تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

sns تنشر النص الكامل للوثيقةالسياسيةالجديدةلحزب الله

أعلن حزب الله اليوم وثيقته السياسية الجديدة خلال المرحلة القادمة وهذا نصها:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين وصحبه المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.

قال الله تعالى في كتابه المجيد:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}. (العنكبوت: 69)

وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. (المائدة: 35)

تهدف هذه الوثيقة إلى تظهير الرؤية السياسية لحزب الله، حيث تنطوي على ما نراه من تصورات ومواقف وما نختزنه من آمال وطموحات وهواجس، وهي تأتي - قبل أي شيء آخر - نتاجاً لما خبرناه جيداً من أولوية الفعل وأسبقية التضحية.

ففي مرحلة سياسية استثنائية وحافلة بالتحولات لم يعد ممكناً مقاربة تلك التحولات من دون ملاحظة المكانة الخاصة التي باتت تشغلها مقاومتنا، أو تلك الرزمة من الإنجازات التي حققتها مسيرتنا.

وسيكون ضرورياً إدراج تلك التحولات في سياق المقارنة بين مسارين متناقضين وما بينهما من تناسب عكسي متنامٍ:

1- مسار المقاومة والممانعة في طوره التصاعدي الذي يستند إلى انتصارات عسكرية ونجاحات سياسية وترسُّخ أنموذج المقاومة شعبياً وسياسياً والثبات في المواقع والمواقف السياسية رغم ضخامة الاستهداف وجسامة التحديات.. وصولاً إلى إمالة موازين القوى في المعادلة الإقليمية لصالح المقاومة وداعميها.

2- مسار التسلط والاستكبار الأميركي - الإسرائيلي بأبعاده المختلفة وتحالفاته وامتداداته المباشرة وغير المباشرة والذي يشهد انكسارات أو انهزامات عسكرية وإخفاقات سياسية أظهرت فشلاً متلاحقاً للإستراتيجيات الأميركية ومشاريعها واحداً تلو الآخر، كل ذلك أفضى إلى حالة من التخبط والتراجع والعجز في القدرة على التحكم في مسار التطورات والأحداث في عالمنا العربي والإسلامي.

تتكامل هذه المعطيات في إطار مشهد دُوليّ أوسع، يُسهم بدوره في كشف المأزق الأميركي وتراجع هيمنة القطب الواحد لصالح تعددية لم تستقر ملامحها بعد.

وما يعمّق أزمة النظام الإستكباري العالمي الانهيارات في الأسواق المالية الأميركية والعالمية ودخول الاقتصاد الأميركي في حالة تخبّط وعجز، والتي تعبِّر عن ذروة تفاقم المأزق البنيوي في الأنموذج الرأسمالي المتغطرس.

لذا يمكن القول: إننا في سياق تحولات تاريخية تُنذر بتراجع الولايات المتحدة الأميركية كقوة مهيمنة، وتحلُّل نظام القطب الواحد المهيمن، وبداية تشكّل مسار الأفول التاريخي المتسارع للكيان الصهيوني.

تقف حركات المقاومة في صُلب هذه التحولات، وتَبرز كمعطى إستراتيجي أساسي في هذا المشهد الدُّولي بعد أن أدت دوراً مركزياً في إنتاج أو تحفيز ما يتصل من تلك التحولات بمنطقتنا.

لقد كانت المقاومة في لبنان ومن ضمنها مقاومتنا الإسلامية سبّاقةً إلى مواجهة الهيمنة والاحتلال قبل ما يزيد على عقدين ونصف من الزمن، وهي تمسكت بهذا الخيار في وقت بدا وكأنه تدشينٌ للعصر الأميركي الذي جرت محاولات تصويره وكأنه نهاية للتاريخ. وفي ظل موازين القوى والظروف السائدة آنذاك اعتبر البعض خيار المقاومة وكأنه ضربُ وهمٍ، أو تهورٌ سياسي أو جنوح مناقض لموجبات العقلانية والواقعية.

      رغم ذلك مضت المقاومة في مسيرتها الجهادية وهي على يقين من أحقية قضيتها وقدرتها على صنع الانتصار، من خلال الإيمان بالله تعالى والتوكل عليه والانتماء للأمة جمعاء والالتزام بالمصالح الوطنية اللبنانية والثقة بشعبها وإعلائها القيم الإنسانية في الحق والعدالة والحرية.

فعلى مدى مسارها الجهادي الطويل وعبر انتصاراتها الموصوفة، بدءاً من دحر الاحتلال الإسرائيلي في بيروت والجبل إلى هروبه من صيدا وصور والنبطية وعدوان تموز 1993 وعدوان نيسان 1996 والتحرير في أيار 2000، فحرب تموز 2006، أرست هذه المقاومة صدقيتها وأنموذجها قبل أن تصنع انتصاراتها، فراكمت حقبات تطوُّر مشروعِها من قوة تحرير إلى قوة توازن ومواجهة ومن ثَمّ إلى قوة ردعٍ ودفاع، مضافاً إلى دورها السياسي الداخلي كركن مؤثّر في بناء الدولة القادرة والعادلة.

بالتزامن مع ذلك، قُدِّر للمقاومة أن تطور مكانتها السياسية والإنسانية، فارتقت من كونها قيمةً وطنيةً لبنانيةً إلى كونها - أيضاً - قيمةً عربيةً وإسلاميةً متألقةً، وقد أصبحت اليوم قيمةً عالميةً وإنسانيةً يجري استلهام أنموذجها والبناء على إنجازاتها في تجارب وأدبيات كل الساعين إلى من أجل الحرية والاستقلال في شتى أنحاء المعمورة.

إنّ حزب الله رغم إدراكه لتلك التحولات الواعدة وما يراه من مراوحة العدو بين عجز إستراتيجية الحرب لديه والعجز عن فرض التسويات بشروطه، فإنه لا يستهين بحجم التحديات والمخاطر التي لا تزال ماثلةً، ولا يُقَلِّل من وعورة مسار المواجهة وحجم التضحيات التي تستوجبها مسيرة المقاومة واسترداد الحقوق والمساهمة في استنهاض الأمة، إلاّ أنه - في قبال ذلك - قد بات أشد وضوحاً في خياراته وأمضى عزيمةً في إرادته وأكثر ثقةً بربّه ونفسه وشعبه.

في هذا السياق، يحدِّد حزب الله الخطوط الأساسية التي تشكّل إطاراً فكرياً – سياسياً لرؤيته ومواقفه تجاه التحديات المطروحة.

 

(الفصل الأول)

الهيمنـة والاستنهاض

أولاً : العالم والهيمنة الغربية والأميركية   

بعد الحرب العالمية الثانية باتت الولايات المتحدة صاحبة مشروع الهيمنة المركزي والأول، وعلى يديها شهد هذا المشروع تطوراً هائلاً في آليات التسلط والإخضاع غير المسبوقة تاريخياً، مستفيدةً في ذلك من حصيلة مركّبة من الإنجازات المتعددة الأوجه والمستويات العلمية والثقافية والمعرفية والتكنولوجية والاقتصادية والعسكرية، والمدعومة بمشروع سياسي اقتصادي لا ينظر إلى العالم إلاّ بوصفه أسواقاً مفتوحةً ومحكومةً لقوانينها الخاصة.

إنّ أخطر ما في منطق الهيمنة الغربي عموماً، والأميركي تحديداً، هو اعتباره منذ الأساس أنه يمتلك العالم وأنّ له حق الهيمنة من منطلق التفوق في أكثر من مجال، ولذا باتت الإستراتيجية التوسعية الغربية - وبخاصة الأميركية - ومع اقترانها بالمشروع الاقتصادي الرأسمالي إستراتيجيةً عالميةَ الطابع، لا حدود لأطماعها وجشعها.

إنّ تحكّم قوى الرأسمالية المتوحشة، المتمثلة على نحوٍ رئيسٍ بشبكات الاحتكارات الدُّولية من شركات عابرة للقوميات بل وللقارات، والمؤسسات الدُّولية المتنوعة، وخصوصاً المالية منها والمدعومة بقوة فائقة عسكرياً، أدى الى المزيد من التناقضات والصراعات الجذرية، ليس أقلها اليوم: صراعات الهويات والثقافات وأنماط الحضارات، إلى جانب صراعات الغنى والفقر.

لقد حولت الرأسمالية المتوحشة العولمة إلى آلية لبث التفرقة وزرع الشقاق وتدمير الهويات وفرض أخطر أنواع الاستلاب الثقافي والحضاري والاقتصادي والاجتماعي.

وقد بلغت العولمة حدَّها الأخطر مع تحولها إلى عولمة عسكرية على أيدي حاملي مشروع الهيمنة الغربي، والتي شهدنا أكثر تعبيراتها في منطقة الشرق الأوسط بدءاً من أفغانستان إلى العراق وفلسطين فلبنان، الذي كان نصيبه منها عدواناً شاملاً في تموز العام 2006 وذلك باليد الإسرائيلية.

لم يبلغ مشروع الهيمنة والتسلط الأميركي مستويات خطرةً كما بلغها مؤخراً، لاسيما منذ العقد الأخير من القرن العشرين وحتى اليوم، وذلك في مسار تصاعدي اتخذ من سقوط الإتحاد السوفييتي وتفككه نقطة انطلاق، لما شكّله من فرصة تاريخية في الحسابات الأميركية للاستفراد بقيادة مشروع الهيمنة عالمياً، وذلك باسم المسؤولية التاريخية وبأنّ لا تمييز بين مصلحة العالم والمصلحة الأميركية، ما يعني تسويق الهيمنة كمصلحة لباقي الدول والشعوب لا بوصفها مصلحةً أميركيةً بحتةً.

لقد بلغ هذا المسار ذروته مع إمساك تيار المحافظين الجدد بمفاصل إدارة "بوش" الابن، هذا التيار الذي عبّر عن رؤاه الخاصة من خلال وثيقة "مشروع القرن الأميركي الجديد" التي كُتبت ما قبل إجراء الانتخابات الأميركية عام 2000، ليجد المشروع طريقه إلى التنفيذ بُعيد استلام إدارة "بوش" الابن السلطة في الولايات المتحدة الأميركية.

لم يكن غريباً ولا مفاجئاً أن يكون أكثر ما أكدت عليه هذه الوثيقة - التي سرعان ما باتت دليل العمل لإدارة "بوش"  - مسألة إعادة بناء القدرات الأميركية، والتي عكست رؤيةً استراتيجيةً جديدةً للأمن القومي الأميركي، بدا واضحاً تماماً أنها ترتكز على بناء قدرات عسكرية ليس باعتبارها قوة ردع فقط وإنما أيضاً باعتبارها قوة فعل وتدخّل، سواء للقيام بعمليات "وقائية" عن طريق توجيه ضربات إستباقية أم لأغراض علاجية من خلال التعامل مع الأزمات بعد وقوعها.

وجدت إدارة "بوش" بُعيد أحداث 11 أيلول 2001، أنها أمام فرصة سانحة لممارسة أكبر قَدْر من النفوذ والتأثير، من خلال وضع رؤيتها الإستراتيجية للهيمنة المنفردة على العالم موضع التطبيق تحت شعار "الحرب الكونية على الإرهاب" وهكذا قامت هذه الإدارة بمحاولات إعتُبرت ناجحةً في بدايتها وفق التالي:

1- عسكرة علاقاتها وسياساتها الخارجية إلى الحد الأقصى.

2- تجنّب الاعتماد على الأطر المتعددة الأطراف، والإنفراد باتخاذ القرارات الإستراتيجية، والتنسيق حيث هناك ضرورة، ومع حلفاء يمكن الركون إليهم.

3- حسم الحرب في أفغانستان بسرعة للتفرغ بعد ذلك للخطوة التالية والأهم في مشروع الهيمنة ألا وهي: السيطرة على العراق، الذي اعتُبر نقطة الارتكاز الرئيسة لإقامة شرق أوسط جديد يتناسب مع متطلبات عالم ما بعد 11 أيلول. ولم تتورع هذه الإدارة عن اللجوء إلى كل أساليب التمويه والخداع والكذب الصريح لتبرير حروبها، لاسيما الحرب على العراق، وضد كل مَن يقاوم مشروعَها الاستعماري الجديد من دول وحركات وقوى وشخصيات. وفي هذا الإطار عمدت هذه الإدارة إلى إقامة تطابق بين "مقولة الإرهاب" و"مقولة المقاومة" لتنزع عن المقاومة شرعيتها الإنسانية والحقوقية، وتبرّر بالتالي خوض الحروب على أنواعها ضدها، في سياق إزالة آخر حصون دفاع الشعوب والدول عن حقها بالعيش بحرية وكرامة وعزة، وعن حقها بسيادة غير منقوصة وببناء تجاربها الخاصة

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.