تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

برامج الطبخ تزيد من إحباط الجمهور المصري في ظل الأزمة الاقتصادية

مصدر الصورة
وكالات

عكست برامج الطهي أي درجة يعيش الإعلام المصري حالة من الازدواجية الصارخة، لأن نفس القنوات التي تدعو الجمهور إلى ترشيد النفقات والاستهلاك والرضا بالقليل لعبور الأزمة الاقتصادية بسلام، هي نفسها التي تحرض مشاهديها بطبخات فاخرة ليكونوا أكثر استهلاكا لوصفات طعام باهظة تقدمها إذا أرادوا أن يعيشوا سعداء.

القاهرة - يكتشف المتابع عن قُرب لبرامج الطهي المنتشرة في العديد من القنوات المصرية بسهولة حجم تراجع نسب المشاهدة وفتور علاقة الجمهور بها أمام تصاعد الأزمة الاقتصادية وزيادة غلاء أسعار غالبية السلع بشكل يصيب الكثير من الأسر بالعجز عن الوفاء باحتياجاتها اليومية الأساسية، ولذلك تهتم معظم برامج الطعام التي شهدت رواجا قبل سنوات بمخاطبة شريحة اجتماعية مقتدرة ماديا.

وحفلت القنوات المصرية بهذه النوعية من البرامج، وخصصت محطات مختلفة تهتم بالطعام وما يتصل به من إعداد وطبخ ومكونات وتقديم وصفات جديدة، وما يؤخذ على هذه البرامج وتلك القنوات أنها أصبحت استفزازية أكثر من اللازم بتعمدها تقديم وصفات لوجبات فاخرة لا يقدر على إعدادها البسطاء ومتوسطو الدخل.

وباتت هذه البرامج متهمة في نظر دوائر رسمية وخبراء أيضا بأنها تحرض جمهورها من السيدات تحديدا على إنفاق الكثير من المال لجلب منتجات لتنفيذ الوصفات التي يقدمها الطهاة على الهواء مباشرة غالبا، ما يثقل كاهل الأسر ويجعلها أعلى استهلاكا، وتغييب الوعي بالإنفاق على النواحي الترفيهية، وما يترتب عليها من شعور بالعجز.

الرئيس المصري ألقى بحجر كبير في مياه برامج الطبخ مؤخرا، عندما انتقدها وتساءل عن سبب كثرتها في القنوات التلفزيونية

وألقى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بحجر كبير في مياه برامج الطبخ مؤخرا، عندما انتقدها بوضوح وتساءل عن سبب كثرتها في القنوات التلفزيونية، لافتا إلى أن المحطات العامة والخاصة مهتمة كثيرا بالمطبخ والطعام والطهاة، قائلاً “كل القنوات جايبة (أحضرت) مطابخ.. هو إحنا (نحن) حد ينفع يعلمنا إزّاي (كيف) نأكل.. أنا مع التنوع في الإعلام لكن مش (ليس) بالشكل ده (هذا)”.

وتتعارض برامج الطهي في رسائلها إلى الجمهور مع رؤية الدولة في كونها تحرض الناس على الإسراف وإقناعهم بأن الطعام هو الحياة، في حين أن السيسي سبق وعلّق على كثرة استهلاك الأطعمة بشكل مبالغ فيه، قائلا “يجب أن نأكل لنعيش، وليس أن نعيش لنأكل”، داعيا الشارع إلى الرضاء بالقليل لعبور الأزمة الاقتصادية.

وزادت المشكلة مع رواج قنوات الطبخ على يوتيوب التي تتفنن في تقديم وصفات متنوعة ومن أماكن مختلفة للدرجة التي جعلت إحدى السيدات تقدم على قناتها الخاصة وصفاتها للطبخ من غرفة النوم، ما جعل الأمر يثير الاستفزاز وليس الشهية.

وكانت نادية محمد، وهي أمّ لأسرة مكونة من خمسة أبناء وزوج، من السيدات اللاتي وصلت علاقتهن ببرامج الطهي حد الإدمان، فإذا لم يحالفها الحظ في مشاهدة برنامجها المفضل في التلفزيون تنتظر بث الحلقة على صفحة القناة على منصات التواصل الاجتماعي لتعرف أيّا من وصفات الطعام الجديدة التي تم الإعلان عنها في البرنامج.

وأجبرت الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها أسرة الأم على تجاهل البرنامج بشكل كبير، فأمام حالة غلاء الأسعار التي تعاني منها العائلة وعدم قدرتها على الوفاء بالحد الأدنى للالتزامات اليومية لم تعد مغرمة كثيرا بالمتابعة، وقالت لـ”العرب”، “برامج الطهي اتجهت لتقديم وجبات تثير حسرة المشاهد على أحواله المعيشية”.

وأضافت “في الماضي القريب كانت وصفات برامج الطهي مناسبة لأسر عديدة، والآن تخاطب الطبقات الميسورة ماديا، وصارت الشريحة العليا هي التي تستطيع تنفيذ هذه الوصفات.. لن أكون سعيدة وأنا أشاهد وجبة لا أستطيع شراء مكوّناتها، حتى لا أشعر بالحرمان أنا وأولادي، ونرضى بما في أيدينا”.

وتحولت برامج الطهي إلى أداة تروج لوصفات طعام دخيلة على الكثيرات، حيث تروج لأفكار مستوردة من ثقافات مختلفة تحتاج إلى وفرة مادية عند الأسر لتستطيع شراء الخامات المستخدمة في الأكلات، بينما نسبة الفقر في المجتمع تزداد بشكل مستمر، ولم تعد برامج الحماية الاجتماعية التي تقدمها الحكومة قادرة على انتشال البسطاء من ظروفهم الصعبة.

ويرى البعض من خبراء الإعلام أن تراجع مشاهدات البرامج المهتمة بإعداد الطعام أمر طبيعي ولا يحتاج إلى أرقام للتدليل على ذلك، لأنها تقدم واقعا خياليا لجمهور شريحة كبيرة منه بالكاد تستطيع عبور يومها بأقل تكلفة، وهناك من قاطعوها لعدم الإحساس بالعجز والعوز وقلة الحيلة، في ظل إصرار مقدمي هذه البرامج على توصيل رسائل مفادها أن تجربة وصفاتهم مصدر للسعادة.

وبدأت رسائل بعض برامج الطهي تتحول إلى مصدر لتكريس الطبقية في مخيلة البعض لكونها تعتمد على إقناع المشاهد بأن من يتجاوبون مع الأكلات الجديدة مرتفعة التكلفة هم أبناء الطبقة الراقية ومن يريدون أن يصبحوا أكثر تحضرا، أي أنها ترهن تحضر الناس في الطعام بمدى تجاوبهم مع وصفات تقدمها مهما كانت التكلفة.

 

طبخات فاخرة لوصفات طعام باهظة الثمن

طبخات فاخرة لوصفات طعام باهظة الثمن

 

قال حسن عماد مكاوي أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة إن فتور العلاقة ببرامج إعداد الطعام مرتبط بكونها لا تراعي ظروف الجمهور المستهدف، وتتمسك بأن يكون لها متابعون من شريحة بعينها، لأنها لا تخاطب كل الأسر المصرية بأكلات بسيطة تتفق مع الظروف المعيشية، لكنها تصر على تقديم وصفات بأسعار مبالغ فيها، مع أن المفترض أن يكون المنبر الإعلامي مصدرا للتوعية بالترشيد لا الإسراف.

ومن بين البرامج الشهيرة على الفضائيات المصرية، “الشيف” ويقدمه الشيف الشربيني، و”لقمة هنية” للشيف علاء الشربيني، و”سنة أولى طبخ” لسالي عبدالسلام، و”دوّقيني يا ماما” لمروة إمام، وهناك قناة متخصصة للطعام فقط تمتلكها الجهة الحكومية المالكة لغالب الفضائيات المصرية وهي قناة “سي.بي.سي – سفرة، وفيها برامج “على قد الإيد”، و“عيش وملح”، و“مطبخ 101”، و“الشيف”.

وأضاف مكاوي لـ“العرب” أن التردي الاقتصادي للكثير من الأسر يصعب إنكاره، وهنا يجب أن يكون دور الإعلام توعويا ولا يصدر خطابا يثير الحسرة في نفوس البعض من خلال مشاهدة أطعمة فاخرة لم يسمع عنها من قبل، ثم إن البعض قد يصاب بحقد طبقي دون أن يدري، لكن المشكلة الحقيقية في تشجيع هذه البرامج على النزعة الاستهلاكية لدى عموم الناس.

وتعد الأجندة الترفيهية مطلوبة في أيّ منبر إعلامي، لكن لا يجب أن يكون ذلك عبر انحراف الرسالة الإعلامية بأن تهتم بجلب مواد إعلانية على حساب المتلقي، والظروف الاقتصادية لا تحتمل تكريس كل هذه المساحة من البرامج لمسألة الطعام فقط، ما يحتم على القنوات التعايش مع واقعية المجتمع لا تحريضه على حياته.

وإذا كانت بعض الأصوات تبرر انتشار برامج الطهي بأنها ليست مكلفة وتدر دخلا للقنوات للتعايش مع أزماتها، فإن الواقع يشير إلى أسباب أخرى مفادها أن محطات فضائية مصرية تنظر إلى هذه البرامج باعتبارها أقل منتج إعلامي لا يسبب لها منغصات مع الحكومة، بعكس البرامج الاجتماعية والسياسية التي قد تتسبب في الغضب منها.

وطالما استمرت المحاذير ومحدودية القدرة أمام القنوات على مقاربة موضوعات أكثر أهمية، مثل السياسة والاقتصاد والأمن، ستظل هناك مساحات شاسعة فارغة من البث لن يتم سدها سوى ببرامج الطهي والترفيه والفن وغيرها، فكلما تقلصت مساحة الإعلام الجاد من الطبيعي أن تكون البرامج الترفيهية أولوية، وعلى رأسها الطبخ.

مصدر الخبر
العرب

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.