تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الاستقرار الاستراتيجي يفرضه التوازن الاستراتيجي..؟!!

مصدر الصورة
وكالات- أرشيف

قبل وأثناء وبعد قمة الرئيسين بايدن- بوتين برزت تصريحات لافتة، أهمها تحذير فريقي الطرفين من أي توقعات مرتفعة لنتائج القمة ؛ وبرز أيضاً الحديث عن الرقابة على التسلح بين روسيا والولايات المتحدة، والأهم، البيان المشترك الخاص بالاستقرار الاستراتيجي الذي قيل إنه يعكس المسؤولية الخاصة التي تتحملها موسكو وواشنطن، وهما أكبر دولتين نوويتين، أمام شعبيهما والعالم أجمع.

وقبل القمة أيضاً، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن “نحن نسعى لتحديد الملفات التي يمكننا التعاون فيها معا، والتي نمتلك فيها مصالح مشتركة، بحيث يمكن تحديد أسباب الخلاف، وتأسيس أسلوب عقلاني ومنطقي لهذا الخلاف كقوتين عظيمتين”؛ بل إنّ بايدن وافق قبل القمة على إتمام مشروع خط أنابيب "السيل الشمالي-2" بين روسيا وألمانيا؛ منذ متى تحترم الولايات المتحدة الأطراف الدولية المنافسة لها ومصالحها؟

الرئيس الأمريكي يشبه بلاده، والولايات المتحدة تشبه رئيسها: رجل في خريف العمر يملك خبرات واسعة بعدما حقق نجاحات كثيرة وتعرّض لخيبات عديدة؛ يدرك الرجل "الخبير" الذي بدأ يعاني من أعراض أمراض الشيخوخة، أنّه قد يفوز في منازلة مع شاب متحمّس ومغرور وأصغر وأقل خبرة منه، ولكنه في أحسن الأحوال سيخرج موجوعاً، وربما أكثر من ذلك وبخسائر لا يستطيع توقعها وتحمّلها؛ هي الولايات المتحدة كذلك، بدأت تدرك أن الحروب التي تخوضها أصبحت مكلفة جداً وتضعضع قوتها وهيبتها، وأنّ مرحلة الأحادية القطبية قد أصبحت من الماضي؛ فالمنافسون الدوليون كثر، وهم أقوياء في السياسة والاقتصاد والعسكر وكل المجالات.

"أمريكا عادت" كيف وبأي صورة؟ عادت لا لتقود العالم وتفرض شروطها وتمارس هيمنتها كما اعتادت؛ بل لتمارس سياسة واقعية تعي المصالح وحدود القوة وأهمية التعاون مع الأطراف الدولية الأخرى؛ الحلفاء والمنافسون والأعداء.

أمريكا عادت لتفهم أنّ ضم أوكرانيا لحلف الناتو هو خط أحمر عريض بالنسبة لروسيا؛ وأنّ موسكو لن تسمح لها ولحلفائها الأوروبيين باللعب بالحديقة الخلفية وقلب الأوضاع في بيلاروس؛ وأنّ تحقيق الأمن السيبراني يحتاج التعاون مع الأطراف العديدة الأخرى في العالم الي هي قادرة على الإيذاء؛ الولايات المتحدة "البعيدة" جغرافياً عن بقية قارات العالم، بدأت تدرك أنها ليست كذلك في مواجهة التحديات والمخاطر الكبيرة التي تهددها، من انتشار الأوبئة إلى الهجرة والأمن الغذائي والسيبراني إلى الصواريخ والأسلحة النووية وفرط صوتية.

كثيرون من المراقبين اعتبروا أنّ الرئيس الأمريكي يحتاج إلى "استراحة" من المناوشات والتصعيد  مع روسيا؛ إلى "هدنة" للتركيز على درء الخطر الصيني الزاحف وما يمثّله صعود بكين من عائق أمام العودة المؤملة لتزعُّم أميركا عالم ما بعد تراجع الهيمنة. لذلك، فإنّ العمل على تحقيق الاستقرار الاستراتيجي مع روسيا، عبر محاولة وقف تدهور العلاقات بين البلدين ودرء خطر نشوب صراع نووي، ومحاولة إظهار روسيا على أنها ليست منافِساً مباشراً للولايات المتحدة، هو إجراء مهم جداً بالنسبة للأخيرة للتركيز على منافستها الأهمّ والأخطر، الصين؛ وإذا كانت روسيا مجرّد لاعب ثانوي وليست منافساً مباشرا للولايات المتحدة كما حاول بايدن تصويرها، فلماذا كل هذا الانشغال بها إذن؟!

الرئيس الأمريكي يدرك أنه ـ حتى بين الحلفاء الذين التقاهم قبل قمته مع نظيره الروسي في جنيف، في "قمة السبع" في المملكة المتحدة وقمة "الناتو" بروكسل ـ أنّ هناك من يبحث عن مصالحه الخاصة مع روسيا والصين بعيداً عن الأجندة والمصالح الأمريكية الخاصة.

التصريحات والتحليلات بعد قمة بوتين - بايدن، مثل: كنا قادرين على فهم بعضنا البعض، وفهم مواقفنا بشأن القضايا الرئيسية؛ لا يمكن تحقيق أي نتائج ملموسة؛ يبدو أن تراجعاً طفيفاً في حدة المواجهة في العلاقات الروسية الأمريكية أمر وارد الحدوث تماماً؛ الإبقاء على قنوات الاتصال الدبلوماسية بين البلدين هو الحد الأدنى الذي لا ينبغي التنازل عنه بين القوتين العسكريتين الأبرز في العالم... كل هذه العبارات تؤكد أمراً واحداً هو إدراك الولايات المتحدة لحدود قوتها ومكامن عجزها وضعفها، مما دفعها "للتواضع" واللجوء إلى الحوار بشأن الاستقرار الاستراتيجي.

والحقيقة، فإذا ما دقق المرء بشعار "أمريكا أولاً" الذي رفعه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وشعار "أمريكا عادت" الذي يرفعه الرئيس الحالي جو بايدن، يدرك أنّ أمريكا في جوهر الأمر، في موقف دفاعي للحفاظ على مكانتها الدولية بين الأصدقاء والمنافسين أو للعودة إليها؛ فالعودة لمكان أو موضع تعني أن العائد لم يكن فيه. لكن السؤال الكبير بات واضحاً: هل سيسمح اللاعبون الدوليون، ولاسيما الصين وروسيا بعودة الولايات المتحدة لممارسة غطرستها وهيمنتها على العالم من جديد؟ ربما لا يحتاج الجواب إلى الكثير من التحليل والاستنتاج..؟!!

                       بـديـع عفيـف

 

مصدر الخبر
محطة أخبار سورية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.