباشرة لدولهم مع ما يسعى إليه أردوغان من خلال نزعته التوسعية والاستفزازية في الإقليم المجاور لتركيا وما بعده.

يعتقد أردوغان أن تقاطع مصالح بلاده السياسية والاقتصادية والعسكرية مع الولايات المتحدة وروسيا وإيران، إضافة إلى صراع المصالح في ما بينها، يوفر له القدرة على المناورة التي تمكّنه من اللعب في سوريا والعراق وليبيا والحوض الشرقي للبحر المتوسط إضافة إلى جنوب القوقاز (أذربيجان وأرمينيا)، من دون أن تستطيع هذه الدول كبح جماح تدخله.

في علم السياسة، هناك قاعدة تقول إن المصالح تأتي أولاً، لكن عندما يتعلق الأمر بتجاوز هذه المصالح فإن القاعدة إياها تقول بحتمية التصادم، خصوصاً أن أردوغان لا يعير اهتماماً لمصالح الآخرين، بل هو بات يلعب في ملاعبهم وفي مجالهم الحيوي الذي يمس أمنهم القومي بالذات، وهو أمر في غاية الخطورة.

وإذا كانت الجهود الدولية والإقليمية تنصب حالياً على تطويق حزام النار التركي للحؤول دون توسعه وانتشاره، خوفاً من مخاطر اندلاع حروب إقليمية، فإن هذه الجهود ما زالت تصطدم حتى الآن بعناد تركي واضح، في محاولة لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة قبيل الدخول في أية تسويات من خلال المناورات السياسية المكشوفة.

لكن، ربما يغيب عن ذهن أردوغان ومداركه العقلية أن اللعب بالنار قد يحرق صاحبه، لأن ما يقوم به شيء خطير جداً ويتجاوز قدرته على تحقيق أهدافه، لأنه يصطدم بعدد من الدول الإقليمية والأوروبية التي لها مصالحها أيضاً، ولن تقبل بانتصار تركي يتجاوز المصالح التركية ويعتدي على مصالحها.

ثم إن الاستنفار التركي للغرائز القومية والدينية من خلال الحديث المتواصل عن الأصول والعرقيات والروابط الدينية بين تركيا والآخرين، هو حديث يقود إلى بعث تاريخ قديم من العداء والتوترات، ويؤدي إلى حروب دينية ومذهبية لا تنتهي، ويحقق نبوءة صموئيل هنتنغتون بحروب حضارية ودينية بديلة عن الحروب الأيديولوجية.

وإذا كانت شهوة أردوغان لاستعادة أمجاد الدولة العثمانية البائدة، وتنصيب نفسه خليفة للمسلمين لا تتحقق إلا من خلال العزف على الوتر القومي والديني، فإنه بذلك يضع نفسه في مواجهة مع العالم الذي يحاول الخروج إلى آفاق الحريات الدينية والسياسية والديمقراطية والتكامل الدولي في مواجهة أمثاله من دعاة التعصب العرقي والديني والقومي، كما الأحزاب الشعبوية المتطرفة التي تحاول القبض على خناق القارة الأوروبية وغيرها.

إن إصرار أردوغان على استمرار الحرب بين أذربيجان وأرمينيا، واشتراطه إعادة إقليم ناغورنو كاراباخ إلى أذربيجان لوقفها يعنيان أنه هو من أعطى الأوامر ببدء الحرب، وهو الذي هيأ مستلزماتها ووقودها بإرسال آلاف المرتزقة التابعين له من شمال سوريا للقتال إلى جانب أذربيجان، وهو الذي بيده قرار الحرب والسلم في جنوب القوقاز، ما يعني أنه ماض في استفزاز روسيا التي يبدو أن صدرها بدأ يضيق منه، جراء سياساته الهوجاء التي تمس مصالحها القومية المباشرة في مجالها الحيوي، وفي كل من سوريا وليبيا أيضاً.

الحرب المستعرة بين أرمينيا وأذربيجان، التي يبدو أن حلها ليس قريباً طالما أن أردوغان يركب رأسه، قد تقود إلى حرب إقليمية فعلية؛ ذلك أن كلاً من روسيا وإيران المعنيتين بالمنطقة قد تضطران للدفاع عن مصالحهما في مواجهة التغوّل التركي، وهذا الأمر مرتبط بالمدى الذي يمكن لأردوغان أن يذهب إليه.

مصدر الخبر
افتتاحية الخليج الإماراتية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.