تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

بايدن يستنهض «الحلفاء» بوجه الصين: أشباه الموصلات... ساحة «معركة القرن»

مصدر الصورة
وكالات

حتى لا يسيء أحدٌ تقدير الأولويّات الأميركية، على كثرتها وتشعُّبها، خَصّ الرئيس الأميركي، جو بايدن، في خضمّ الاشتباك المتصاعد بين حلف «الناتو» وروسيا، حليفَيْ بلاده في آسيا (كوريا الجنوبية واليابان)، بزيارةٍ هي الأولى له إلى هذه المنطقة، أعاد فيها تأكيد التزام الولايات المتحدة بنهجها الذي لا يفتأ يزداد عدوانية، وإن مضبوطة، إزاء الصين. وعلى رغم الانشغال الأميركي بالحرب الدائرة في أوكرانيا، لم يغفل بايدن الإشارة إلى أن واشنطن «ستدافع عسكرياً» عن تايوان يومَ تقرّر بكين غزوها، فيما تعيش بلاده أزمة عنوانها محاولة توطين صناعة أشباه الموصلات، الممرّ الإلزامي للتفوّق الصناعي والتكنولوجي، التي تسيطر تايبيه على 60% من سوقها العالمية. يُفهم ممّا تقدَّم، أحد أوجه إيلاء الجانب الأميركي اهتماماً خاصّاً بالإقليم الصيني، يضاف إلى الموقع الاستراتيجي الذي يحتلّه في المنطقة، على رغم تحذيرات بكين المتصاعدة من «المساس بسيادتها». وهي أزمةٌ تعزّز الخشية من احتمال اصطدام القوّتين «عرضياً» في منطقة آسيا - المحيط الهادئ، حيث الانتشار العسكري في أعلى مستوياته، والمنافَسة على أشدّها

مِن قاعدة أوسان الجوية التي تشغّلها القوات الأميركية في بيونغتايك، جنوب العاصمة الكورية سيول، حيث حطّت طائرته، توجّه الرئيس الأميركي، جو بايدن، يرافقه نظيره الكوري الجنوبي، يون سوك-يول، إلى أحد المصانع التابعة لشركة «سامسونغ» العملاقة. شكّلت هذه الوجهة أولى محطّات رحلته الآسيوية، والتي منها أعلن أن التحالف بين واشنطن وسيول يمثّل «أحد أعمدة السلام والاستقرار والازدهار» في العالم، مشدّداً على ضرورة أن يعمل البلدان من أجل «الحفاظ على مرونة سلاسل إمدادنا وموثوقيّتها وسلامتها». اختيار «سامسونغ» محطّةً أولى، له أسبابه الموضوعية بالنسبة إلى بلدٍ يتزعّم العالم، ويكافح توازياً لتوطين صناعة أشباه الموصلات والرقائق، عصب الصناعات الحديثة والممرّ الإلزامي للتفوّق الصناعي والتكنولوجي وحتى العسكري. وتسيطر تايوان والصين وكوريا الجنوبية مجتمعةً على حوالى 87% من سوق أشباه الموصلات العالمية، فيما يشهد العالم نقصاً في هذه «السلعة الاستراتيجية» مردّه إلى التباطؤ العام لسلاسل الإمداد العالمية، والذي يهدِّد بتقويض التعافي الاقتصادي من وباء «كورونا»، بعدما أثّرت عمليات الإغلاق بفعل الأزمة الصحيّة على العرض، واستمرّ الطلب في الارتفاع مع إعادة تشغيل الاقتصادات. على هذه الخلفية، قال بايدن إن زيارته يمكن أن تساعد البلدَين في تشكيل «تحالف اقتصادي وأمني جديد يعتمد على التكنولوجيا المتقدِّمة والتعاون في ما يتعلّق بسلاسل الإمداد». وفي الإطار نفسه، ركّز المشرّعون الأميركيون الذين زاروا تايبيه منتصف الشهر الماضي، على «الأهمية العالمية» لأمن تايوان، فيما تتعالى الدعوات في واشنطن إلى ضرورة هندسة خطّ إمداد تكنولوجي بين الولايات المتحدة وتايوان، التي تتزعّم سوق توريد الرقائق وصناعة أشباه الموصلات العالمية.

سلّط اختيار بايدن الوجهة الآسيوية، في هذا التوقيت، الضوء على محوريّة الصين في سياسة الولايات المتحدة الخارجية

وفي خضمّ التركيز الأميركي على ملفّ الحرب الأوكرانية، سلّط اختيار بايدن الوجهة الآسيوية، في هذا التوقيت، الضوء على محوريّة الصين في سياسة الولايات المتحدة الخارجية، مع ازدياد التوتّرات في شرق آسيا، وتحديداً في تايوان، والضغط الذي تمارسه واشنطن على بكين لالتزام سياسة النأي بالنفس إزاء موسكو، بل وحتّى تهديدها بالعقوبات إذا أظهرت أيّ دعم لشريكتها، خصوصاً بعدما أثار الغزو الروسي لأوكرانيا خشية الولايات المتحدة وتايوان من احتمالية إقدام الصين على استعادة الإقليم بالقوّة، في ظلّ ارتفاع وتيرة التحرُّكات العسكرية الصينية في المنطقة، بما فيها إجراء بكين أكبر عدد من الطلعات الجوية في «منطقة الدفاع التايوانية». وعلى رغم إبلاغ الرئيس الصيني، شي جين بينغ، نظيره الأميركي، أخيراً، بضرورة معالجة قضية تايوان بشكل سليم لتجنّب أيّ تأثير مدمّر على العلاقات الصينية - الأميركية، وقوله إن «بعض الأشخاص في الولايات المتحدة يرسلون إشارات خاطئة إلى القوى المؤيّدة للاستقلال في تايوان، وهذا أمر خطير للغاية»، إلّا أن بايدن ذهب بعيداً بتحذيره من أن بلاده «ستدافع عن تايوان عسكرياً إذا قامت بكين بغزو الجزيرة»، في ثاني تعهّد من هذا النوع يقطعه في غضون ثمانية أشهر، مؤكداً أن الصين «تلعب بالنار عبر التحليق بالقرب (من تايوان) وكلّ المناورات التي تقوم بها... كنّا موافقين على سياسة صين واحدة (...) ولكن فكرة أن تؤخذ (تايوان) بالقوّة هي بكلّ بساطة غير ملائمة». وإذ توقَّع أن مثل هذا الغزو «لن يحدث»، فهو أعلن أن الأمر سيعتمد على «مدى قدرة العالم على جعل الصين تدرك» الثمن الذي سيترتّب عليها في حال أقدمت على الغزو. ومع تزايد «هفوات» الرئيس، سارع مسؤول في البيت الأبيض إلى القول إن «تعليقات بايدن تتوافق مع السياسة الأميركية المعتمدة بالنسبة إلى تايوان»، مضيفاً: «سياستنا لم تتغيّر. لقد كرّر تأكيد سياستنا القائمة على أساس (صين واحدة) والتزامنا في سبيل السلام والاستقرار من جانبَي مضيق تايوان».

إزاء ما تقدَّم، تتزايد التحذيرات من أن تؤدّي التوترات المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين، جنباً إلى جنب الانتشار العسكري الضخم للقوّتين في منطقة آسيا - المحيط الهادئ، إلى زيادة خطر حدوث أزمة ناجمة عن «سوء تقدير أو تصادم غير مقصود في الجوّ أو في البحر». وإن ساهمت آليات إدارة الأزمات الحالية في استقرار العلاقة، إلّا أن مواجهة المنافسة المتزايدة، والتي اشتدّت على خلفية الحرب في أوكرانيا، تستدعي، وفق نصيحة «مجموعة الأزمات الدولية»، «تحديد طرق لتعزيزها». ويتمّ تأطير المنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين بشكل متزايد من قِبَل كلا الجانبين على أنها تنافس بين الأنظمة السياسية المحليّة لكلّ منهما: تقدّم واشنطن نفسها على أنها تخوض معركة من أجل الديموقراطية وضدّ الاستبداد، مدفوعةً، من بين أمور أخرى، برغبة بايدن في «الدفاع عن القيم» التي تعامل معها سلفه، دونالد ترامب، بازدراء واضح؛ وفي المقابل، تصوّر بكين نفسها على أنها المدافع عن النظام الذي يقوده «الحزب الشيوعي الصيني»، والذي تقول إنه يمثّل شكلاً مختلفاً من الديموقراطية التي قدّمت فوائد ضخمة للشعب. ولكن المنافسة اشتدّت في ظلّ الحرب الأوكرانية، حيث عزّز دعم بكين لموسكو ودعم واشنطن لكييف الشعور المتبادل بأن البلدين منخرطان في صراع شامل، إذ يطرح كلا الجانبين روايات تزيد من مخاطر السجال، وتقلِّل من مساحة التسوية، وتجعل من الصعب الحدّ من مخاطر المواجهة، بحسب المجموعة. وممّا زاد الطين بلّة، أن التنافس الثنائي أصبح عسكرياً بشكل متزايد في بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان. ففي ظلّ إدارة ترامب، بدأت الولايات المتحدة تزيد من وتيرة نشاطها العسكري لتحدّي وردع ما تعتبره «محاولات الصين تقويض النظام الدولي القائم على القواعد»، والذي انتهت مفاعيله.

مصدر الخبر
الأخبار اللبنانية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.