تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

«جوائز» أميركية بالجملة للهند: استقطاب نيودلهي بوجه بكين ليس مضموناً

مصدر الصورة
وكالات

لطالما دأب القادة الأميركيون، وخاصة الليبراليون منهم، على تصوير الهند، على أنها شريك رئيس للولايات المتحدة، باعتبارها «الديموقراطية الأكبر في العالم»، مصرّين تاريخياً على إغداق الدعم عليها، ولا سيما عندما كان من الممكن أن يساهم هذا الأخير في «تجنيد» نيودلهي لمواجهة خصوم واشنطن. غير أن المفارقة أن رهانات الولايات المتحدة على استمالة الهند إلى محورها فشلت في جميع المرّات تقريباً، فيما لا يبدو، هذه المرّة أيضاً، أن «الامتيازات» الأميركية غير المسبوقة التي تُمنح لنيودلهي، ستنجح في تحويلها إلى «حصن» في وجه جارتها الآسيوية، بكين

 

تنبئ زيارة الدولة التي أجراها رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، إلى الولايات المتحدة في الأيام الأخيرة - والتي انتهت أول من أمس -، شكلاً ومضموناً، بأن واشنطن مصمّمة، أكثر من أيّ وقت مضى، على توثيق العلاقات مع نيودلهي، متجاهلةً بذلك الانتقادات التي يتعرّض لها مودي في الداخل الأميركي، حول «انتهاكات حقوق الإنسان»، «والممارسات القومية وغير الليبيرالية». وشهدت الزيارة، التي وصفتها بعض وسائل الإعلام بـ«التاريخية»، تعزيزاً للتعاون بين البلدَين - الذي كان يشهد ارتفاعاً أصلاً خلال السنوات الماضية -، في قطاعات مختلفة، مِن مِثل الدفاع وأشباه الموصلات والفضاء والرعاية الصحّية وغيرها، فيما نال اتّفاق تصنيع المحرّكات، الحصّة الأكبر من الاهتمام. فمع إعطاء الولايات المتحدة الضوء الأخضر لنقل تكنولوجيا من «جنرال إلكتريك»، لإنتاج محرّكات من نوع «إف 414»، بالتعاون مع شركة «هندوستان» لصناعات الطيران المملوكة من الدولة، أصبحت الهند واحدة من خمس دول، هي - إلى جانبها - الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وروسيا وفرنسا، قادرة على صنع محرّكات نفّاثة لقواتها الجوية المسلحة، علماً أن هذه التقنية، والتي لا تمتلكها الصين بعد، «ثمينة» للغاية بالنسبة إلى الولايات المتحدة، التي كانت تحرص، حتى الآن، على عدم مشاركتها مع حلفائها حتى، وفق ما تورده مجلة «ناشيونال إنترست». وبحسب العديد من المراقبين، فقد تمثّل هذه الصفقة بداية تعاون واعد في مجال الابتكار الدفاعي والتعاون التكنولوجي، في وقت تتطلّع فيه الولايات المتحدة إلى زيادة المبيعات العسكرية للهند، بينما تضغط الأخيرة في اتّجاه نقل التكنولوجيا إليها من أجل توطينها.

ولم تكن زيارة مودي عادية من حيث الشكل حتى؛ إذ من المعروف أن واشنطن لا تُوجّه دعوات «روتينية» إلى قادة العالم لإجراء زيارات دولة، كما أن إلقاء رئيس الوزراء الهندي كلمة أمام الكونغرس، هو، في العُرف الأميركي، بمثابة «شرف آخر»، نادراً ما يُمنح لكبار المسؤولين الأجانب. وعليه، ظَهر واضحاً أن واشنطن ستتجنّب، تحت أيّ ظرف، «التصادم» مع نيودلهي، وبالتالي تضييع فرصة توطيد علاقاتها مع خامس أكبر اقتصاد وثاني أكبر جيش في العالم، والدولة التي تضمّ كادراً كبيراً من العلماء والمهندسين ذوي التعليم العالي، جنباً إلى جنب ترسانة كبيرة من الأسلحة النووية؛ والأهمّ، الدولة التي لديها، على غرار الولايات المتحدة، «مخاوف» متزايدة إزاء الصين. فهل تؤدّي الظروف هذه المرّة إلى نجاح «التودّد» الأميركي في «استمالة» نيودلهي إلى صفّ واشنطن؟

في عام 1958، أعلن السناتور، جون كنيدي، بدعم من الحزبين، عن قرار بزيادة المساعدة الأميركية إلى الهند، بوصف الأخيرة «ديموقراطية وليدة في مواجهة التعدّي الشيوعي». وعقب ذلك، نمت المساعدة الأميركية بشكل كبير، من حوالي 400 مليون دولار في عام 1957، إلى مستوى قياسي بلغ 822 مليون دولار في عام 1960. إلا أن كنيدي، والرئيس الأميركي، وقتذاك، دوايت أيزنهاور، واللذين كانا يأملان في أن يؤدي «مدح» الهند إلى تحويلها إلى حليف، كانا «مخطئَين بشدة»، وفق ما تورد مجلة «فورين أفيرز» الأميركية. ففي عام 1954، أعلن رئيس الوزراء الهندي، جواهر لال نهرو، أن بلاده لن تنحاز إلى أيّ أحد في الحرب الباردة. وبعدما أصبح رئيساً، حاول كنيدي بدوره أن يتقرّب من الهند، من خلال ترتيب زيارة لنهرو إلى واشنطن عام 1961، فشلت هي الأخرى في إدخال رئيس الوزراء إلى «المدار الأميركي». وفي ما بعد، استمرّت نيودلهي في تخييب آمال الإدارات الأميركية المتعاقبة؛ فعلى سبيل المثال، في خطاب ألقاه عام 2010 أمام البرلمان الهندي، شدد الرئيس الأسبق، باراك أوباما، مراراً وتكراراً، على الرابط الفريد الذي يجمع بين «الديموقراطيتين القويتين»، داعماً بقوة جهود الهند للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي، إلا أنه حالياً، يعتبر المراقبون أنه من «حسن حظ» واشنطن أن محاولات أوباما فشلت. فمن عام 2014 حتى عام 2019، كانت 20 في المئة، فقط، من أصوات الهند مطابقة لأصوات الولايات المتحدة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بحسب «فورين أفيرز». وعلى رغم ذلك التاريخ الحافل بالخيبات، بات واضحاً أن إدارة بايدن الحالية لن تغيّر من نهجها، إذ تُواصل الدفع في اتّجاه توثيق العلاقات، مصرّةً على سردية «الديموقراطية» و«القيم المشتركة»، على الرغم من أن الصحف الأميركية تعجّ بانتقادات إزاء ما تقول إنّه «قمع» تمارسه حكومة مودي، وممارسات «قومية هندوسية تتعارض مع قيم الليبيرالية والديموقراطية في الداخل والخارج». أضف إلى ما تَقدّم، أن نيودلهي لا تزال عضواً فاعلاً في مجموعات على غرار «بريكس»، وهي تدعم موسكو، وتمتنع عن التصويت ضدّها في الأمم المتحدة، وبدلاً من الانخراط في القيود الاقتصادية عليها، فقد عمدت إلى رفع مشترياتها من الطاقة الروسية؛ ومع هذا، تَجنّب كبار مسؤولي إدارة بايدن، حتى الآن، انتقاد حكومة مودي علناً، محاولين دائماً إيجاد تبريرات لها.

رؤية هندية: لا يمكن «احتواء» الصين

حتى لو لم يقرّ المسؤولون الأميركيون والهنود بذلك علناً، ثمّة شبه إجماع بين المراقبين على أن «مغازلة» الولايات المتحدة للهند، أخيراً، سببها أن واشنطن بحاجة إلى تحويل نيودلهي إلى «حصن استراتيجي» في وجه بكين. وبالفعل، في خضمّ تصاعد التوترات بين الهند والصين، زاد تقارب الأولى من الولايات المتحدة والدول الأخرى الحليفة للغرب في منطقة «الهندي - الهادئ»، ما جعل البعض يفترض وجود «شهر عسل» بين نيودلهي وواشنطن. مثلاً، في عهد مودي، اشترت الهند كمية كبيرة من الأسلحة المتطورة من الولايات المتحدة، كما وقّعت ثلاث اتفاقيات دفاعية مهمة معها، وهي تنشط أيضاً في مجموعة «الحوار الأمني الرباعي». كذلك، يشير تقرير في مجلة «ريسبونسبل ستيتكرافت» الأميركية إلى أن التجارة بين البلدين وصلت، العام الماضي، إلى مستوى قياسي بلغ 191 مليار دولار، لتضْحي الولايات المتحدة أكبر شريك تجاري للهند. وفي شباط الماضي، أعلنت شركة «طيران الهند» عن صفقة شراء تاريخية لأكثر من 200 طائرة «بوينغ»، ستدعم ما يقدَّر بنحو مليون وظيفة في 44 ولاية أميركية.

في خضمّ تصاعد التوترات بين الهند والصين، زاد تقارب الأولى من الولايات المتحدة والدول الأخرى الحليفة للغرب في «الهندي - الهادئ»

ولكن حتى مع اتخاذ نيودلهي مثل هذه الخطوات غير المسبوقة، تبقى الفرص لإنشاء أي تحالف دفاعي رسمي مع واشنطن «ضئيلة» جداً. في السياق، تنقل مجلة «نيوزويك» الأميركية عن السفير الهندي السابق لدى الصين، أشوك كانثا، قوله، منتصف هذا الشهر، إنه «فيما نؤكد أن الهند والولايات المتحدة حليفان طبيعيان، فنحن لا نقصد بذلك أيّ تحالف عسكري». ويتابع أن صنّاع القرار الهنود توصّلوا، خلال فترة الحرب الباردة، إلى استنتاج مفاده أن الهند «لا يمكن أن تكون من أتباع أيّ من القوتَين العظميَين». بمعنى آخر، تستمرّ الهند في تبنّي سياسة «الحكم الذاتي الاستراتيجي»، حتى لو كانت نيودلهي ترى حالياً أن واشنطن هي شريك «أفضل» من بكين، بحسب المجلة؛ «لذا، وفي حين أن الهند بالتأكيد لا تميل إلى التحرّك نحو أيّ نوع من احتواء الصين، إذ نعتقد أنه لا يمكن احتواء دولة مثل الصين، ولسنا مهتمّين بالانفصال الاقتصادي عنها، فنحن نميل أكثر نحو استراتيجية التخلّص من المخاطر تجاهها، من خلال بناء الردع لحماية بلدنا من سلوك بكين المتهوّر، وتجنّب تكرار ما حدث على طول الحدود في القطاع الغربي في نيسان وأيار عام 2020»، على حدّ تعبير كانثا. بدوره، يرى وزير الخارجية الهندي، سوبرامانيام جايشانكار، وفق ما تنقل عنه صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، أنه يجب على الهند أن تستفيد «من أكبر عدد ممكن من الروابط»، قائلاً إنه في عالم متعدّد الأقطاب، ستسعى الهند إلى أن تكون «قطباً»، لا مجرّد شريك حصري لأيّ طرف.

إزاء ذلك، يوصي محلّلون الولايات المتحدة بتوخّي الحذر حول كيفية تعاملها مع الهند، معتبرين أنه يجب على الأولى أن تظلّ مدركة تماماً أن الرغبة الهندية في العمل معها أوجدتها «الظروف» التي يمكن أن تختفي بسرعة، لا «القناعة» أو «القيم المشتركة». وحول الصفقة الأخيرة، يتخوّف هؤلاء من أن واشنطن قد تستفيد من «جيش هندي أفضل على المدى القصير»، إلا أن صفقة «جنرال إلكتريك» يمكن أن تعزّز صناعة الدفاع المحلية في الهند لـ«عقود»، وهو ما قد يتعارض، على المدى الطويل، مع المصالح الأميركية.

مصدر الخبر
الأخبار اللبنانية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.