تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

العرب: العقلية المجتمعية تعوق محاربة زواج القاصرات في الأردن

مصدر الصورة
العرب

يعتبر تزويج القاصرات عادة متجذرة في المجتمع الأردني، ورغم التوعية المستمرة ومطالب منظمات المجتمع بمحاربة هذه الظاهرة وإقرار القوانين التي تجرمها إلا أن الأصوات المتمسكة بالعرف والتقاليد تعوق إنهاء الظاهرة.

عماّن - "يربيها على يديه" العبارة الشهيرة التي تبرر تزويج القاصرات في المجتمع الأردني، والتي دفعت نائبا في البرلمان للتقدم بطلب للزواج من طفلة تبلغ من العمر 15 عاماً بعد موافقة عائلتها.

وكشف قاضي القضاة الشيخ عبدالحافظ الربطة، خلال مؤتمر صحفي عُقد في مبنى دائرة قاضي القضاة في مارس الماضي، أنّ النائب الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه توجّه لدائرة قاضي القضاة للزواج من طفلة تبلغ من العمر 15 عامًا وبموافقة والديها، لافتاً إلى أن مطلبه أن قُوبل بالرفض.

وأكد أنّ الدائرة رفضت تزويجهما بحكم أنّ الطفلة قاصر، فضلاً عن فارق السن بينهما، حيث تمنع الدائرة الزواج بهذا الفارق في السن، إلا بعد بلوغ الأنثى عمر الثامنة عشرة، علماً بأنه لم يذكر فارق السن بين النائب والطفلة.

ورغم أن قاضي القضاة رفض هذا الزواج، إلا أن الكثير من الحالات الأخرى لزواج القاصرات مازالت تتم إما برضا القانون أو بالتحايل عليه بطرق مختلفة.

ويندّد الكثير من الأردنيين بانتشار ظاهرة زواج القاصرات وتكالب بعض الأولياء على المال مقابل بيع بناتهم، لكنها ماتزال ظاهرة مستشرية ومقبولة مجتمعيا لدى الكثير من الأهالي لذلك تحتاج إلى الكثير من الجهود من المجتمع المدني والقانون للحد منها.

ووفق ما يؤكّده بعض الحقوقيين في الأردن، فإنّ عدد زواج القاصرات يقدّر بـ10 آلاف، وكشف التقرير السنوي الصادر عن دائرة قاضي القضاة لعام 2022، في الأردن، عن زواج 5824 طفلة عام 2021 دون سن 18 عاماً.

الخلل الأول في الزواج المبكر يعود إلى القوانين والتشريعات التي تسمح بزواج القاصرات في الأردن

وتعتبر الأوضاع الاقتصادية من أكثر الأسباب التي تقف وراء العزوف عن الزواج، حيث كانت الآثار السلبية التي تركتها جائحة كورونا وخاصة الآثار طويلة الأمد، وراء انخفاض عقود الزواج، وكذلك الفقر والبطالة، والتغيرات الديمغرافية، والاجتماعية من جهة أخرى.

وأظهر التقرير أنّ المملكة تشهد يومياً تسجيلَ 213 عقدَ زواج، من ضمنها 29 حالةً لزواج مبكر (15 – 18 عاماً)، كما يشهد تسجيل 71 حالة طلاق، من بينها 15 حالة طلاق مبكر.

وحدّد القانون الأردني، عمر 15 عاماً كحدٍّ أقصى لفارق العمر بين الخاطب والمخطوبة، وذلك بعد مطالبات عديدة من منظمات دولية للبرلمان الأردني بمنع زواج الأطفال منعا تاماً، وقالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” المدافعة عن حقوق الإنسان، إنه “ينبغي للأردن انتهاز الفرصة لمنع زواج الأطفال وتطبيق الحد الأدنى لسن الزواج بـ18 عاما دون استثناء”.

وقال مايكل بَيْج، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في “هيومن رايتس ووتش” إن “زواج الأطفال يسلب طفولة الفتيات ويعرض صحتهن وتعليمهن للخطر. على البرلمان انتهاز هذه الفرصة لوقف هذه الممارسة التعسفية”.

غير أنّ الإحصاءات تؤكد وجود 220 عقد زواج تجاوز فارق العمر فيها 17 عاماً.

تجريم ضروري

تفرض دائرة قاضي القضاة منذ عام 2018 تعليماتٍ محددة ومقيدة لتزويج مَن هم دون الـ18 عاماً، إذ تجيز زواج من أكمل 15 ولم يُكمل 18، لضرورةٍ تقتضيها المصلحة.

وفي عام 2019 تم تعديل قانون الأحوال الشخصية ليسمح بزواج الفتيات في سن الـ16 عاما إذا كان الزواج “ضرورة” تقتضيها المصلحة بشرط موافقة قاضي القضاة، وتوفر الرضا والاختيار.

وبموجب المادة 10 من قانون الأحوال الشخصية الحالي، السن الأدنى للزواج هو 18 عاما، لكن بإمكان قضاة المحكمة الشرعية استثناء بعض “الحالات الخاصة” للأطفال بين 15 و18 عاما إذا كان “الزواج ضرورة تقتضيها المصلحة، ويكتسب من تزوّج وفق ذلك أهلية كاملة في كل ما له علاقة بالزواج…”.

حمادة أبونجمة: زواج القاصرات يحرمهن من طفولتهن ويشكل تهديدا لحياتهن وصحتهن بدنيا ونفسيا

وتشترط دائرة قاضي القضاة أن يكون الخاطب كفؤاً للمخطوبة، وأن يتحقّق القاضي من الرضا والاختيار التامَّين، ويتوجب على المحكمة التأكد من الضرورة التي تقتضيها المصلحة، وما تتضمنه من تحقيق منفعة، أو درء لمفسدة، وبما تراه مناسباً من وسائل التحقق، على ألا يتجاوز فارق السن بين الطرفين 15 عاماً.

لكن على أرض الواقع، كثيرا ما يتم هذا الزواج دون توثيق، وأحيانا بتزوير السن الحقيقي للفتاة.

وتنشط العديد من المنظمات والجمعيات النسوية في الأردن ضد زواج القاصرات وينظمن حملات متواصلة للحد منه. بينما تذهب بعض هذه الجمعيات إلى المطالبة بتضمين زواج القاصرات ضمن قانون الاتجار بالبشر.

وفي الوقت الذي يرى فيه البعض أن هذا التجريم ضروري في ظل زيادة الأعداد في الأردن، يجد آخرون أن هناك ضرورة شرعية تبيح الزواج قبل بلوغ السن القانونية وفقًا للمحددات الموضوعة.

وتطالب بعض مؤسسات المجتمع المدني باعتبار زواج القاصرات دون الـ15 عاما من ضمن تهم الاتجار بالبشر.

ودعت جمعية “تضامن النساء” الأردنية إلى تجريم أشكال جديدة من الاتجار بالبشر كزواج القاصرات دون الـ15 عامًا، والتي تتم دون توثيق لمخالفتها لقانون الأحوال الشخصية الأردني.

وبحسب الجمعية، فإن عدم وجود نص في قوانين الأحوال الشخصية النافذة في الأردن لتحديد سن أدنى للخطبة، يساهم في زيادة حالات الزواج والطلاق المبكرين، ويفتح الباب على مصراعيه أمام استمرار حالات الزواج المبكر والقسري.

وأكدت أن ذلك يشكل حرماناً للفتيات من حقهن في رسم مستقبلهن، ويهدد فرصهن بالتعليم والعمل، ويحرمهن من التمتع بطفولتهن وحقوقهن، ويعرضهن لمحنة الطلاق المبكر وفي الكثير من الحالات مع وجود أطفال.

واعتبر حمادة أبونجمة، الخبير القانوني الدولي ورئيس بيت العمال الأردني، أن زواج القاصرات يحرمهن من طفولتهن وعزلهن عن العائلة والأصدقاء والحياة الاجتماعية الطبيعية التي تناسب طفولتهن، ويشكل تهديدا لحياتهن وصحتهن بدنيا ونفسيا، ويعرضهن للعنف الأسري ويرسخ المعايير الاجتماعية المسيئة للنساء والمؤيدة لضرب الزوجات وتعنيفهن، ويحرمهن من حق التعليم، إضافة إلى احتمالات أخطار مضاعفات فترة الحمل والولادة، فضلاً عن تفاقم ظاهرة الأمهات الأطفال، وكذلك تعرضهن للطلاق المبكر.

ظاهرة مقبولة مجتمعيا

ويرى البعض أن هذه الوقائع تستوجب اعتبار مثل هذه الحالات من الزواج شكلا من أشكال الإتجار بالبشر، الذي يمثل الاستغلال أحد أهم عناصره وفق ما ينص عليه بروتوكول الأمم المتحدة لمكافحة الإتجار بالبشر، باعتبار الظروف التي يمكن أن تحيط بهذا الزواج والتي تشمل الإساءة والعنف، كونه يشكل زواجا قسريا، لا تملك فيه الفتاة وهي في سن الطفولة قرارها ولا تتوفر لها أيّ خيارات للرفض.

ويطالب الحقوقيون بعدم وضع استثناءات لتزويج الفتيات تحت السن القانوني وهو سن الـ18 عاما، وفي عدد من المحافل المحلية والدولية كرروا رفضهم” لتزويج القاصرات”، وقالت المستشارة القانونية نور الإمام إن تزويج القاصرات يعد “انتهاكا صارخا لإنسانيتهن وطفولتهن “، ويعرضهن لمشاكل صحية جسدية ونفسية، مشيرة الى أن عددا كبيراً من القاصرات اللواتي تزوجن في سن مبكر “حرمن من فرص التعليم والعمل اللائق لاحقا”.

وأشارت الإمام الى أن تزويج القاصر يدفع بشكل كبير إلى ارتفاع نسبة التفكك الأسري في المجتمع، وقالت إن معظم الفتيات القاصرات يلجأن” إلى الطلاق للهروب من واقعهن المظلم” حيث تشير الأرقام الرسمية إلى أن الأردن يشهد يوميا 71 حالة طلاق من بينها 15 حالة طلاق مبكر وفقا لدراسة أجرتها دائرة قاضي القضاة عام 2017 .

ويصف عدد من الحقوقيين في الأردن قانون الأحوال الشخصية بأنه “أكثر التشريعات تمييزا ضد النساء”.

ويرى خبراء أن الخلل الأول في الزواج المبكر، يعود إلى القوانين والتشريعات التي تسمح بزواج القاصرات، أو زواج رجل من فتاة بوجود فارق عمري يصل إلى خمسة عشر عاما. غير أن المسؤولية الأكبر تقع على عاتق عائلة الفتاة التي توافق على الزواج، من أجل التخلص من “همّ البنت”، وهي عادة متجذرة في المجتمع ويجب تغييرها.

ولا يمكن تجاهل أن العقلية المجتمعية المؤيدة لهذا الزواج من أبرز المعوقات للتوعية، فوجود نائب في البرلمان الأردني يلجأ إلى هذا الزواج خير مثال على مدى تجذر هذه العقلية، بينما من المفترض أن يكون من أبرز المناهضين لزواج القاصرات.

ويستند عدد كبير من المؤيدين للزواج المبكر في الأردن إلى “الشرع الإسلامي” والعرف الدارج في المجتمع كما يزعمون، وفي بعض الأحيان يعتبرون الزواج المبكر أحد الأعراف المجتمعية التي دونها قد يتزعزع تماسك المجتمع، وتحاول الكثير من الأسر الاستناد إلى أمثلة من التاريخ الديني، والخوف من العنوسة، لكن الحقيقة أن ذلك مرتبط بالثقافة المجتمعية سواء لدى أهل العريس الذين يقبلون بزواج فتيات صغيرات، أو عائلة الفتاة نفسها، التي لا ترى بذلك ضرراً.

قيم تحكم المجتمع

وهاجم صالح العرموطي النائب في البرلمان الأردني “ما تروّج له منظمات المجتمع المدني وما يطالب به الحقوقيين بعدم السماح للزواج لمن بلغ سن الـ16 عاما، مشيراً خلال إحدى جلسات مجلس الأمة إلى وجود 25 ولاية أميركية تزوج دون سن الـ18 عاما.

وقال العرموطي بلسان التحذير للحقوقيين ومنظمات المجتمع المدني من خطورة “المساس بالمجتمع الأردني وقيمه الإسلامية وأعرافه المجتمعية” التي تحكم حياة المجتمع وتضبطها.

وأظهر بحث أجرته “هيومن رايتس ووتش” في بلدان حول العالم أن زواج الأطفال يحرم الفتيات من التعليم، ويعرضهن لمخاطر صحية شديدة، ويعمّق الفقر ويزيد من تعرضهن لخطر العنف الأسري.

وتدعم “لجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل” اعتماد سن أدنى عالمي للزواج بـ18 عاما، دون استثناء.

ويلتزم الأردن بموجب “اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة”، كونه طرفا فيها، بإنهاء التمييز ضد المرأة في القانون. فأثناء استعراض تنفيذ الأردن للاتفاقية في 2017، أشارت لجنة الاستعراض إلى قلقها بشأن “الاستمرار في تطبيق الأحكام التمييزيّة الواردة في قانون الأحوال الشخصية في الأردن، ولاسيما السماح بتعدد الزوجات، وشرط حصول المرأة على موافقة وليّ أمرها لتتزوّج، بصرف النظر عن كونها راضية، والقيود المفروضة على حرية المرأة في التنقل وعلى حقها في العمل والطلاق”.

وبموجب اتفاقية حقوق الطفل، يلتزم الأردن بضمان أن تكون مصالح الطفل هي الاعتبار الرئيسي في جميع الإجراءات المتعلقة بالأطفال.

وقال بَيْج “قضايا الأحوال الشخصية من بين أهم القضايا التي تؤثر على حياة الأردنيين العاديين بشكل منتظم. على السلطات أن تضمن تكافؤ الفرص من خلال توفير حقوق متساوية للمرأة مع الرجل”.

مصدر الخبر
العرب

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.