تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الشخصيات القوية تعيد الدراما السورية إلى ألقها في موسم 2023

مصدر الصورة
العرب

 نضال قوشحة

قدم الموسم الدرامي السوري الحالي ما يزيد عن العشرين مسلسلا تلفزيونيا في أشكال فنية مختلفة. بعضها حقق نجاحات ملحوظة، وبعضها الآخر لم يقدم ما كان منتظرا منه، بينما ظهرت فيه شخصيات قوية شكلت لها حضورا بارزا وحازت متابعة الجمهور لتحقق معدلات مشاهدة مرتفعة. ومن الملاحظ رغم كثرة التفاصيل التي يمكن الحديث عنها في الموسم الدرامي السوري الحالي، أن ثمة بعض الملامح العامة التي حضرت بقوة.

تحضر سمات عديدة في الموسم الدرامي السوري الأحدث، بعضها ظهر جليا في تفاصيل العديد من الأعمال وحضور النجوم، ومن الواضح أن عددا من هذه الأعمال ذهب في اتجاه التأسيس لمرحلة قادمة، تحمل الجديد والمثير والذي سيشكل منعطفا في تاريخها لكونه يحمل معنى المغامرة الإبداعية والإنتاجية.

انتهى العرض الرمضاني الأول للكثير من الأعمال وتكشفت مسارات حكايا المسلسلات، وعرفت تفاصيل الكثير منها، ولكن المؤشرات تؤكد على وجود حراك قوي عاد إلى المشهد الدرامي السوري بثقله الفني الكبير. ومن خلال العرض الأول لمعظم ما أنتج في الموسم الحالي فإنه باستطاعتنا إيجاد توثيق سريع لمجمل ما قدّم.

البطولة الفردية

صناع الدراما الشامية في المواسم الأخيرة قدموا المرأة القوية التي تتمتع بحضور لافت في بيتها وفي مجتمعها

من أهم ما يميز الموسم السوري الدرامي الأحدث، ظهور حالة النجم الواحد القوي الذي يشكل محور الحراك الدرامي والدافع الأساسي إلى سير الأحداث نحو الأمام، وتكون باقي الشخصيات مكملة له، بعضها قريب وقوي يشاركه أحيانا تحريك الأحداث ورسم ردود الأفعال، وبعض الشخصيات، بل معظمها تدور في فلك الشخصيات المحورية (البطل)، وهي التي يكون حضورها محصورا في ردود الفعل على تصرفاته، وينحصر دورها في تنفيذ ما يريد، بحيث توضح وجهة نظره أو تبين حالة شعورية أو نفسية لديه، سواء في الجانب الإيجابي أو السلبي.

 هذا النمط من الدراما كان وما زال موجودا في السينما العالمية والعربية وهو أمر يمكن تقبله فيهما، ولكن العمل عليه في مسلسل تلفزيوني مؤلف من ثلاثين حلقة يحمل مشاق هائلة في تأليف العمل أولا، ثم في تنفيذه، ومن ثم في تقبله لدى الجمهور. ورغم كل ذلك فإنه مرغوب من قبل بعض الجهات الإنتاجية خاصة عندما يكون مرتبطا بنجم فني عالي المستوى، لأنه يكون سهل الترويج التجاري ويحظى باستقبال جيد لدى القنوات العارضة سواء كعرض أول أو في عروض تالية.

المشكلة في هذا الشكل من التوجه الدرامي أنه يثير حالة من الحساسية الفنية في شريحة الممثلين تحديدا. فعندما تقدم تجربة لأحدهم في هذا الشكل –بطل أو بطلة- وتحقق النجاح المطلوب فإن ذلك سيفرض على ممثلين آخرين خوض تجربة مماثلة في أعمال جديدة وبنفس الشروط، وهذا يمنع في المستقبل وجود نجمين أو أكثر في عمل واحد، بحيث سيكون التنافس من خلال أعمال كاملة. ويكون لكل نجم عمله الذي يقوم أساسا على وجوده.

 

الأعمال التي تقوم على وجود البطل الواحد القوي المتشكل في إطار دراما التشويق والإثارة لها محبوها ومشاكلها

الأعمال التي تقوم على وجود البطل الواحد القوي المتشكل في إطار دراما التشويق والإثارة لها محبوها ومشاكلها

 

 في الموسم الأحدث ظهرت أعمال على هذا الشكل، ربما لم يكن الظهور فيه متعمدا، لكن الأكيد أنه ظهر وبدأ يترسخ. أهم مسلسل تمكن الإشارة إليه في هذا الاتجاه هو المسلسل الناجح “الزند” تأليف عمر أبوسعدة وإخراج سامر برقاوي وأدى دور البطل “عاصي” تيم حسن، وكانت هذه الشخصية محور المسلسل كله، بل إنه سمي باسمها “الزند ذئب العاصي”.

وهنالك مسلسل “العربجي” تأليف عثمان جحى ومؤيد النابلسي وإخراج سيف الدين سبيعي. وقد قدم شخصية “عبدو العربجي” باسم ياخور، البطل الذي تدور كل قصص المسلسل حوله في ردود أفعاله وعما سيقوم به ومقاومته لقوى الظلم والمخاطر التي أحاطت به والأعداء الذين يتربصون به والمصير الفجائعي الذي يتهدده دائما.

كذلك ظهر مسلسل “خريف عمر” تأليف ورشة كتابة يزن مرتجى وحسام شراباتي ويارا جروج ولمى عبدالمجيد، وإخراج المثنى صبح، فشخصية المحامي “عمر” (سلوم حداد) تظهر على شكل بطل اتخذ قرارا منفردا بتحقيق العدالة بيده حتى لو كان من خلال دخول متاهة العنف والجريمة، فيظهر في شكل بطل خارق يقوم بسلسلة من الجرائم التي يلاحقه في الكشف عنها أشخاص وقوى أمنية كاملة.

مسلسل رابع جاء في السياق ذاته وهو “مقابلة مع السيد آدم” تأليف وإخراج فادي سليم وبطولة غسان مسعود الذي قدم شخصية “آدم الطبيب” الذي تقتل ابنته فيقرر أن يواجه قوى الشر بالأسلوب ذاته الذي تعمل به، فيدخل عوالم الجريمة ويصير شخصية بطلة يقاوم عالم الجريمة بالجريمة ويكون معظم مَن حوله مِن الشخصيات مجرد ردود أفعال بدرجات متفاوتة.

ويحضر مسلسل “كانون” الذي أنتج ولم يعرض بعد وهو من تأليف علاء مهنا وإخراج إياد نحاس، والذي يقدم شخصية الشاب “كانون” الذي تعرض لظلم مجتمعي في بداية حياته، لكنه عندما شب وصار قويا أراد أن يصلح المجتمع الذي حوله بأعمال بطولية خارقة، متحديا الظروف الصعبة التي تحيط به وبيئته البسيطة.

كل هذه الأعمال تقوم على مبدأ وجود حالة البطل الواحد القوي المتشكل في إطار دراما التشويق والإثارة. وهي بعددها –خمسة أعمال- تقارب ربع إنتاج الموسم الحالي، وهي نسبة عالية وواضحة الحضور في المشهد الدرامي السوري ويبدو أنها ستشكل ظاهرة للمواسم القادمة لظروف فنية وإنتاجية مواتية.

البيئة الشامية والمرأة

 

نساء مختلفات عن المألوف

نساء مختلفات عن المألوفنساء مختلفات عن المألوف

 

كثيرا ما وجهت لأعمال البيئة الشامية انتقادات عنيفة ومحقة، بأنها أظهرت المرأة في حيز ضيق من الوجود الاجتماعي، بحيث اختصرت حياتها بأعمال البيت والأولاد وإطاعة أمر الرجل دائما على مبدأ “حاضر ابن عمي”. لكن صناع الدراما الشامية في المواسم الأخيرة قدموا المرأة القوية التي تتمتع بحضور لافت، ليس في بيتها فحسب بل في مجتمعها أيضا.

وقبل سنوات ظهرت شخصية “أم جوزيف” في مسلسل باب الحارة أدتها بقوة منى واصف، وتبعتها شخصيات عديدة، لكن الموسم الحالي حفل بتقديم مجموعة من الشخصيات التي حملت ملامح المرأة التي تكمل حضور الرجل في المجتمع بشكل مساو بل ومتفوق عليه أحيانا.

وظهرت شخصية “جواهر” (سوزان نجم الدين) التي تريد الانتقام لوالدها من أهل حيه، فتضع خطط الشر للإطاحة بزعامات الحي وإعلاء شأن شقيقيها. وهي تمتلك دورا فاعلا في المسلسل وتكون صاحبة حضور قوي فيه، ظهرت فيه المرأة وهي تقود رجلين وأتباعهما لصناعة مصائر حي بأهله وناسه.

 كذلك شخصية “درية” (نادين الخوري) في مسلسل “العربجي”، المرأة الطاغية المليئة بالقوة والجبروت الذي تمارسه حتى على ولديها، والتي تقف عائقا قويا في وجه تغول أحد أبناء عمومتها -“أبوحمزة” (سلوم حداد)- لكسب زعامة الحي  وتقوم بتحريك أعمال تجارة الحبوب وتعقد الصفقات حتى مع أعلى سلطات البلاد حينها.

 كما ظهرت شخصية “الداية بدور” (ديمة قندلفت) في مسلسل “العربجي”، والتي تدخل في فوضى الأحداث العاصفة في حيها وتكون شخصية طاغية لها حضور متميز توصل الشخصية البطل إلى حبل المشنقة بحكم قضائي رسمي، كما تؤثر في الآخرين بشكل قوي وترسم إلى حد بعيد مصائرهم بحضور نسوي لافت.

المشهدية البصرية

المسلسلات أثبتت اعتناء المخرجين بالحالة البصرية الغنية التي تقدم جماليات أقرب إلى روح السينما وتحمل لغة بصرية دلالية

ظهر جليا في الموسم الدرامي السوري الحالي اعتناء المخرجين بالحالة البصرية الغنية التي تقدم جماليات أقرب إلى روح السينما وتحمل لغة بصرية دلالية. وهو الأمر الذي سبقت إليه الدراما في مصر وصار لازمة فيها.

 مسلسل “الزند” قدم حالة بصرية عالية المستوى. وكان لوجود مدير التصوير البولوني الشهير زبيجنيف ريبشنسكي دور حاسم في كسب حالة مشهدية راقية، خدمتها أجواء العمل المليء بالأمكنة الطبيعية التي تحتاج جهدا كبيرا في تنسيق قطع الديكور والإكسسوارات والملابس والمكياج مع حرفية عالية من المخرج في إدارة كل ذلك، لتكون النتيجة لغة بصرية عالية النبض السينمائي في مسلسل تلفزيوني طويل.

كذلك حضرت البنية البصرية المتقدمة في مسلسل “مربى العز”، فما قدمته المخرجة رشا شربتجي مع مدير التصوير نزار واوية كان عاملا حاسما في خلق أجواء ناجحة في العمل عززت حالة الاختلاف عما قدم سابقا في الدراما الشامية وسارت فيه خطوات إلى الأمام، وكان التشكيل البصري في الكثير من المشاهد حاملا لمواصفات غنية.

وكعادته عمل المخرج محمد عبدالعزيز الآتي من السينما على تنفيذ عمله بروح سينمائية فقدم لقطات فنية صعبة بذل فيها مدير التصوير كمال بونصار جهدا متميزا ووجدت في العمل لغة تلفزيونية متطورة أغنت الحالة المشهدية للصورة وزادت حرارة العمل لهبا وجمالا. ويبدو أن مسألة تطوير أدوات التصوير والتقدم باللغة البصرية ستكون أحد ملامح الدراما السورية القادمة بقوة.

الوجوه الشابة

 

حضور شبابي بارز

حضور شبابي بارز

 

في كل موسم تحضر شخصيات درامية بقوة، تكرس قامات فنية كبيرة، كما في شخصية “عاصي” (تيم حسن) و”إدريس” (فايز قزق) و”الشيخ مالك” (عباس النوري) و”درية خانم” (نادين) و”أبوحمزة” (سلوم حداد) في “العربجي”، و”آدم” (غسان مسعود) في “مقابلة مع السيد آدم”، وغيرها.

 كما توجد في كل موسم شخصيات شابة تفرض وجودها الطاغي في الشخصيات التي تؤديها باقتدار.

 في الموسم الحالي ظهرت عدة شخصيات شابة شكلت حالة متفردة تميزت بالقوة. فشخصية “نورس باشا” (أنس طيارة) في مسلسل “الزند” كانت مدهشة، كذلك “شمس” (رهام قصار) التي قدمت دورا كبيرا في ظهور صعب يحمل تغيرات نفسية كبيرة اجتازتها بنجاح.

 وقدم مجد فضة دورا مميزا في شخصية “صالح”، كما قدم كرم شنان المتخرج الحديث من المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق شخصية “حسيسون” بكثير من العفوية والصدق، حيث تركت أثرا بالغا لدى الجمهور.

وظهرت شخصيات أخرى في العديد من المسلسلات التي تؤكد أن طاقات الشباب في التمثيل تعد بالكثير من التميز.

مصدر الخبر
العرب

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.