تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

فشل مركّب: لا أسعار ولا كميات مرضية ولا حماية للبيئة

مصدر الصورة
وكالات

مخاوف أمن الطاقة تُنسي الدول مشاكل المناخ وتدفعها إلى الاستثمار في الفحم بكامل ثقلها.

يدور العالم منذ نحو عامين في فلك أزمة طاقة لا يُعرف بعد إلى أي اتجاه تسير، خاصة أن ذلك يتزامن مع اشتداد الحرب في أوكرانيا. وتعكس تقارير وكالة الطاقة الدولية أن العالم يعيش حالة من الفشل المركّب الذي يجمع بين ارتفاع جنوني لأسعار النفط ونقص كبير في الكميات، مع اضطرار أغلب الدول إلى زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المدمرة للبيئة، وهي الدول ذاتها التي اتخذت في السابق قرارات للحد من هذه المصادر تجنبا لحدوث تغيرات كبيرة في المناخ.

واشنطن - ذكرت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها الجديد أن الاستثمار العالمي في الطاقة يواصل الارتفاع ومن المتوقع أن ينمو بنسبة 8 في المئة سنويا هذا العام، مدفوعا بالإنفاق القياسي على الطاقة النظيفة.

وبدت هذه أخبار رائعة لإمدادات الطاقة العالمية وأهداف المناخ. لكن المحلل الاقتصادي أليكس كيماني يقول في تقرير لموقع أويل برايس الأميركي إن الاتجاه التصاعدي يعدّ نتيجة التضخم المتسارع وتعميق الفجوة بين اتجاهات الاستثمار في الاقتصادات المتقدمة والناشئة من ناحية وزيادة استثمارات الفحم من ناحية أخرى، حيث تعطي أكبر الاقتصادات في آسيا الأولوية لأمن الطاقة وسط ارتفاع أسعار هذه الطاقة بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا.

وقالت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها إن اتجاهات الاستثمار في الطاقة اليوم تُظهر أن العالم مقصّر في تحقيق أهداف المناخ وفي توفير طاقة مستدامة وبأسعار معقولة.

التضخم يمتص الاستثمار

الأسعار المرتفعة والغزو الروسي لأوكرانيا يعنيان أن الاستثمار في إمدادات الوقود يُنظر إليه حاليا من خلال عدسة أمن الطاقة

من المتوقع أن يرتفع الاستثمار العالمي في الطاقة بنسبة 8 في المئة إلى 2.4 تريليون دولار هذا العام، مع زيادة الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة بأسرع وتيرة. ورغم ذلك من المرجح أن يُمتصّ ما يقارب نصف الزيادة البالغة 200 مليار دولار في الاستثمار هذه السنة بسبب ارتفاع التكاليف بدلا من توفير سعة أو فائض للطاقة.

وقالت الوكالة التي تتخذ من باريس مقرا لها إن التكاليف ترتفع وسط ضغوط سلسلة التوريد والعمالة الضيقة وأسواق خدمات الطاقة وارتفاع أسعار الصلب والإسمنت.

كما أدى التضخم إلى تحقيق الزيادات الأولى في تكلفة مصادر الطاقة المتجددة خلال عقد. وتواجه مصادر الطاقة المتجددة، بصفتها تكنولوجيات تتطلب رأس مال أكبر، تأثيرا أقوى من الضغوط التي تؤثر على تكلفة المواد الخام والتمويل أكثر من تأثيرها على تكلفة الأشكال الأخرى لتوليد الطاقة، حسب ما لاحظته وكالة الطاقة الدولية.

وقالت الوكالة إن مصنعي المعدات المتجددة يمررون بعض هذه الضغوط في منتجاتهم “مع زيادات في تكلفة الألواح الكهروضوئية الشمسية وتوربينات الرياح بنسبة 10 – 20 في المئة ومحاولات لإعادة التفاوض على العقود الحالية، اعتمادا على التكنولوجيا والمنطقة”.

ويمكن للضغوط المالية أن ترفع التكلفة الموحدة للكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة المتغيرة بنسبة 20 – 30 في المئة هذا العام مقارنة بسنة 2020.

وبالرغم من ذلك تقول وكالة الطاقة الدولية إن الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة لا يزال جذابا نظرا إلى دور الطاقة النظيفة في تحول الطاقة، خاصة إذا كانت مدعومة بسياسات وحوافز حكومية.

قصة عالمين

يرى كيماني أن تقديرات وكالة الطاقة الدولية توضح أنه في حين أن الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة والمنشآت يتزايد باستمرار في الاقتصادات المتقدمة والصين، فإن الاقتصادات النامية والناشئة عالقة عند نفس مستوى استثمار سنة 2015 في الطاقة النظيفة، أثناء توقيع اتفاقية باريس.

ويقول المحلل الاقتصادي إنه بصرف النظر عن بعض النقاط المضيئة (مثل النمو في طاقة الرياح والطاقة الشمسية في البرازيل ومصادر الطاقة المتجددة في الهند) تكافح الاقتصادات النامية -باستثناء الصين- لبعث الاستثمار في الطاقة المتجددة.

وتشير وكالة الطاقة الدولية إلى أن هذه الاختلافات الإقليمية الرئيسية في الاستثمار في الطاقة النظيفة “تؤكد على مخاطر وجود خطوط فاصلة جديدة بشأن الطاقة والمناخ”، مضيفة أن “الضعف النسبي للاستثمار في الطاقة النظيفة في معظم أنحاء العالم النامي هو أحد أكثر الاتجاهات إثارة للقلق، وهي الاتجاهات التي كشف عنها تحليلنا”.

ويمكن أن تصل تكلفة رأس المال في الأسواق النامية إلى سبعة أضعاف التكلفة في الاقتصادات المتقدمة. وباستثناء الصين تفتقر الاقتصادات النامية إلى الأموال العامة لدعم مصادر الطاقة المتجددة، وغالبا ما تكون أطر السياسات ضعيفة والاقتصادات مهددة بارتفاع معدلات التضخم والفقر المتزايد، مع تكاليف الاقتراض التي تواصل الارتفاع.

وقالت الوكالة الدولية للطاقة “يتعين فعل الكثير لسد الفجوة بين حصة الاقتصادات الناشئة والنامية -التي تبلغ خُمس الاستثمار العالمي في الطاقة النظيفة- وحصة الثلثين من سكان العالم”.

الاستثمار في الوقود الأحفوري

يرتفع الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، لكنه لا يقترب من المستويات الضرورية للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري في حدود زيادة 1.5 درجة مئوية. وفي الآن نفسه من المقرر أن يزداد الاستثمار في الوقود الأحفوري، بما في ذلك الفحم قبل 2023، مما يقوض المسار العالمي لأهداف المناخ من ناحية، لكنه لا يزال غير كاف لتلبية الطلب العالمي المتزايد على الطاقة من ناحية أخرى.

وذكر تقرير وكالة الطاقة أن “الإنفاق على النفط والغاز اليوم عالق بين رؤيتين للمستقبل: فهو مرتفع للغاية بالنسبة إلى مسار يتماشى مع الحد من الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية، ولكنه ليس كافيا لتلبية الطلب المتزايد في سيناريو تواصل فيه الحكومات اعتماد السياسة الحالية وتفشل في الوفاء بتعهداتها المناخية”.

ويتزايد الاستثمار في إمدادات الفحم الجديدة وسط مخاوف تتعلق بأمن الطاقة.

وقالت الوكالة إن “الأسعار المرتفعة والغزو الروسي لأوكرانيا يعنيان أن الاستثمار في إمدادات الوقود يُنظر إليه حاليا من خلال عدسة أمن الطاقة، لكن لا يمكن تنحية ضغوط المناخ جانبا”.

وقفز الاستثمار في إمدادات الفحم بنسبة 10 في المئة خلال العام الماضي، بقيادة آسيا. ومن المرجح أن يرتفع بنسبة 10 في المئة أخرى هذا العام ليصل إلى 116 مليار دولار، وهو ما سيكون أعلى من استثمار 2019 البالغ 104 مليارات دولار.

وفي مجال التنقيب عن النفط والغاز من المقرر أن يشهد العالم زيادة الاستثمار بنسبة 10 في المئة هذا العام إلى 417 مليار دولار. لكن هذا يتخلف عن الاستثمار البالغ 500 مليار دولار في 2019، وفقا لتقديرات وكالة الطاقة الدولية. كما أن تصاعد التكلفة يقلل من تأثير زيادة الإنفاق على مستويات النشاط. ومن المقرر أيضا أن تنفق شركات النفط الوطنية في البلدان المصدرة للنفط في الشرق الأوسط هذا العام أكثر مما أنفقته في 2019، حيث تتطلع السعودية والإمارات إلى تعزيز الطاقة الإنتاجية للنفط.

ويقول المحلل الاقتصادي إنه على الرغم من الزيادة المتوقعة في استثمارات النفط الصخري في الولايات المتحدة، إلا أنه لا يزال من المتوقع أن يكون مستوى الإنفاق في عام 2022 أقل بنسبة 30 في المئة تقريبا من مستويات 2019، حيث يركز المشغلون على الربحية وانضباط رأس المال بدلا من التوسع في الإنتاج.

وشهد القطاع في مجال التكرير خلال سنة 2021 أول انخفاض صافٍ في السعة العالمية لأول مرة منذ 30 سنة، حيث أوقفت مستويات الطاقة شبه القياسية في عامي 2020 و2021، مما ساهم في الضيق الحالي الذي تشهده أسواق الوقود العالمية. وتقول وكالة الطاقة الدولية إن “الاستثمار في التكرير ليس مؤكدا في المستقبل”.

وجاء في التقرير “ومع ذلك، فإن الأداء المالي القوي ومعدلات الاستخدام المرتفعة التي شوهدت في الأشهر الأخيرة قد لا يعنيان بالضرورة مستويات استثمار أعلى نظرا إلى عدم اليقين المستمر بشأن التوقعات طويلة الأجل للطلب على النفط”.

مصدر الخبر
العرب

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.