تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

القواعد الجديدة للديون والإنفاق تقسم الدول الأوروبية

مصدر الصورة
وكالات

يشهد الاتحاد الأوروبي حالة انقسام كبيرة، حيث انقسمت دوله إلى معسكرين جراء القواعد الجديدة للديون والإنفاق التي من المتوقع أن تشهد تعديلا يهدف إلى توفير مساحة أوسع  لتحديث الاقتصادات الأوروبية. ويعتقد البعض أن من شأن هذه القواعد أن تدفع باتجاه تعزيز النمو. وتخشى ألمانيا، وآخرون، أن يؤدي وجود نظام أكثر مرونة إلى زيادة نسبة العجز، وارتفاع الدين العام للدول الأعضاء المثقلة بعبء الديون. 

وقد دفعت الأزمات الأخيرة دول الاتحاد الأوروبي، حتى “المقتصدة” منها مثل ألمانيا وهولندا، إلى تحميل نفسها قسطا كبيرا من الدين العام، وهو ما أدى إلى ظهور دعوات إلى الإصلاح. وجرى تعليق قواعد الديون والعجز الصارمة الخاصة بالاتحاد، والمعروفة باسم “ميثاق الاستقرار والنمو”، مؤقتا بسبب وباء كوفيد – 19، وتمديد التعليق في ظل ارتفاع أسعار الطاقة، إثر تداعيات حرب روسيا على أوكرانيا.

ومن المقرر العودة إلى تطبيق القواعد القديمة مجددا بداية من عام 2024. ورغم ذلك، اقترحت المفوضية الأوروبية منح الدول الأعضاء، المثقلة بالديون، المزيد من المرونة لخفض الديون ونسبة العجز لديها. وبحسب قواعد الإنفاق الحالية للاتحاد الأوروبي، لا يجب أن تتجاوز نسبة العجز في المالية العامة 3 في المئة من إجمالي الناتج المحلي لأي دولة، وأن تظل نسبة الدين العام دون 60 في المئة.

وفي ظل هذه القواعد، يتعين على الدول تسديد 5 في المئة من الديون سنويا حال تجاوزها عتبة 60 في المئة، وهو أمر مدمر للنمو في الدول المثقلة بالديون. وتعود هذه القواعد لتسعينيات القرن الماضي، وغالبا ما كان يتم تجاهلها حتى قبل تفشي وباء كورونا. وكان من المقرر تعديلها قبل ذلك الحين. ومن شأن مقترح التعديل الحالي الحفاظ على الهدف السابق بالحد من الديون، ولكن مع توفير المزيد من المرونة في ما يتعلق بقواعد خفض الديون الخاصة بكل دولة.

سيجريد كاج: نحن منبهرون للغاية بالمقترح ولا بد من خفض موثوق للديون

 

وتتباين المواقف بشكل كبير إزاء قواعد الديون والمقترحات الجديدة بين الدول الأعضاء، إذ تريد دول الشمال “المقتصدة”، وبينها ألمانيا، الإبقاء على القواعد الصارمة، في حين تقول دول جنوب الاتحاد الأوروبي، مثل إيطاليا، إن هذه القواعد تحد من قدرتها على الاستثمار.

وارتفعت ديون دول الاتحاد بشكل كبير خلال الأعوام الخمسة عشر الماضية. ويسعى التكتل إلى اتفاق في هذا الشأن بنهاية العام الجاري. وتخشى ألمانيا، وهي مدافع قوي عن الانضباط المالي، أن يؤدي الإصلاح إلى إفراط في تخفيف قيود موازنة التكتل، وأيضا تقويض العدالة. وقد انتقد وزير المالية الألماني كريستيان ليندنر التعديلات المقترحة.

وفي إشارة إلى إصلاح القواعد المالية للاتحاد الأوروبي، قال نائب رئيسة المفوضية الأوروبية فالديس دوموبروفيسكس “نعيش في عالم يختلف للغاية عن 30 عاما مضت.. تحديات وأولويات مختلفة”، مضيفا أن القواعد الجديدة يجب عليها أن تعكس هذه التغيرات.

وبدا أن المفوضية تحاول إرضاء ألمانيا بمقترح مفاده أنه يتعين على الدول الأعضاء خفض نسبة العجز لديها بواقع 0.5 في المئة سنويا إذا ما تجاوز العجز 3 في المئة، وقال وزير المالية الفرنسي برونو لو مير نهاية أبريل الماضي “ثمة نقاط بعينها تناقض روح الإصلاح… نحن ضد القواعد الآلية الموحدة لخفض نسبة العجز والديون”.

وتنص الحلول التوافقية التي اقترحتها المفوضية الأوروبية على “بند عام للهروب” حال وقوع أزمة اقتصادية حادة. وأعرب وزير مالية بلجيكا فينسنت فان بيتيجيم عن ترحيبه الشديد بالاقتراح، خاصة النهج الخاص بكل دولة، والذي تنص عليه القواعد الجديدة. وقال إن خفض الديون مع التركيز على الاستثمارات والإصلاحات أمر جوهري.

وتريد الحكومة البليجيكة الحالية تحقيق تحسن وخفض نسبة العجز إلى 2.9 في المئة بحلول عام 2026، وتهدف إلى خفض النسبة بواقع 0.8 في المئة سنويا في الفترة بين عامي 2024 و2026. وأوضحت وزيرة المالية الهولندية سيجريد كاج أن بلادها “منبهرة للغاية” بالمقترح، لكنها شددت في الوقت نفسه على أهمية “خفض موثوق للديون” وعلى وجود إشراف، مضيفة “الشيطان يكمن دوما في التفاصيل”.

ومن المقرر أن تتولى إسبانيا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي في الأول من يوليو المقبل ولمدة ستة أشهر، وهي ترحب بالنهج الخاص بكل دولة. وقالت وزيرة المالية الإسبانية ناديا كالفينو، والتي من المقرر أن تشرف على المفاوضات بشأن القواعد الجديدة خلال النصف الثاني من العام، إنها ستبذل “كل ممكن” للتوصل إلى موافقة على القواعد المالية هذا العام.

وفي الوقت نفسه، ثمة خلاف بين بروكسل ومدريد بشأن توقعات نسبة العجز في إسبانيا، فقد قدرت الحكومة الإسبانية خفض نسبة العجز لديها إلى 4 في المئة في عام 2024، وفقا للقواعد المالية للاتحاد الأوروبي التي ستطبق العام المقبل. ولكن تقديرات المفوضية تشير إلى نسبة عجز في إسبانبا بواقع 3.3 في المئة في 2024.

أما في إيطاليا، فقد رحب وزير الاقتصاد جيانكارلو جيورجيتي بمقترح الإصلاح التشريعي الذي قدمته المفوضية الأوروبية، ووصفه بأنه “خطوة إلى الأمام” من شأنها أن تحول دون إمكانية العودة إلى الميثاق القديم.

كريستين لاغراد: الاختلافات والخلافات بين الدول "الأعضاء" لأنها تواجه تحديات متباينة

ورغم هذا، لم يخف جيورجيتي خيبة أمله إزاء إخفاق ما يطلق عليه “القاعدة الذهبية”، والتي كان من شأنها أن تسمح باقتطاع استثمارات إستراتيجية من الحسابات. وقال جيورجيتي “لقد طالبنا، وبقوة، باستبعاد الإنفاق الاستثماري، بما يشمل النفقات المعتادة ضمن خطة التعافي الوطني، من حسابات النفقات المستهدفة التي يتم على أساسها قياس الامتثال للمعايير”.

واستنادا للمحاكاة الفنية التي يجري تداولها في بروكسل، من شأن تعديل الحسابات الإيطالية أن يؤدي إلى خفض العجز الهيكلي بنسبة 0.85 في المئة سنويا حال وجود خطة لمدة أربع سنوات، وبمتوسط 0.45 في المئة على أساس خطة مدتها سبع سنوات. وإيطاليا هي الدولة الوحيدة التي لم تصدق على آلية الاستقرار المالي، ويعتقد أنها تحاول أن تربط التصديق عليها بنتائج المفاوضات على “ميثاق الاستقرار والنمو”.

ويرى وزير مالية رومانيا أدريان كتشيو أن حزمة الإصلاح يجب أن تحقق التوازن بين “الاستدامة (مالية عامة سليمة) والنمو الاقتصادي الشامل والمستدام (احتياجات الإصلاح والاستثمار)”. وأضاف كتشيو أن الإطار الجديد يتعين أن يؤدي إلى ظروف كافية لتحفيز الاستثمار في الدول الأعضاء التي تعاني من صعوبات اقتصادية، أو عدم استقرار النطاق المالي.

ووصلت ديون إيطاليا اليوم إلى 144.4 في المئة من إجمالي الناتج المحلي للبلاد، في حين يتوقع أن يصل عبء الديون في بلجيكا إلى 106 في المئة بنهاية العام الحالي، وتتجاوز النسبتان بكثير السقف الذي حدده الاتحاد الأوروبي بواقع 60 في المئة. وقد رحب البنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي بمقترحات المفوضية الأوروبية لإصلاح القواعد المالية للاتحاد الأوروبي من أجل دفع عجلة النمو، ودعا الصندوق إلى المزيد من التحرك.

وقالت رئيس البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغراد الشهر الماضي إن البنك يقدر “جهود المفوضية التي تهدف إلى الوصول إلى حل وسط مع عدد من الدول الأعضاء، فذلك ليس بالأمر المؤكد بالنظر إلى عدم التوازن الذي تنطوي عليه الوثائق”. وأشارت لاغراد إلى “الاختلافات والخلافات بين الدول (الأعضاء) لأنها تواجه تحديات متباينة”. وقد يتمكن الاتحاد الأوروبي من إصلاح “ميثاق الاستقرار والنمو” بحلول نهاية العام الجاري، فما من أحد يريد العودة إلى الأحكام القديمة، أو أن يبعث للأسواق برسالة غموض بشأن القواعد المالية الأوروبية.

مصدر الخبر
العرب

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.