تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

هل يتفكك النظام الحزبي في أمريكا؟

مصدر الصورة
عن الانترنيت

عاطف الغمري

عرفت القواعد المرعية للتنافس بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة الأمريكية تعبير «Bipartisan»، وتعني منظومة العلاقة بين الحزبين، وهي توصيف لموقف سياسي يتشكل عادة في إطار النظام الحزبي، حين تجد الأحزاب المتنافسة نفسها، في ظروف تقتضيها المصلحة العامة، مدفوعة إلى الالتقاء عند أرضية مشتركة، على أساس التوافق على حلول وسط.

وعبر التاريخ كان الشعب الأمريكي، يمثل في الكونجرس والبيت الأبيض بحزبين، يلزمهما الرجوع في بعض أوقات الأزمات الكبرى إلى نوع من التعاون بينهما، ويصف مؤرخون هذه الحالة، بأنه من المعتاد بالنسبة للشعب الأمريكي، أن يشعر بالمرارة والأسف إذا حدث غياب لهذه العلاقة. وحدث في بعض الأحيان استعانة كل منهما بقيادات من الحزب الآخر، فمثلاً عين الرئيس بيل كلينتون، ويليام كوهن، عضو الكونجرس من الحزب الجمهوري، وزيراً للدفاع في ولايته الثانية، كما لجأ الرئيس رونالد ريجان إلى التنسيق مع تيب أونيل، رئيس مجلس النواب الديمقراطي، في معالجة قضايا سياسية.

وحسب قول مشرعين في الكونجرس؛ فإن فشل الحزبين في مراعاة هذه العلاقة التي تجمع بين الضدين – التنافس والتعاون، يمكن أن يؤدى بسهولة إلى جمود واختناق تشريعي، لكن الحال وصل في الفترة الراهنة إلى استقطاب خطير وصل إلى المجتمع الأمريكي برمته.

هذا الوضع يقود بدوره إلى استقطاب آخر، وربما إلى تفكك في النظام الحزبي التاريخي ذاته؛ فالحزب الجمهوري مثلاً، حاول بكل الوسائل دعم مرشحه ترامب، إلا أنه بدأ يشعر بأن هذا الدعم له جانب سلبي، فقد اقتحم الحزب دخلاء لم يكونوا أصلاً من مؤيديه، لكنهم يقفون وراء ترامب بتعصب شديد، رافضين تقبل خسارته للانتخابات. هؤلاء يقدر عددهم بالملايين، وكما هو معروف فإن 71 مليوناً صوتوا لترامب، من بينهم غير الحزبيين، وهؤلاء يحملون لترامب، إعجاباً بلا حدود، ويتغنون بطريقته في التصرف والكلام، والهجوم بأقسى الألفاظ على خصومه.

والمعروف أن الولايات المتحدة منقسمة تاريخياً بين قوى ليبرالية ومحافظة، لكنها اعتادت احترام المؤسسات التي قامت عليها دولتهم، وفي مقدمتها، نخبة السياسة الخارجية، التي ناصبها ترامب العداء.

هذه النخبة – وهى موزعة بين الحزبين – يرفضها أنصار ترامب من غير الحزبيين. هنا يجد الجمهوري نفسه في ورطة كبرى، ربما تهدد كيانه كحزب، فإما أن تدفعه خاصية التنافس مع الحزب الديمقراطي، إلى ضم أعضاء جدد من أنصار ترامب، وإما أن يخسر هؤلاء الذين يعدون بعشرات الملايين، ويستجيب لقطاعات من قياداته وأعضائه، للمحافظة على طبيعة الحزب وتاريخه، ويتخلى عن ترامب وأنصاره المحدثين، خاصة وإن تلك القيادات بدأت تتخذ لنفسها طريقاً يخصها. فكما ذكرت الإحصاءات فإن قليلين فقط من قادة الحزب الجمهوري والشخصيات البارزة فيه، هم الذين ساندوا ترامب، وطالبوه بعد ذلك بالإقرار بالهزيمة، واعترف بعضهم بفوز بايدن. وبدأ المزيد منهم في الكونجرس يتخلون عن تأييد ترامب، أي أن قطاعات كبيرة من الحزب الجمهوري تراجعت عن دعم ترامب، بينما لا تزال هناك قطاعات أخرى في حيرة من أمرها.

إذن، المأزق صعب أمام الحزب الجمهوري، فإما أن يتمسك بهويته التاريخية، أو أن يخسر أنصار ترامب في أي انتخابات قادمة، لأن هؤلاء – حتى بدون ترامب – سوف يستمرون في تشكيل حالة سياسية لها خصوصيتها، وكما قررت دراسات لمراكز العلوم السياسية، فإن هؤلاء – كتجمع للغاضبين والمحبطين من المؤسسات السياسية – كانوا قد وجدوا من قبل ظهور ترامب نفسه مرشحاً للرئاسة، لكنهم وجدوه معبراً عنهم، وهو نفسه أدرك توجهات هؤلاء الغاضبين، وراح يركز في خطاباته الانتخابية عما يشعرون به، هذا التطور يمكن بدوره أن يخلق كياناً جديداً، منشقاً عن الحزبين الرئيسيين، ويمكن أن يقيموا نوعاً من التكتل الحزبي يعبر عنهم.

في الوقت الراهن، لا يزال لهذا الوضع، تداعياته الخطيرة، خاصة وإن قيادات جمهورية اتهمت ترامب بتعمد إثارة الفوضى، واستثارة المشاعر المنفلتة لأنصاره، وهو ما دفع رئيس جمهوري سابق هو جورج بوش، إلى القول إن الأولوية القصوى لدى ترامب قد تكون إثارة الفوضى في أمريكا. ولم تتوقف النتائج عند هذا الحد، بل وصلت إلى استخدام العنف الذي اقتحم دائرة التنافس الحزبي، التي كانت عادة ملتزمة بالسلمية، وحتى لو كان هناك تناطح حزبي فإنه يبقى ملتزماً بقاعدة التنافسية، فقد انتشرت الميليشيات المسلحة، وازدادت مبيعات السلاح للأفراد، وألقت الشرطة في بعض الولايات القبض على أشخاص يحملون أسلحة نارية.

معنى ذلك أن القضية لم تتوقف عند حد الخلاف والجدل حول الفائز في الانتخابات، بل وصلت إلى إحداث هزة في النظام الحزبي، القائم على التنافس بين حزبين، فشلا هذه المرة في المحافظة على قاعدة التعاون بينهما، من أجل المصلحة العامة.

مصدر الخبر
الخليج الإماراتية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.