تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

ما وراء «الغمْر» التركي لهرتسوغ: وحدة «الحلفاء» أولوية أميركية

مصدر الصورة
وكالات

تطرح زيارة الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، لأنقرة، الكثير من التساؤلات حول أسبابها وأهدافها، وإنْ كانت - في ذاتها - جزءاً لا يتجزّأ من مشهد إقليمي أوسع، تسعى الولايات المتحدة فيه إلى جمع حلفائها وأتباعها ليتراصفوا في معسكر واحد، بعدما تفرّقوا معسكرات. على أن العلاقات الإسرائيلية - التركية، ليست شبيهة بغيرها من العلاقات المستحدَثة في المنطقة؛ ذلك أنها قائمة منذ زمن، سواءً دبلوماسياً - بهذا المستوى أو ذاك -، أو تجارياً أو اقتصادياً أو سياحياً، بل إنها تجاوزت في سنوات الخصومة ما كانت عليه قبلها. الفارق اليوم أن ثمّة مستجدّاً إقليمياً - دولياً فَرض على أنقرة أولاً، وعلى تل أبيب ثانياً، إنهاء خصومتهما أو تجميدها، الأمر الذي يعني أن التحوّل الراهن ليس من النوع الذي قد يفضي - وحده - إلى تغيير اتّجاهات و/ أو الكشف عنها، كما هو حال التطبيع الإسرائيلي - الخليجي. وعلى هذه الخلفية، يَجدر التعامل مع الزيارة على أنها تظهير لواقع موجود ومترسّخ بين الجانبَين، على رغم وجود خلافات لا يمكن إنكارها، ليست استثناءً ممّا قد يحدث بين أيّ نظامَين لا يحكم علاقتَهما عداءٌ فعلي، بل تقاطعُ مصالح في جانب، وتباين في جانب آخر، فضلاً عن كونها - في جزء منها - جزءاً من أدوات شغل الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان.

في سياقات الزيارة، يمكن الإشارة إلى الآتي: داخلياً، يواجه إردوغان أزمات اقتصادية - سياسية داهمة على أبواب استحقاق انتخابي، وهو ما يدفعه إلى البحث عن حلول تَحدُّ من هذه الأزمات التي من شأنها تغيير مزاج الناخبين الأتراك، وفي المقدّمة تحسين الوضع الاقتصادي حيث مفتاح الحلّ في يد الجانب الأميركي. وهنا، يأتي دور إسرائيل بوصفها رافعة تأثير لاستجلاب رضى واشنطن. في الوقت نفسه، ليس صدفة أن يتزامن تحسين العلاقات التركية - الإسرائيلية، مع توجّه موازٍ مماثل بين أنقرة وأبو ظبي، اللتين يحمل تقاربهما دلالات أوسع وأوضح، بالنظر إلى انتمائهما إلى معسكرَين متعارضَين، وإن كانا في المنظور الأعمّ في الخندق الأميركي نفسه، وتحديداً لناحية النتيجة التي تريدها واشنطن: الموقف المعادي لمحور المقاومة. ومن هنا، يجب العودة إلى النقطة التي بدأت فيها العلاقات التركية - الإماراتية بالتحسُّن، لفهم انعطافة إردوغان، أو بعبارة أدقّ: عودة تركيا إلى الأصول. فهل ثمّة محاولة أميركية لإعادة تجميع الحلفاء؟ يبدو أن الأمور تسير في هذا الاتجاه بالفعل، وما زيارة هرتسوغ إلّا إحدى الإشارات الدالّة على تلك المحاولة، التي هي أصلاً طبيعية ومنطقية وسيكون من المستغرَب أن لا تلجأ واشنطن إليها، خاصّة بعد قرارها الانكفاء النسبي عن المنطقة.

الخلاف التركي - الإسرائيلي شبيه بأيّ خلاف بين بلدَين لا يحكم العلاقة بينهما عداء فعلي

ما الذي يعنيه ذلك؟ يبدو أن الولايات المتحدة تسعى إلى سدّ النقص الذي سيخلّفه انكفاؤها، عبر إيجاد قوس أو أقواس إقليمية يمكن الرهان عليها، وبلا خلافات بينية، لمواجهة إيران في مرحلة ما بعد الاتفاق النووي، الذي يقدَّر أن يوقَّع عليه، مهما كانت العوائق الأخيرة التي يواجهها. ويساعد واشنطن في توجّهاتها تلك، والتي يندرج في سياقها على ما يبدو حديث ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، عن أن «إسرائيل حليف محتمل للسعودية»، فشلُ حلفائها في سياساتهم، كلٌّ بحسب تموضعه الخاص في الإقليم. وهنا، يبرز خصوصاً فشل تركيا بقيادة إردوغان في المنطقة، سواءً في سورية أو العراق أو في ساحات أخرى. لكنّ ثمّة عاملاً مساعداً آخر، وإن كان غير كافٍ في ذاته كي يدفع الأتراك للعودة إلى تل أبيب، وهو خشية أنقرة من الحلف المتشكَّل بين إسرائيل وقبرص واليونان، حيث مكمَن الخصومة والعداء التاريخي للدولة التركية؛ إذ إنه إذا ما حسَّنت تركيا علاقاتها بإسرائيل، يمكنها الرهان على احتمال شقّ الحلف الثلاثي الذي يهدِّد أمنها ومصالحها المختلفة، في شرق المتوسط وأوسطه.

في السياق الدولي، تبدو المرحلة مُشبَعة بالتهديدات، وفي الوقت نفسه بإمكانات التغيير في أكثر من مستوى واتجاه. وتتقدّم، من بين ذلك، تحديداً، تداعيات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، والتي أظهرت - في إطار ما أظهرته - ضعف الجانب الأميركي وفشل سياسة القطب الواحد، والذي سيفضي، منطقياً، إلى إعادة تركيز اهتمام واشنطن على المنطقة. وهذا أيضاً واحد من الاعتبارات التي لا تدفع تركيا للعودة إلى الأصل في علاقاتها مع إسرائيل فحسب، بل وتحمل الأخيرة أيضاً على تلقُّف أيّ إشارة، من أيّ طرف في المنطقة، لتعزيز موقعها وموقفها، في مواجهة أعدائها.

إردوغان... المهووس بالتودّد لتل أبيب

أعرب الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، عن أمله في أن يكون لقاؤه بنظيره التركي، رجب طيب إردوغان، «قد أرسى الأساس لتطوير العلاقات بين البلدين»، لافتاً إلى أنّ الأخير أظهر «تعاطفاً» مع إسرائيل، وابتعد عن مواقفه «المعادية» التي ميّزته في السنوات الأخيرة، بسبب «دعمه الفلسطينيّين». وأضاف هرتسوغ، في إحاطة أمام مراسلي وسائل الإعلام العبرية المرافقين له، أنه تَكوَّن لديه انطباع بأن إردوغان بات «منفتحاً على حوار حقيقي» مع إسرائيل، الأمر الذي يتيح «وضع بنية تحتية لتنمية العلاقات»، التي ستكون كما قال «تحت الاختبار على أرض الواقع». وفي نظرة أكثر شمولية إلى سياقات الزيارة، أعرب الرئيس الإسرائيلي عن اعتقاده بأن لـ«اتفاقيات آبراهام» دوراً في استئناف العلاقات مع أنقرة؛ إذ باتت لتل أبيب «مكانة مثيرة للإعجاب في المنطقة، أتاحت لها فرصاً غير عادية بما فيها الشراكة مع اليونان». واتفق هرتسوغ وإردوغان، في اجتماعهما، من بين أمور أخرى، على إنشاء آلية لإدارة الخلافات بين الجانبين، الأمر الذي من شأنه منع أيّ «انفجار بيني». وقرّرا أن يرأس الآلية من الجانب التركي كبير مستشاري إردوغان، الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية إبراهيم كالن، ومن الجانب الإسرائيلي مدير عام وزارة الخارجية ألون أوشفتس، الذي زار أنقرة مراراً في الآونة الأخيرة، تمهيداً لإعادة العلاقات إلى سابق عهدها. ووفقاً لصحيفة «هآرتس»، وجدت إسرائيل في تركيا «إردوغان من نوع آخر، لم تكن معتادة عليه في العقد الماضي: استبدل لسانه اللاذع بلسان إيجابي يرى فوائد كامنة في التعاون مع إسرائيل، مع تأكيد على ضرورة تعزيز التجارة البينية والتعاون في مجالات أمن الطاقة». وتُضيف الصحيفة أنّ «إردوغان مهووس بالتودّد إلى هرتسوغ منذ أن تولّى الأخير منصبه، وهو يواصل محادثته هاتفياً مراراً وتكراراً، مع لهجة مهذَّبة جدّاً».

مصدر الخبر
الأخبار اللبنانية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.