تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

حر الآن وصقيع قادم: الجفاف يزيد من مشاكل أوروبا في الطاقة والاقتصاد

مصدر الصورة
وكالات

أزمة الطاقة والجفاف في أوروبا تنعكس على أسعار المواد الأساسية.

نقص كبير في مياه البحيرات والأنهار في أوروبا

عمق الجفاف من معاناة الاقتصاديات الأوروبية التي ترزح تحت ضغوط أزمة الطاقة والحبوب بسبب تداعيات الحرب الأوكرانية حيث تواجه القارة ارتفاعا حادا في أسعار الغذاء والوقود خاصة مع اقتراب الشتاء.

باريس - يزيد الجفاف الشديد المخاطر الاقتصادية في أوروبا عبر تقويض المحاصيل وإنتاج الطاقة وتدفقات التجارة بينما تواجه القارة ارتفاعا حادا في أسعار الغذاء والوقود بالفعل، إلى جانب أزمة طاقة محتملة هذا الشتاء.

وتواجه العديد من المناطق في أوروبا موجات جفاف شديدة هذا الصيف، وهي ناتجة عن مزيج من نقص في هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة منذ مايو. وقدرت المفوضية الأوروبية في يوليو أن ما يقرب من نصف الاتحاد الأوروبي وأجزاء كبيرة من المملكة المتحدة كانت تعاني من مستويات “تحذيرية” من الجفاف، مع ظروف جفاف غير معتادة من المقرر أن تستمر حتى سبتمبر في جل القارة. كما أن نقص المياه حاد بشكل خاص في الأراضي المنخفضة شمال إيطاليا ووسط ألمانيا وشرق المجر وشمال إسبانيا، وكذلك المناطق الجنوبية والوسطى والغربية من فرنسا والبرتغال وهولندا.

ويؤثر شح الأمطار على تصريف الأنهار واستنزاف كميات المياه المخزنة، مما يؤثر على قطاع الطاقة لكل من توليد الطاقة الكهرومائية وأنظمة تبريد محطات الطاقة. كما أن انخفاض إمدادات المياه وارتفاع الحرارة يقللان من المحاصيل، في حين أن المستويات المنخفضة بشكل خطير في قنوات الأنهار تضر بالتدفقات التجارية من خلال إجبار سفن الشحن على تخفيض حمولتها.

وأصبحت مستويات خزان المياه في إسبانيا حاليا أقل بنسبة 31 في المئة من متوسط السنوات العشر الأخيرة. ويبلغ مستوى المياه في الخزانات نصف متوسط السنوات السبع السابقة في البرتغال.

الجفاف حل في وقت تكافح فيه القارة الأوروبية ارتفاع نسب التضخم ومع تهديد الركود الاقتصادي الذي في الأفق

وتدنّت مستويات المياه في العديد من الخزانات في إيطاليا إلى أقل من الدرجات التاريخية الدنيا منذ سبتمبر 2021. وأدى الجفاف إلى فرض قيود واسعة النطاق على استخدام المياه العذبة في فرنسا بسبب انخفاض معدل هطول الأمطار بنسبة 84 في المئة في يوليو عن المتوسط المسجل طوال عقدين.

ووصلت مستويات المياه في نهر بو الإيطالي مستوى قياسيا منخفضا. كما أدت قلة هطول الأمطار إلى رفع نسبة الملح في المياه العذبة في دلتا النهر (التي تغذي البحر الأدرياتيكي بالقرب من البندقية)، مما أدى إلى ارتفاع مستويات الملوحة بشكل غير طبيعي.

وتنخفض مستويات المياه في نهر الراين الألماني إلى مستويات خطيرة بالنسبة إلى الملاحة أيضا. وانخفض خط الماء المرجعي في كاوب التي تعدّ نقطة مرور رئيسية لشحن السلع إلى 49 سم فقط في السابع من أغسطس. ويُذكر أن الملاحة تصبح غير اقتصادية عندما يصل مستوى المياه إلى أقل من 40 سم.

كما انخفض منسوب المياه في نهر الدانوب، الذي يتدفق عبر العديد من دول أوروبا الشرقية والوسطى، بشكل حاد. وأصبحت المستويات الآن أقل بعدة أمتار مما كانت عليه قبل سنة واحدة فقط، في أغسطس 2021.

وحلّ الجفاف في وقت تكافح فيه أوروبا ارتفاع التضخم، ومع تهديد الركود الذي في الأفق، وتواصل أزمة الطاقة التي ستزداد سوءا في الشتاء. ويواجه الاقتصاد الأوروبي مجموعة من المخاطر المترابطة التي تبدد الانتعاش بعد الوباء وتهدد بدخول القارة حالة ركود خلال الشتاء القادم. كما تواجه أوروبا حاليا أسوأ أزمة طاقة منذ عقود وسط تداعيات الحرب المستمرة في أوكرانيا التي أدت إلى خفض روسيا إمداداتها من الغاز الطبيعي إلى الدول الأوروبية ردا على عقوبات الاتحاد الأوروبي.

الحكومة الفرنسية منحت مؤخرا إعفاء مؤقتا يسمح لشركة كهرباء فرنسا بتبريد خمس من محطاتها النووية في الأنهار على الرغم من ارتفاع درجات حرارة المياه،

وأثارت الاضطرابات الأخيرة في تدفقات الغاز الطبيعي عبر خط أنابيب نورد ستريم 1 (الذي ينقل الغاز الروسي تحت بحر البلطيق مباشرة إلى ألمانيا) مخاوف من أن موسكو يمكن أن توقف تدفق الغاز بالكامل إلى أوروبا خلال موسم ذروة الاستهلاك هذا الشتاء.

ومن شأن مثل هذا الانقطاع في الشتاء، عندما يستخدم الأوروبيون الكثير من الغاز لتدفئة المباني والمنازل، أن يتسبب في ارتفاع التضخم إلى أعلى وربما يدفع العديد من البلدان (بما في ذلك ألمانيا وإيطاليا وفرنسا) إلى ركود اقتصادي. ويتسبب هذا التهديد الذي يلوح في الأفق في حدوث اضطرابات إضافية في إمدادات الغاز والصدمات الأخرى ذات الصلة بأوكرانيا في زيادة الشكوك مع ارتفاع أسعار السلع والخدمات. ويضيف الجفاف القياسي في أوروبا إلى هذه الضغوط التضخمية والشعور العام بعدم الارتياح، مما سيزيد من الضغط على النمو الاقتصادي، ويقلل من نشاط الأعمال ويعقد خطط التحوط ضد المخاطر المتزايدة خلال الأشهر المقبلة.

وخفضت المفوضية الأوروبية في يوليو توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو من آخر توقعاتها الصادرة في مايو. وتتوقع اللجنة الآن أن يتوسع اقتصاد منطقة اليورو بنسبة 2.6 في المئة في 2022 (وهو ما يشكل انخفاضا من توقعاتها السابقة البالغة 2.7 في المئة) قبل أن يتباطأ أكثر إلى 1.4 في المئة فقط في 2023 (وهذا انخفاض من توقعاتها السابقة البالغة 2.3 في المئة).

المفوضية الأوروبية: محاصيل الاتحاد الأوروبي من فول الصويا وعباد الشمس والذرة كانت أقل بنسبة 8 – 9 في المئة من متوسط الخمس سنوات

ورفع البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة الرئيسي بمقدار 50 نقطة أساس في أواخر يوليو استجابة لارتفاع التضخم في منطقة اليورو، والذي وصل إلى مستوى قياسي مرتفع بلغ 8.9 في المئة الشهر الماضي. كما ألمح البنك المركزي الأوروبي إلى المزيد من الارتفاعات في سبتمبر وما بعده، مما سيضعف النشاط الاقتصادي بشكل أكبر.

وكان تأثير الأزمة الأوكرانية وعقوبات الاتحاد الأوروبي المرتبطة بها أكثر حدة في دول وسط أوروبا وشرقها بسبب علاقاتها الاقتصادية مع موسكو واعتمادها الأكبر على صادرات الطاقة الروسية. وكان التضخم في وسط وشرق أوروبا الأعلى من أي منطقة في القارة (عند 15.4 في المئة في يونيو)، ويمكن أن يتفاقم بشكل كبير إذا تحركت روسيا لقطع إمدادات الغاز الطبيعي بالكامل.

وخارج الاتحاد الأوروبي، ينزلق اقتصاد المملكة المتحدة أيضا إلى الركود، وفقا لأحدث التوقعات من بنك إنجلترا الذي يعمل على تسريع التضييق النقدي لمحاربة التضخم المرتفع القياسي أيضا. ووفقا للبنك، من المقرر أن يدخل الاقتصاد البريطاني المنطقة السلبية في الربع الأخير من سنة 2022 وأن ينكمش بنسبة 2.1 في المئة حتى 2023. وسجّل التضخم في المملكة المتحدة أعلى مستوى له في 40 عاما عند 9.4 في المئة في يونيو ومن المتوقع أن يرتفع أكثر من 13 في المئة في أكتوبر.

ويهدد تأثير الجفاف والحرارة الشديدة على المحاصيل في أوروبا بزيادة أسعار المواد الغذائية في القارة وتفاقم نقص الغذاء العالمي. ويؤثر مزيج درجات الحرارة المرتفعة القياسية وانخفاض معدل هطول الأمطار هذا الصيف على العديد من القطاعات الزراعية في البلدان الأوروبية بالفعل. وقررت فرنسا حظر الري في مناطق واسعة من الشمال الغربي والجنوب الشرقي بسبب نقص المياه. كما يكافح المزارعون الفرنسيون لتغذية مواشيهم بسبب الأراضي العشبية القاحلة. ويهدد تناقص كمية ونوعية المياه من نهر بو في إيطاليا المحاصيل في المنطقة الزراعية التي تنتج ما يقرب من 30 في المئة من غذاء البلاد (بما في ذلك القمح والطماطم والعنب). ومن المتوقع أن يكون إنتاج زيت الزيتون في إسبانيا، حيث تتجاوز سعة خزانات المياه 40 في المئة بقليل، أقل بمقدار الثلث عن العام الماضي. وتتوقع المفوضية الأوروبية على هذه الخلفية أن المحاصيل الصيفية “ستنخفض بشكل كبير” في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي في 2022 بسبب الطقس الحار والجاف. وقد يؤدي ضعف المحاصيل في أوروبا، التي تعد موطنا لبعض أكبر مصدري القمح في العالم، إلى زيادة الضغط على إمدادات الحبوب العالمية وزيادة أسعار المواد الغذائية المتضخمة بالفعل، مما يزيد من الاضطرابات الناجمة عن الأزمة في أوكرانيا التي تعد مصدّرا رئيسيا للقمح والذرة وزيت عباد الشمس أيضا.

الجفاف يهدد كل أشكال الحياة في أوروبا

وقد يكون انخفاض الإنتاج الزراعي في أوروبا أكثر حدة في منطقة البحر المتوسط ودول الشرق الأوسط المجاورة التي تعد من بين أكبر مستهلكي القمح الأوروبي.

ويكافح كبار المنتجين الزراعيين على طول نهر بو في إيطاليا لحماية محاصيلهم من الجفاف وسط نقص المياه، ويكافح صغار المنتجين بالقرب من دلتا النهر للإبقاء على محاصيلهم حية بسبب زيادة ملوحة المياه. وتقدر رابطة المزارعين الإيطاليين “كولديريتي” أن إنتاج إيطاليا من القمح سينخفض بنسبة 15 في المئة هذا العام بسبب زيادة تكاليف الإنتاج والجفاف.

وتتوقع وزارة الزراعة الفرنسية أن ينخفض إنتاج البلاد من القمح اللين لعام 2022 بنسبة 7.2 في المئة مقارنة بمحصول العام الماضي.

وقالت المفوضية الأوروبية في يوليو إن محاصيل الاتحاد الأوروبي من فول الصويا وعباد الشمس والذرة كانت أقل بنسبة 8 – 9 في المئة من متوسط الخمس سنوات، مع انخفاض محاصيل الحبوب بنحو 2 في المئة بشكل عام.

وتؤدي زيادة درجة الحرارة وندرة المياه في أنهار أوروبا إلى تقليل إنتاج الطاقة الكهرومائية والحرارية، مما يزيد من مشاكل الطاقة في القارة.

وتصعّب درجات حرارة المياه المرتفعة تشغيل محطات الطاقة التي تعتمد على الأنهار للتبريد. وكشفت المفوضية الأوروبية أن الناتج من محطات جريان النهر حتى يوليو كان أقل من متوسط 2015 – 2021 لدول من بينها فرنسا وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال ورومانيا والنرويج والجبل الأسود وبلغاريا.

انخفاض الإنتاج الزراعي في أوروبا قد يكون أكثر حدة في منطقة البحر المتوسط ودول الشرق الأوسط المجاورة التي تعد من بين أكبر مستهلكي القمح الأوروبي

ومن المقرر أن تحد النرويج، وهي واحدة من أكبر مصدري الكهرباء في أوروبا، من صادرات الطاقة إلى أوروبا الغربية للحفاظ على خزانات الطاقة الكهرومائية المنخفضة.

وأدت القيود المفروضة على استخدام الماء الدافئ لتبريد المفاعلات في سويسرا إلى إجبار شركة الطاقة السويسرية العملاقة أكسبو على خفض الإنتاج في محطة بيزناو للطاقة النووية بسبب ارتفاع درجات الحرارة في نهر آر.

ومنحت الحكومة الفرنسية مؤخرا إعفاء مؤقتا يسمح لشركة كهرباء فرنسا بتبريد خمس من محطاتها النووية في الأنهار على الرغم من ارتفاع درجات حرارة المياه، ولكن في حين أن الإعفاء سيساعد في تخفيف الضغط على قطاع الطاقة في فرنسا، فإنه لن يصلح مشكلات البنية التحتية التي تعيق إنتاج البلاد النووي أيضا، مما يعني أن فرنسا ستظل بحاجة إلى استيراد الكهرباء من الدول المجاورة.

ويؤدي خفض الإنتاج من القطاع النووي الفرنسي إلى إجبار ألمانيا، التي كانت تستورد الكهرباء الفرنسية سابقا لتشغيل شبكتها الخاصة، على حرق المزيد من الغاز لتوليد الطاقة بدلا من الاحتفاظ بالوقود في التخزين لفصل الشتاء.

كما يؤدي الانخفاض الخطير في مستويات المياه في الأنهار إلى زيادة صعوبة نقل إمدادات الوقود عبر أوروبا. ويؤدي انخفاض مستويات المياه في نهر الراين، وهو طريق شحن رئيسي للسلع بما في ذلك الفحم ومنتجات النفط عبر ألمانيا وإلى البلدان المجاورة، إلى إجبار ناقلات الوقود على تقليل أحمالها إلى داخل أوروبا، مع بلوغ بدائل مثل السكك الحديدية والطرق كامل طاقتها بالفعل.

وتواجه البلدان التي تستخدم نهر الراين لاستيراد الوقود الذي يعتمد على النفط، ولاسيما ألمانيا وسويسرا، صعوبات في بناء مخزون من زيت التدفئة قبل الشتاء وفي تلقي المواد الأولية البتروكيمياوية من مركز أمستردام – روتردام – أنتويرب.

ويؤثر هذا أيضا على إمدادات الفحم في وقت تعوض فيه الصناعات في جميع أنحاء أوروبا نقص الغاز عن طريق إعادة اختيار الفحم.

وحذرت شركة المرافق الألمانية يونيبر من أن اثنتين من محطاتها التي تعمل بالفحم على طول نهر الراين قد تحتاجان إلى الحد من الإنتاج خلال فصل الصيف.

وتؤدي هذه الاضطرابات المرتبطة بالجفاف في إنتاج الطاقة وتوزيع الوقود إلى زيادة أسعار الطاقة في أوروبا وإحباط الجهود المبذولة لزيادة مستويات التخزين قبل الشتاء، مما قد يخلّف آثارا اقتصادية شديدة على المدى المتوسط.

ويأتي الضغط الإضافي على أسواق الغاز والكهرباء في أوروبا في وقت يتزايد فيه الطلب على التبريد وسط درجات الحرارة القياسية المرتفعة هذا الصيف، الذي يستهلك بالفعل الإمدادات اللازمة لفصل الشتاء ويعطل جهود تخزين الوقود في حال أوقفت روسيا إمدادات الغاز الطبيعي. ولكن إلى جانب التأثيرات الأكثر إلحاحا، يمكن أن تقدم هذه التطورات معاينة لما هو قادم على المدى الطويل، عندما قد تضطر القارة إلى التكيف مع ارتفاع درجات الحرارة وعدم كفاية هطول الأمطار بسبب تغير المناخ.

وسجلت أسعار الكهرباء في ألمانيا وفرنسا ارتفاعات قياسية جديدة في الثامن من أغسطس، حيث حذرت العديد من المرافق في جميع أنحاء أوروبا من انخفاض إمدادات الطاقة بسبب الظروف الجوية التي تؤثر على توليد الطاقة النووية والفحم.

وفي 2018، آخر مرة انخفضت فيها مستويات المياه في نهر الراين كما هي الآن، تشير التقديرات إلى أن الاضطرابات التجارية الناتجة أدت إلى انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا بنسبة 0.4 في المئة في الربع الأخير من ذلك العام. وقد يكون التأثير على الناتج الاقتصادي الألماني أسوأ بكثير هذه المرة، بالنظر إلى أن البلاد تبدو بالفعل على وشك الدخول في ركود اقتصادي في الربع الثالث من السنة الحالية.

مصدر الخبر
العرب

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.