تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

بدأت عقابيل الحرب في أوكرانيا ..سريلانكا تنهار والحبل على الجرّار

مصدر الصورة
وكالات -أرشيف

أثارت الأزمة السّياسيّة في جزيرة سريلانكا اهتماماً عالميّاً بعد أعمال العنف حيث صبّت الجماهير جام غضبها على الحكومة بسبب فشلها في السّيطرة على ارتفاع الأسعار والتّضخّم  وهاجمت منازل المسؤولين وعلى رأسهم رئيس الوزراء وطاقمه الوزاريّ. وقد بدأت الاحتجاجاتُ في  الأوّل من أبريل| نيسان، وأعطت ثمارها في الأسبوع الأوّل من مايو| أيّارعندما بدأ رئيس البلاد ينصاع لمطالب الشّارع السّرلانكيّ الغاضب وسط متابعةٍ من المجتمع الدولي  وانتقاداتٍ شديدةٍ لسياسة القمع وحالة الطّوارئ في الجزيرة. واستسلم رئيس الوزراء - ماهيندا راجاباكسا - لضغوط الشّارع وأخيه رئيس الجمهوريّة، بعد أن كان قد رفض الاستقالة في البداية وهرب إلى قاعدةٍ بحريّةٍ إثر مهاجمة المحتجّين لمنزله.  ومن الجدير بالذّكر هنا أنّ حياة راجاباكسا السّياسيّة حافلةٌ بالانتصارات والهزائم، بيد أنّ هذه الأحداث الدّامية وسوء الإدارة والاتّهامات بالفساد والرشاوى وسرقة أموال الدّولة قد تضع نهايةً لمسيرته السّياسيّة.

لقد نحجحت الولايات المتّحدة في قيادة انتصار الشّارع السّرلانكيّ من خلال الاحتجاجات بإقالة ماهيندا راجابكسا، و في خطوةٍ مفاجئةٍ تمّ تعيين رنيل ويكراماسينغي المقرّب من الولايات المتّحدة والغرب بشكلٍ مثيرٍ للدّهشة، وهو يميل إلى الانفتاح الاقتصاديّ على الغرب ويعمل بوصايا البنك الدّوليّ. وفاز رئيس الوزراء الجديد بالمنصب  للمرّة السّادسة، ولكنّه حظي هذه المرّة  بصوتٍ واحدٍ فقط في المجلس التّشريعيّ الوطنيّ! ومن المعروف أنّ  ويكراماسينغي كان قد هُزِم في الانتخابات البرلمانيّة لعام 2020 ممّا يثيرُ تساؤلاتٍ عديدةٍ،  إذ إنّهُ معروفٌ بتقرّبه لعائلة راجاكسا أيضاً على الرّغم من الخلافات السّياسيّة والحزبيّة. وسارعت واشنطن للإعلان عن تأييدها لترشيحه ورغبتها بالعمل معه عن قربٍ، وكذلك لم تخفِ نيودلهي غبطتها لتسلّمه رئاسة الوزراء، وهو المقرّب للهند .

وكان تعيين ويكراماسنيغي مقبولًا لدى جزءٍ من  المحتجّين  بعد امتعاض الشّارع من الحكومة المقالة. ويترقّبُ الشّارع السريلانكيّ رئيسَ الوزراء بأمل إنقاذه من المحنةِ الاقتصاديّة والتضخّم وارتفاع الأسعار والبطالة، و قد يتمكّن نظراً لتجربته الطّويلة من إدارة البلاد، لكنّ خياراته محدودةٌ وسط إملاءات البنك الدّوليّ والإجراءات الصّارمة التي لن ترضيَ الشّارع السّرلانكي،  لكن ثمّة خياراتٌ أخرى لديه، خاصّةً وأنّ العودة للانتخابات ستكلّفُ البلادَ أعباءً مادّيةً لا تملكُ توفيرَها في الوقت الرّاهنِ. وتنشدُ سرلانكا للأمن والاستقرار لعودة الحياة لمجاريها الطبيعيّة و عودة السّيّاح الأجانب لكي تتوفّر الإيرادات المادّيّة التي هي بأمسّ الحاجة إليها.

الائتمان بلا أمانٍ –حرب الدّاخل

  فشلت سلالة راجاباكسا في إدارة البلاد، وتصرّفوا بطريقة تهميش الأقلّيّات والاعتماد على الأغلبيّة السينهاليّة إلى أن تطوّرت الأمور إلى ما آلت عليه. ولا يستبعدُ أحدٌ احتمال حدوث انقلابٍ عسكريٍّ هناك واستيلاء الجيش على الحكم، الأمر الذي سيكونُ كارثيّاً، وسيزيد من الانقسامات العرقيّة والدّينيّة والإقليميّة، لتحلّ الفوضى بالجزيرة ويصعب النّهوض بها من جديدٍ. وتبرز الآن أزمة سيريلانكا التي استطاعت عائلة رجاباكسا القضاء فيها على النّمور التاميل عام 2009 الذين كانوا يطالبون بانفصال الجزء الشّمالي الشّرقي ذي الأغلبيّة التاميليّة من أصلٍ هنديٍّ.

 لقد أخطأ القادة السّريلانكيّون عندما احتفلوا بالانتصار، وفشلت سلالة راجابكاسا في التّعامل مع الأزمة وقراءة  الكتابات على الجدران، وتصرّفوا باستهتارٍ شديدٍ ودفعوا الثّمن باهظاً. وعلى الرّغم من بقاء الرئيس غوتابايا راجاباكسا في السّلطة إلا أنّه مازال أقلّ قبولٍ لدى واشنطن ونيودلهي، وهو مكروهٌ من السّرلانكيّين الذين سيدفعونه للاستقالة من منصبه لا محالةَ كما فعلوا بأخيه رئيس الوزراء تحت شعار: "اذهب إلى المنزل يا غوتا!"، وسيرتفع سقف المطالب الشعبيّة بمحاكمة أفراد السّلالة ومصادرة ممتلكاتهم والتخلّص من الفساد والمحسوبيّة. ولذا ربّما يقنع رئيس الوزراء - ويكراماسينغي - رئيس الجمهوريّة بالاستقالة وإلغاء الصّلاحيّات الاقتصاديّة للرئيس بغية إنقاذ البلاد . بيد أنّهُ من المؤكّد أنّ كولومبو ستبقى رهينة البنك الدّوليّ والتّشريعات بفرض ضرائب جديدةٍ، وإجراءاتٍ غير شعبيّةٍ، وتخفيضات الميزانيّة، وإجراءات  تقشّفٍ صارمةٍ،  وخصخصةٍ جزئيّةٍ للشركات الحكومية وإلغاء الإعانات الاجتماعيّة المُكلِفة وغيرها.

ربيع الفوضى الآسيويّ

يكتنف الغموضُ مستقبل أفغانستان بعد الفوضى  في البلاد وعودة حركة طالبان للحكم، وثمّة تخوّفٌ من الانزلاق نحو الحرب الأهليّةِ.

وتواجه دولة النيبال المتاخمة للهند أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية تهدد استقرارها وامنها وهي المقربة للصين أيضا" وتحاول نيودلهي وواشنطن استمالتها وابعادها عن بكين.

وجاء الآن دورباكستان التي حاولت الخروج من العباءة الأمريكيّة  لكنّها سرعان ما عادت إليها بقوّةٍ. وتعزى الأهميّة الكبيرة لباكستان بالنسبة للولايات المتّحدة لأسبابٍ عديدةٍ، لعلّ أهمّها  أنّها دولةٌ نوويةٌ  وتملك برنامج  صواريخ باليستيّةٍ، وكذلك تقرّبها للصين والعلاقات القويّة التي تربطها بها. وتملك باكستان  جيشاً  ضخماً  قادراً على زعزعة الأمن والاستقرار الإقليميّ الذي تستغلّه الولايات المتّحدة لخدمة مآربها دون الحاجة إلى تواجد قوّاتٍ أمريكيّةٍ (بوطٍ عسكريٍّ أمريكيٍّ) على الأرض. وهناك مخطّطٌ شيطانيٌّ لتقسيم باكستان على أسسٍ عرقيّةٍ وإثنيّةٍ، وتَتّهم باكستانُ الولايات المتّحدة واسرائيل والهند بدعم الحركات الانفصاليّة المسلّحة في إقليم بلوشستان وتزعم أنّه قد تمّ تدريب مقاتليها في أفغانستان لزعزعة الأمن في باكستان وإبعادها عن الممرّ الصّينيّ الاقتصاديّ من باكستان إلى أفغانستان لإفشال خطط الحرير الصّينيّ .

ما من مستقبلٍ ورديٍّ ينتظرُ الجزيرة السّريلانكيّة، وثمّة توقّعاتٌ طويلة المدى للبنك الدّوليّ بسقوط أكثر من 80 دولةٍ بسبب عدم قدرتها على دفع ديونها وسط تدهورٍ في الأوضاع الاقتصاديّة وانخفاض نسبة النّموّ التي تفاقمت مع أزمة جائحة كورونا قبل عامين. وقد قدّمت الأمم المتّحدة صورةً اكثر تشاؤميّةً ل 107 دولةً التي ستواجه المصير ذاته في عدم القدرة على دفع ديونها الخارجيّة، إذ أصبحت الديون أكبر بكثيرٍ من النّاتج المحليّ. وممّا زاد الطّين بِلّةً  اشتداد سعير الحرب الروسيّة الأوكرانيّة وتداعياتها العالميّة  التي من شأنها أن تفاقم أزمة الغذاء وارتفاع أسعار الوقود وانخفاض الناتج المحلي الإجماليّ .

كيف يتّم إسّقاط الحكومات ؟

القيام بعمل إرهابي والتدخل للمساعدة الأمنية ، وعرض التعاون في محاربة "الارهاب". والاستمرار في إغراق الدولة بالديون الخارجية وإرضاء القادة،والتدخل في الناتج المحلي ووضع اجراءات صارمة تضر بالمواطنيين كي ينتفضوا على الحكومة في حال خالفت الاملاءات الخارجية .كولومبو خفضت من انتاجها للمواد الغذائية وقلصت من الضرائب وزادت من انفاقها العسكري والامني وسط رشاوى وفساد اداري .

وممّا لا شكّ فيه أنّ التّجربة السريلانكيّة مثالٌ لمن يريد أن يتّعظ ، فقد  تمّ تجنيد الشارع السريلانكيّ بجميع طوائفه الدّينيّة وأطيافهِ الاجتماعيّة والإثنيّة لاسقاط الحكومة التي بدأت تتقارب مع الّصين. وقد تفاقمت الأعباء الماليّة على الدولة وتجاوزت الدّيون 53 مليار دولارٍ أمريكيٍّ لبلدٍ لا يتجاوز عدد سكّانه 22 مليون نسمةٍ، وانخفض النّاتج المحلّيّ العامّ، وكدّس المسؤلون ثروتهم من الدّيون والرشاوى، وواجهت الحكومة صعوبةً في دفع الدّيون وسط زيادة نسبة التّضخم وارتفاع معدّل البطالة . ونأسف إذ نقول إنّ هذه مأساة الأنظمة الفاسدة وممثّليها الذين على ما يبدو لا يفهمون الواقع إلا بعد فوات الأوان، فمن يخزّن أمواله في البنوك الأجنبيّة سيبقى رهينة هذه الدّول حتى تتنهي مهمّته، وسيتمّ استهلاكه ومصادرة ممتلكاته. ومن بذخ على نفسه بالقصور الفاخرة في بلاده، سيكون عرضةً لغضب شعبه الجائع بسببه وطاقمه وسوف تدمّر وتنهب ممتلكاتهم التي سرقوها من قوت الشّعب .

 

                                       الدّكتور وائل عوّاد

                            الكاتب الصّحفي السوري المقيم في الهند

 

 

مصدر الخبر
محطة أخبار سورية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.