تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الشرخ الأطلسي أعرض مما يبدو على الخارطة..؟!!

مصدر الصورة
وكالات- أرشيف

تأخر كثيراً ظهور التصدّع في العلاقات الغربية ـ الغربية ولاسيما بين دول حلف الأطلسي "الناتو". فمنذ سقوط وتحلل حلف "وارسو" كان من الطبيعي أن تقلّ وتتراجع أهمية التحالفات الغربية بشكل عام وحلف "الناتو" بشكل خاص. ربما صعود القوة الأحادية في نهاية القرن الماضي وبداية القرن الحالي، أخّر بروز الخلافات الغربية. لكن القوة الأحادية الأمريكية والتجبّر والغطرسة التي مارستها ، أسهم في تراجع هيبة هذه القوة نفسها، وتراجع مقدراتها وإمكاناتها. "أمريكا أولاً" و"أمريكا عادت"، شعارين رفعهما الرئيسان الأمريكيان الأخيران، يعكسان في الحقيقة المكانة الأمريكية المتراجعة والقوة الأمريكية المنحدرة في العالم؛ الأمر يتزامن مع صعود قوى أخرى تصدّ وتحدّ بشكل طبيعي من الهيمنة الأمريكية، وتفتح الباب لعلاقات دولية جديدة لا تقبل بالرضوخ للسيد الأمريكي، بل تسعى لعالم متعدد الأقطاب وأكثر توازناً وتعاوناً.

الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والرئيس الأمريكي الحالي جوزيف بايدن، يمثلان المصالح الأمريكية ويسعيان لتحقيقها، بغض النظر عن الأسلوب المتبع؛ التصعيد ضد الحلفاء في الخليج العربي وفي حلف "الناتو" وفي بقية أرجاء العالم، والتصعيد ضد الخصوم والمنافسين والأعداء روسيا والصين وإيران وكوريا الديمقراطية وغيرها هو تطبيق لشعاري "أمريكا أولاً" و"أمريكا عادت" الذين أعلنهما ترامب وبايدن. وأوروبا ليست غافلة ولكنها ضعيفة؛ الاتحاد الأوروبي أضعفَ القارة العجوز عبر إضعاف القدرة على اتخاذ القرار والفعل. ولذلك بدت دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون العام الماضي لتشكيل قوة أوروبية مستقلة، أو تشكيكه بقدرات الناتو، وكأنها صراخ في وادٍ سحيق لم يسمعها معظم الأوروبيين، أو سمعوها وتجاهلوها، أو وقفوا ضدها إلى جانب الضفة الأخرى من الأطلسي.

الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي لم يكن بلا أسباب ولا بدون مؤشرات، أو مقدمات ولا بدون نتائج. لطالما كانت المملكة المتحدة الصوت الأمريكي في الاتحاد، وخروجها منه يوضّح الشرخ بين دول الاتحاد، وعلى ضفتي الأطلسي حول كيفية مواجهة التحديات والتحولات الجديدة في العلاقات الدولية؛ دول الغرب الأوروبي لا تملك قراءة واحدة ولا سياسة واحدة أو مشتركة للتعامل مع الصين أو روسيا أو إيران أو أي من التحديات التي تُطرح على جدول أعمالها. وكان واضحاً في الأشهر الماضية مدى اتساع الفجوة بين مصالح الدول الأوربية ذاتها وبين مصالح معظم هذه الدول ومصالح الشريك الآخر خلف الأطلسي.

التحالف الثلاثي الذي أعلِن عنه بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية  "أوكوس"، المعطوف على المطالبات الفرنسية الألمانية بتشكل جيش أوروبي بمعزل عن المظلة الأمريكية، يعكس حالة "الشقاق" التي تدبّ بين شركاء الأمس؛ "الكذب"، "طعنة في الظهر"، "خيانة متعمدة"، بريطانيا "الانتهازية المستمرة"، و"سيؤثر على مستقبل حلف الناتو"... هي تعابير مريرة تعكس حال الشريك الفرنسي المخدوع عن سابق إصرار وتصميم من قبل الشريكين الأسترالي والأمريكي، ودون خجل؛ فكيف يمكن أن تعود الأمور لمجاريها وتستعاد الثقة بين الشركاء بعد الخيانة المتعمدة وخسارة مليارات الدولارات بسبب الانقلاب الأسترالي ـ الأمريكي في صفقة الغواصات، بل أيُّ شراكة هذه..؟! سابقة استدعاء باريس سفيريها من واشنطن وكانبيرا، لأول مرة في تاريخ علاقاتهما الثنائية، تعكس خطورة الأزمة الراهنة، وخطورة تصرفات الولايات المتحدة تجاه الحليف الفرنسي غير المقبولة.

قد تضطر فرنسا مرغمة لابتلاع خنجر الخيانة، ولكن بدون أدنى شكّ، سيترك ذلك ندوبه "على مستقبل حلف الناتو"، وعلى العلاقات الغربية؛ لقد بدأت تطغى المصالح الوطنية الخاصة على المصالح المشتركة للدول الغربية وأعضاء الناتو؛ فمن يستطيع لوم فرنسا لو ذهبت أبعد باتجاه الصين وروسيا بعدما جرى معها؟ من يلوم ألمانيا أو إيطاليا إن انتهجت سياسة أكثر استقلالية عن حلفائها الغربيين؟

ثمّ، ألن تبدأ معارك جديدة بين الدول الغربية على حماية المصالح الوطنية على حساب المصالح المشتركة؟ من يثق بالولايات المتحدة بعدما جرى في أفغانستان وفرنسا والخليج العربي وغيرها الكثير؟! كل ذلك يعني أنّ خارطة تحالفات العالم بدأت بالتبدل والتغيّر وليس من الواضح كثيراً شكل التحالفات الجديدة، لكنّ التعاون الصيني الروسي يبدو صامداً واستراتيجياً وقد يلعب، وسيلعب دوراً مهماً في صناعة التحولات والعلاقات الدولية الجديدة؛ الولايات المتحدة تتجاهل وتهين أوروبا اتحاداً ودولاً وهذا مُكلف وخطير. والشرق يبدو الآن أكثر قدرة على حمل الراية..؟!!

                                 بـديـع عفيـف

مصدر الخبر
محطة أخبار سورية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.