تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

مجلس قومي للوعي.. هل فقدت الحكومة المصرية الأمل في الإعلام

مصدر الصورة
العرب

حالة التذمر من الجمهور تجاه الإعلام لا يمكن أن تؤسس لخطاب مقنع.

تعكس المصادقة المبدئية من مجلس النواب المصري على إنشاء ما يسمى بـ”مجلس قومي للوعي” يأس دوائر حكومية من استعادة وسائل الإعلام لدورها بشكل يجعلها قادرة على تقديم خطاب يتناسب مع حجم التحديات التي تواجهها الحكومة.

القاهرة- وافقت لجان البرلمان المصري، التضامن الاجتماعي والشؤون الدستورية والإعلام والموازنة، أخيرا على مشروع قانون بإنشاء المجلس القومي للوعي ليكون تحت مظلة رئيس الجمهورية كخطوة أولى نحو البحث عن حلول جذرية لانخفاض منسوب التوعية.

يبدو أن هناك قناعة لدى الحكومة بأن تحسين مستوى الوعي عن طريق الإعلام غير مجد أمام تراجع مصداقيته وعدم تأثيره في الشارع بصورة ملموسة، ولم يعد هناك بديل عن إنشاء جهة أخرى مسؤولة عن الملف برمته.

وتطرق مشروع القانون إلى ضرورة الاستعانة بوسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة وإعداد مواد وبرامج إعلامية لازمة للتوعية في كافة المجالات، لكن هناك شعورا متصاعدا بين دوائر حكومية بأن حالة التذمر من الجمهور تجاه الإعلام لا يمكن أن تؤسس لخطاب مقنع.

يمر الإعلام المصري بحالة تخبط وعشوائية في ظل هيمنة الصوت الواحد على الرسالة الموجهة والاصطفاف خلف الحكومة بدعوى أن ذلك من صميم دور الصحف والبرامج مع تزايد التحديات.

ويرى مراقبون للمشهد أن تنمية الوعي الجماهيري ليس بحاجة إلى كيان مختص في أداء المهمة وسط وجود هذه التخمة من وسائل الإعلام، لكن الأمر بحاجة إلى إعادة تنظيم المشهد ليقوم الإعلام بدوره الحقيقي بدل الدفاع عن الحكومة فقط.

ولا تزال مشكلة الجهات القائمة على إدارة الإعلام تكمن في أنها مقتنعة بأن الدور الأساسي لها هو الوقوف خلف الحكومة، وأن نشر الإيجابيات والترويج للإنجازات هو أصل التوعية، وهو ما يسمح لمنابر إعلامية معادية للعبث بالعقول وبث الإحباط.

أصبحت قضية الوعي حاضرة بكثافة في خطابات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي التي تنقلها وسائل الإعلام، ما يعكس مخاوفه من استمرار الأمية السياسية والاقتصادية والفكرية على الأمن والاستقرار مع ارتفاع نسبة الأمية في المجتمع إلى مستويات مرتفعة.

تعاني الكثير من وسائل الإعلام في مصر من تخبط في الأولويات حتى صارت بعيدة عن تطلعات الجمهور، وبدا خطابها الموجه للناس أقرب إلى جلسات فضفضة وبيانات تروج لروايات رسمية جافة من دون شرح عميق للمحتوى أو تحليل للمشهد.

يعتقد المراقبون أن الإعلام المصري مغلوب على أمره، فهناك عوامل خارجة عن إرادته جعلته شريكا في غياب الوعي مع توجيه الرسالة إلى ناحية بعينها وإلزامه بالعمل في إطار لا يسمح له بحرية التحرك والتوغل في المحتوى المقدم للجمهور.

كما أن أي إعلام يريد النجاح في معركة الوعي من الواجب أن يتحرر من القيود وتتاح له حرية الحصول على المعلومات، وهذا ليس متاحا للكثير من المنابر الإعلامية بمصر، ما يعني أن الباقي ضحايا رؤى ضيقة تفرضها جهات مسؤولة.

قال صفوت العالم أستاذ الإعلام السياسي بجامعة القاهرة إن التوعية الإعلامية تتطلب وجود مصداقية وتوافر المعلومات وقوة التأثير والقدرة على الإقناع، وكلها أدوات ليست موجودة بالقدر الذي يسمح للإعلام بتحقيق انتصار معنوي في معركة الوعي.

وأضاف لـ”العرب” أن تشكيل الوعي عملية تراكمية يساهم فيها إعلام مستنير، ونقص المعلومة يتسبب في انتشار الأكاذيب التي تعمل على تقليب الرأي العام، مع أن جزءا أساسيا من الوعي يتأسس على كشف الحقيقة، فلا يجب أن يكون الإعلام رد فعل أو يضع نفسه في خانة المدافع عن المؤسسات بلا توازن في الرسالة المقدمة.

ولا تزال الكثير من الوسائل الإعلامية التي لديها ثأر سياسي مع النظام المصري تتعمد تزييف الوعي مستغلة تراجع ثقة الجمهور في إعلامه، لأنها لم تجد حائط الصد الذي يجذب الناس بحثا عن المعلومة والتوازن ومعرفة الحقيقة الكاملة.

عندما يتحلل الإعلام في أي بلد من القيود ليكون أكثر حرية سوف يستطيع مواجهة الفجوة بين الوعي واللاوعي من خلال نقل ما يجري على الأرض بمهنية، وحينها لن تحتاج الحكومة إلى من يدافع عنها أو يصطف خلفها ليحميها من تغييب وعي المواطنين.

وإذا كانت هناك قناعة مصرية بأن إنشاء مجلس مختص في قضية الوعي فقد يكون من الصعب على الحكومة أن تنجح في التحدي دون الاعتماد على الإعلام كقوة ناعمة قادرة على إحداث الفارق، فهناك ارتباط نفسي بين الشارع والإعلام، لكن التأثير والإقناع يتطلبان تكريس المهنية والمصداقية لا الاكتفاء بتوصيل الرواية الرسمية.

هناك ارتباط نفسي بين الشارع والإعلام، لكن التأثير والإقناع يتطلبان تكريس المهنية والمصداقية

المعضلة أن بعض وسائل الإعلام بحاجة إلى توعيتها بالمسار الصحيح للمهنة قبل أن توضع عليها مسؤولية الوعي، فهناك أزمة مرتبطة باشتراك العديد من البرامج والصحف والمواقع في تزييف الوعي عبر التركيز على قضايا سطحية لمجرد أنها ترند على شبكات التواصل الاجتماعي وتحظى باهتمام شريحة من الجمهور.

وتدافع بعض الأصوات عن انزلاق الإعلام في مستنقع الفوضى الذي يضرب الشبكات الاجتماعية بأن “هذا ما يطلبه الجمهور”، مع أن التركيز على مثل هذه النوعية من القضايا ووضعها في صدارة الأجندة الإعلامية يكرسان تزييف الوعي ويجعل الجمهور مغيّبا عن الكثير من التحديات، وبعيدا عن النجاحات التي تقوم بها الحكومة.

وثمة منابر إعلامية مصرية تقوم بدور إيجابي في معركة الوعي، لكنها تتركز على القضايا الاجتماعية والأسرية وتتوه وسط الفوضى التي تضرب المنظومة برمتها، ما يتطلب وضع خطة إعلامية تتناسب مع تطلعات الجمهور وحجم التحديات بعيدا عن السطحية والتسفيه والصوت الواحد، لأن الصوت الثاني غالبا ما يكون متآمرا.

يصعب نجاح الإعلام في هذه المعركة طالما أن العديد من الوجوه الإعلامية نفسها، تقوم بتضليل الجمهور عن قصد أو جهل، والمشكلة قد لا ترتبط بالقيود وحدها ولا بالاصطفاف الإعلامي فقط، بقدر أن يكون ناقل الرسالة سواء المذيع أو الصحافي لديه من الفهم والوعي ما يجعله قادرا على التنوير وتعزيز التعددية وثراء الأفكار وتنوعها.

وأصبح هناك شبه اتفاق بين أغلب أبناء المهنة على أن أزمة الوعي طبيعية في ظل الافتقار إلى إنتاج محتوى جاد ورصين، واستمرار الاستقطاب الذي لا يخدم الحكومة ولا يُرضي الشارع، رغم وجود كفاءات تمت تنحيتها لصالح أهل الثقة، ما يعني أن المنظومة الإعلامية قادرة على التعافي، والعبرة بمدى توافر إرادة حكومية قوية قادرة على حُسن توظيف الإمكانيات والأدوات، إذا أرادت النجاح في معركة الوعي.

مصدر الخبر
العرب

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.