تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

روسيا قلقة من السياسات الغربية تجاهها..!!

لا يمكن أن تكون تجربة تفكك الاتحاد السوفياتي السابق غائبة عن ذهن القيادة الروسية، أو بدون أثر على كيفية التخطيط واتخاذ القرارات وتنفيذ السياسات الروسية الحالية فيما يخص مصالح روسيا الاستراتيجية وعلاقاتها الدولية؛ سواء فيما يدعم الاستقرار والوضع الداخلي الروسي، أو فيما يخصّ علاقات روسيا الدولية مع الشرق والغرب، لاسيما في ظل المنافسة الغربية، والسلوك الغربي العدواني تجاه موسكو، والذي يتجلّى في كثير من الممارسات وتناقض المصالح؛

وفي هذا السياق، يمكن أن نشير إلى العقوبات المتعددة الجوانب لضرب الاقتصاد الروسي؛ محاولة محاصرة روسيا ضمن حدودها وعزلها عن محيطها الجيوسياسي؛ التقليل من قيمة روسيا وتصغير انجازاتها العلمية والتكنولوجية والسياسية وعلى الصعيد الدولي؛ محاولة ضرب/تخريب علاقات موسكو الدولية مع حلفائها ولاسيما مع جمهورية الصين الشعبية؛ تمدد الناتو باتجاه الأراضي الروسية وضم حلفاء جدد كانوا من أنصار أو دول الاتحاد السوفياتي السابق؛ خلق المشاكل وتغذية النزاعات على الحدود الروسية كما في الخلافات مع أوكرانيا وفي إقليم قره باغ والقرم وغيرها لاستنزاف القدرات والطاقات الروسية؛ والأخطر، محاولات التدخل الواضحة في شؤون روسيا الداخلية من خلال دعم المعارضة الروسية في محاولة لزعزعة استقرار وتفكيك روسيا على طريقة الاتحاد السوفياتي.

ويلاحظ في هذا السياق، أنّ الكتّاب والمحللين الروس واعين ومدركين لهذه المسألة ويناقشونها باستمرار، ويمكن ملاحظة أنّ كتابات وتحليلات المفكرين والباحثين الروس تأخذ طابعاً ثلاثي الأبعاد عند تناول مخاطر السياسات والمخططات الغربية ضد بلادهم؛

أولاً، كشف السياسات والمخططات الغربية وتحليلها وتحديد الهدف منها وفضح ذلك، حيث يحدد المحللون الروس التهديدات الغربية ويستعرضون طبيعتها وأنواعها وأشكالها؛ الاقتصادية، العسكرية، الدبلوماسية، الإعلامية، وغيرها. ولا يقصّر هؤلاء في شرح وتوضح هذه التهديدات وحجمها وأبعادها ومدى خطورتها. وليس سراً أنّ كل التصريحات الأمريكية الصادرة عن الإدارة الأمريكية الحالية والإدارة السابقة تصنّف روسيا في خانة الأعداء، وكذلك تصنف من قبل المملكة المتحدة، وفرنسا وألمانيا وإن بشكل أقلّ وأخفّ.

ثانياً، التحذير من المخططات الغربية ومن ثم كيفية مواجهة تهديدات الغرب للمصالح الروسية واستقرار الاتحاد الروسي. وفي هذا السياق، يتم التركيز على نقاط القوة التي تملكها روسيا ولاسيما تنوع الاقتصاد الروسي والقوة العسكرية والصاروخية التي تتفوق على الغرب في بعض النواحي، وعلاقات روسيا الدولية ولاسيما مع الصين، وحاجة العالم إليها. وكان واضحاً في الأيام الماضية تحذير المسؤولين الروس للاتحاد الأوروبي من فرض عقوبات جديدة على روسيا؛ بأنّ روسيا لن تسكت، وأنّ ردّ موسكو قد يكون مؤلماً. وإذ يتم توجيه رسائل تحذير حادة لا تقبل التأويل للدول الغربية، يقوم الكتّاب والمحللون والباحثون الروس بتسليط الضوء على نقاط الضعف التي لدى الغرب ومحاولة استثمارها بما يخفف من اندفاع الهجومات الغربية ضد روسيا.

ثالثاً، وبين هذا وذاك، يمكن استشفاف بعض القلق الروسي من احتمال نجاح السياسات والمخططات الغربية التي تستهدف استقرار روسيا ومحاصرتها؛ إذ تشي بعض كتابات المحللين الروس بوجود نوع من الخوف والقلق من التهديدات التي تشكلها السياسات والمخططات الغربية. وفي هذا السياق، يتم استعراض التاريخ الروسي البطولي والانتصارات التاريخية الكبيرة والكثيرة على الأعداء، في محاولة لتعزيز الروح القومية لدى الروس، والثقة بالنفس وبالمستقبل، وتخويف الأعداء والمنافسين وتحذيرهم.

بالطبع روسيا ليست الاتحاد السوفياتي، والولايات المتحدة والناتو ليسوا كما كانوا في حقبة الحرب الباردة؛ روسيا عادت أقوى بعدما تعلمت من أخطاء الاتحاد السوفياتي وهي تحاول عدم تكرارها وتواصل تطوير نفسها وسياساتها وعلاقاتها لتحصّن وضعها في عالمٍ تسعى مع حلفائها ليكون متعدد الأقطاب، بعد تراجع الأحادية القطبية الأمريكية وهزيمتها.

أما الغرب وباعتراف محلّليه وكتّابه، فإنه في حالة تراجع، بل إنّ بعض دول الناتو تواجه نوعاً من التداعي والانهيار؛ حتى أنّ معظم العلاقات البينية بين دول الغرب لا تتسم بالثقة والتعاون، ناهيك عن خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي والانقسامات والمشاكل الداخلية التي بدأت تتكشف في الولايات المتحدة الأمريكية والتي تستدعي من الرئيس الأمريكي معظم جهده والانكفاء لمعالجتها أولاً، قبل أن تؤدي إلى تفكك وانهيار إمبراطورية القرن العشرين. ومع ذلك، فإنّ الضغوط الغربية المستمرة قد تترك أثرها على الأمن والاستقرار والنمو في روسيا إن لم تتم مواجهتها بالطرق الصحيحة والمناسبة، وفي الوقت المتناسب، ولا شك أن الروس مدركين للأمر، والقلق الروسي يندرج في هذا السياق..!!

                                      بـديـع عفيـف

 

مصدر الخبر
محطة أخبار سورية- خاص

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.