تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الأميركيون تائهون بين مشكلاتهم الداخلية ودعم انخراط بلادهم في الشؤون الدولية

مصدر الصورة
وكالات

الجمهوريون منجذبون إلى "أميركا أولا" والديمقراطيون يبررون انخراطهم في الشؤون العالمية.

لا يهمنا ما يحدث خارجا

تنظر شعوب العالم نظرات مختلفة للحضور الأميركي السياسي والعسكري في مختلف الأحداث المعقدة السابقة وحتى الراهنة، إلا أن الأهم من نظرة الآخر الخارجي هي نظرة الأميركيين في الداخل لدورهم في العالم والتي تحاول استطلاعات الرأي دراستها لفهمها وتحليلها باختلاف مستوى انخراط الولايات المتحدة في الأزمات العالمية.

واشنطن - لا تعيش الولايات المتحدة دون مشكلات وقضايا داخلية، لكنها تنخرط تقريبا في أغلب الصراعات والأزمات والمشكلات الخارجية، وتكثف تحركاتها هنا وهناك رغم أن نسبة كبيرة من سكانها لا يهتمون سوى بوضعهم الداخلي ولا شأن لهم بما يحدث خارج حدود بلادهم.

ويقول محللون إنه وفي ضوء الأحداث العالمية المعقدة، مثل العملية الروسية في أوكرانيا وزيادة التوترات في مضيق تايوان، والأشكال المتطورة من الحروب، مثل النزاع الإلكتروني وقضايا القوة الناعمة مثل تغير المناخ، تحتاج الولايات المتحدة إلى دراسة سياستها الخارجية بعناية من أجل مواجهة التحديات الخارجية والداخلية بشكل أفضل.

وهذا يطرح السؤال التالي: كيف يرى الأميركيون دورهم في العالم؟ وهل يرغب الشعب الأميركي في استمرار الانخراط في الشؤون الدولية أم يفضل التركيز بشكل أكبر على القضايا الداخلية؟

وفي تقرير نشرته مجلة ناشونال أنتريست الأميركية، قال تيموثي ريتش أستاذ العلوم السياسية بجامعة ويسترن كنتاكي والباحثان بنفس الجامعة مادلين اينهورن وسيدني ويندهورست، إنه يمكن للمرء تحديد العديد من الاختلافات في السياسة الخارجية الأميركية بين إدارتي الرئيس السابق دونالد ترامب والرئيس الحالي جو بايدن. وهي الاختلافات التي تعكس هذا التوتر في التركيز على الشؤون الداخلية مقابل الشؤون الخارجية.

فقد دعا الرئيس ترامب إلى تطبيق شعار “أميركا أولا”، والذي يشير إلى إعادة توجيه السياسة الأميركية إلى القضايا الداخلية والتركيز بشكل أقل على العالم الخارجي، وهو ما دفع الإدارة إلى الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ وانهيار الاتفاق النووي الإيراني والانسحاب من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ.

الأميركيون يرون أن الولايات المتحدة قادرة على التأثير على الشؤون الدولية حتى إذا اختلفوا بشأن كيفية استخدام هذه القوة

وفي المقابل، قامت إدارة بايدن بتوسيع المشاركة الدبلوماسية الأميركية في الشؤون الدولية، بينما سحبت القوات الأميركية من أفغانستان.

وقال الباحثون الأميركيون الثلاثة ريتش واينهورن وويندهورست إن إدارة ترامب اتبعت نهجا جديدا في التعامل مع مجالات مثل تغير المناخ والهجرة من خلال نهجها “أميركا أولا”. إلا أن بعضا من سياساتها لم تتوافق مع آراء الأميركيين، حتى مع أعضاء حزبها. فقد كشف استطلاع أجراه مجلس شيكاغو للشؤون العالمية في عام 2017، أن 24 في المئة من أنصار ترامب، و23 في المئة من الجمهوريين المؤيدين لترامب و53 في المئة من الجمهوريين غير المؤيدين لترامب، يرون أنه يتعين على الولايات المتحدة المشاركة في اتفاقية باريس حول تغير المناخ.

وكشف نفس الاستطلاع أن 66 في المئة من الديمقراطيين و60 في المئة من المستقلين و65 في المئة من الجمهوريين يرون أنه يجب أن تضطلع الولايات المتحدة بدور فاعل ونشط في الشؤون الدولية، بينما رأى 49 في المئة فقط من المشاركين في الاستطلاع أهمية الحفاظ على التحالفات القائمة كأداة فاعلة لتحقيق أهداف السياسة الخارجية.

وأعرب المشاركون في الاستطلاع من الحزبين عن اعتقادهم بأن الولايات المتحدة تمتلك نفوذا دوليا أكبر من الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي.

وهكذا، من الواضح للغاية أن الأميركيين يرون أن الولايات المتحدة قادرة على التأثير على الشؤون الدولية حتى إذا اختلفوا بشأن كيفية استخدام هذه القوة. بالإضافة إلى ذلك، كشف استطلاع أجرته مؤسسة الأمم المتحدة وحملة عالم أفضل للأميركيين الذين تتراوح أعماهم بين 17 عاما و35 عاما، أن أغلبية الديمقراطيين والجمهوريين والمستقلين يؤمنون بما وصفوه “أميركا أولا ولكن ليست بمفردها”.

66 في المئة من الديمقراطيين و60 في المئة من المستقلين و65 في المئة من الجمهوريين يرون أنه يجب أن تضطلع الولايات المتحدة بدور فاعل ونشط في الشؤون الدولية

ومع استمرار العالم في الرد على غزو روسيا لأوكرانيا، تسعى الولايات المتحدة لحماية “النظام الدولي القائم على القواعد”. ومع ذلك لا تشترك كل الدول الأخرى في نفس الفكر، فقد اختارت الهند والبرازيل والمكسيك وجنوب أفريقيا وغيرها النأي بنفسها عن الغزو والتركيز على سياساتها الداخلية على الرغم من قيام الولايات المتحدة بحثها على الانخراط في القضية. فقد ظهر شعار “أميركا أولا” في دول أخرى، من بينها البرازيل التي دعا رئيسها جاير بولسونارو إلى “جعل البرازيل عظيمة مجددا”.

وقال ريتش واينهورن وويندهورست في تقريرهم إنه لتحديد كيفية شعور الأميركيين بشأن مشاركة بلادهم في الشؤون الدولية، قاموا بإجراء استطلاع وطني على شبكة الإنترنت في الولايات المتحدة خلال الفترة من التاسع والعشرين من يونيو وحتى الحادي عشر من يوليو الحالي، من خلال شركة “كوالتريكس” للأبحاث، مع أخذ عينات من العمر والنوع والمنطقة الجغرافية.

وسأل الباحثون 1728 شخصا السؤال التالي: أي من الرأيين التاليين يصف بشكل أفضل رأيك لدور الولايات المتحدة في الشؤون الدولية؟ وكان بإمكان المستطلعة آراؤهم الاختيار بين (1) يجب أن نقلل الاهتمام بالمشكلات في الخارج ونركز على المشكلات في الداخل، أو (2) الأفضل لمستقبل بلادنا أن نكون فاعلين في الشؤون الدولية.

وبشكل إجمالي، دعا 55.44 في المئة من المشاركين إلى اهتمام أقل بالمشكلات الخارجية والاهتمام بشكل أكبر بالداخل، في حين فضل 44.56 في المئة القيام بدور فاعل ونشط في الشؤون الدولية. وكانت نسبة الديمقراطيين الذين يفضلون الاهتمام بالشؤون الدولية أكبر، بنسبة 56.29 في المئة. وبالعكس، كانت نسبة الجمهوريين الذين يفضلون التركيز على المشكلات الداخلية أكبر، بنسبة 67.34 في المئة وبشكل متوقع، كان المستقلون في المنتصف، حيث أيد 59.69 في المئة منهم التركيز على الشؤون المحلية.

واعتبر الباحثان أن الجمهوريين على الأرجح لا يزالون منجذبين إلى شعار ترامب “أميركا أولا”، في حين يرى الديمقراطيون الأحداث الراهنة مثل غزو روسيا لأوكرانيا وتغير المناخ كسببين لاستمرار انخراط الولايات المتحدة في الشؤون الدولية. الواضح أن الجمهوريين كانوا أقل تأييدا للالتزامات الدولية، حيث تظهر بيانات الرأي العام في الماضي أن الجمهوريين كانوا أقل تأييدا للمساعدات الخارجية وكانوا رافضين لإعادة توطين اللاجئين الأفغان لأسباب أمنية.

والحقيقة هي أن المشاركين في الاستطلاع ربما يقيمون التركيز على المشكلات الداخلية والتركيز على الشؤون الدولية بشكل مختلف للغاية، والمطلوب في الاستطلاع يجبر المشاركين على اتخاذ قرار في حين أن بعض المشاركين ربما يعتقدون أنه من الممكن التعامل مع المخاوف في كلا الجبهتين الداخلية والخارجية معا.

على سبيل المثال، ربما يرى بعض المشاركين في الاستطلاع أن انخراط الولايات المتحدة في الشؤون الدولية يعني في الأساس التدخل العسكري، وهو ما تأثر سلبا بأفعال الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان، أو المساعدات الدولية، التي يبالغ الأميركيون للغاية في تقديرها بشكل تاريخي، بينما يعتبر آخرون أن الانخراط في الشؤون الدولية هو التعامل الدبلوماسي للاستجابة للمخاوف التي تحتاج إلى عمل جماعي مثل التصدي لتغير المناخ والجوائح.

ومن المرجح أن تكون المخاوف الداخلية أكثر وضوحا في أذهان المشاركين في الاستطلاع مقارنة بالعديد من التحديات الخارجية، نظرا لأن المشكلات الداخلية، وخاصة القضايا البارزة، ومن بينها السيطرة على الأسلحة، والقرارات المثيرة للجدل من المحكمة العليا، تؤثر مباشرة على الأميركيين على المدى القريب أكثر من الشؤون الدولية المجردة.

واختتم الباحثون تيموثي ريتش ومادلين اينهورن وسيدني ويندهورست تقريرهم في مجلة ناشونال انتريست بالقول إنه بينما يمكن للمرء فهم جدوى التركيز على المشكلات الداخلية، فإن هذا يتناقض مع الشعار القديم بأن الولايات المتحدة هي “زعيمة العالم الحر”. إن عدم الانخراط في الشؤون الدولية يهدد بتفاقم “تراجع الهيمنة الأميركية”. وبدلا من النظر إلى الأمرين على أنهما عالمان منفصلان، ربما من الأفضل التفكير في تطبيقات غير تقليدية للتأثير الدولي للولايات المتحدة وكيف يمكن أن يساعد حل المشكلات الداخلية في الولايات المتحدة في زيادة النفوذ الأميركي في الخارج.

مصدر الخبر
العرب

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.