تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

واقع أوروبي قاتم

مصدر الصورة
عن الانترنيت

مفتاح شعيب

ترسم موجة الإضرابات والاحتجاجات واسعة النطاق التي تهز عدداً من الدول الأوروبية صورة قاتمة للقارة العجوز، تتطابق مع توقعات سابقة بأن عام 2023 سيكون قاسياً على التكتل الأوروبي الذي يشكو تصدعات متعددة المستويات. أما بريطانيا التي مرت عليها الذكرى الثالثة ل«بريكست» من دون احتفالات، فقد تبين أن تلك العملية كانت أشبه بالنزوة السياسية العابرة، سرعان ما اصطدمت بحقائق العالم المتغير ومفاجآته.

معظم الدول الأوروبية، وأكبرها فرنسا وبريطانيا، تشهد «تعبئات وطنية» ضد الحكومات، وقرر مئات آلاف العمال الدخول، دفعة واحدة، في إضرابات غير مسبوقة، احتجاجاً على ارتفاع الأسعار وتدني القوة الشرائية، فضلاً عن ضبابية الأوضاع السياسية في خضم تصاعد الحرب في أوكرانيا التي كانت السبب الجوهري في ما تعرفه أوروبا من أزمات وقلاقل، وصولاً إلى هذا الوضع الذي ينبئ بأزمة عميقة غير معروفة الأبعاد والحدود.

اتجاه الحالة في أوكرانيا إلى نزاع طويل الأمد بين روسيا والقوى الغربية بزعامة الولايات المتحدة، يقلص فسحة الأمل الأوروبية في تدارك التدهور المتفاقم على الصعد كافة، ويعجل بتقوية التيارات الشعبوية وقوى اليمين المتطرف التي بدأت تتمدد، مستفيدة من عجز الأحزاب الليبرالية المسيطرة على الحكم في الحد من الخسائر والأضرار الناجمة عن الأزمات المستشرية. ومن دون إسقاطات تاريخية، فإن ما تعرفه القارة الأوروبية من تقلبات سياسية واقتصادية واجتماعية حادة، يشبه تقريباً ما عاشته تلك القارة بعد الحرب العالمية الأولى، وهو ما قاد إلى الحرب العالمية الثانية المدمرة. وما يدفع إلى الاقتناع بوجه الشبه بين الظرفين، أن الحرب اليوم باتت في قلب القارة، إثر الهجوم الروسي الذي يتفاعل ويستقطب مزيداً من السلاح والخطابات المتشددة، وكأن الجميع يتجهون إلى صدام فعلي، على الرغم من التطمينات العديدة التي تتمسك بالحذر.

تعدد الإضرابات وتواليها في المدن الأوروبية الكبرى، باتت جزءاً من واقع أوروبي يتغير، ويجد قرائنه في مشاهد الحياة اليومية وما يلهج به الناس من قلق ومخاوف على المستقبل، تؤكد جميعها أن التناقضات بلغت مستوى مثيراً للفزع، وأن انعدام الثقة تبدو جرعته أعلى من الاطمئنان إلى قدرة هذه الدول على سن الحلول العملية، لتجاوز هذه الظروف الصعبة. وما تواجهه الحكومات في بريطانيا وفرنسا وبلجيكا وإسبانيا وهولندا من غضب في الشوارع، يشير إلى أزمة طاغية، تتطلب إجراءات وتدابير غير تقليدية، لتهدئة المضربين عن العمل، وتأمين التهدئة الاجتماعية، لكن الخيارات تبدو محدودة، فالأوضاع الاقتصادية، وهي عصب الحياة والاستقرار، تواجه مطبات عنيفة، وتحديات غير مسبوقة، كان الخبراء وعلماء الاجتماع والسياسيون قد حذروا من مخاطرها منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، وحتى قبل ذلك بسنوات.

ما تشهده أوروبا من تقلبات وإضرابات يتصل بالمخاض الأليم لولادة العالم الجديد الذي بدأ يتشكل على الرغم من أنف من يعارضونه، ومن يتمسكون بالماضي، ويسعون إلى إسقاطه على المستقبل. وهذه المشكلة الكبرى لا يمكن حلها بإذكاء نيران الصراعات في أمكنة أخرى؛ بل بالنظرة الواقعية للأوضاع، وإحداث ثورة في العقلية الأوروبية تسمح للقارة العجوز باستيعاب الحقائق الجديدة، وإلا فإنها ستواجه مصيراً مجهولاً ربما لم تعرفه من قبل.

مصدر الخبر
الخليج الإماراتية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.