تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الغرب يرفع قميص «الجوعى» | انهيار اتفاق الحبوب: العالم أكثر قتامة

مصدر الصورة
وكالات

نتهت مهلة الثلاثة أشهر الأخيرة التي منحتها روسيا للدول الغربية، للبدء بتنفيذ التزاماتها بموجب اتفاق الحبوب، بإعلان موسكو، بداية هذا الأسبوع، وقف العمل بالاتفاق رسمياً. وجاء انسحابها هذه المرة مقروناً بتصعيد عسكري، وإصدار وزارة الدفاع إنذاراً عاجلاً و«حاسماً» للسفن المتّجهة نحو الموانئ الأوكرانية، بأنه سيتمّ التعامل معها، جميعها، على أنها تنقل «شحنات عسكرية» عبر البحر الأسود. ولا يزال الانسحاب الروسي يُقابَل بـ«تهويل» غربي حول نقص الغذاء في الدول الأكثر فقراً، علماً أن الأرقام الصادرة عن الأمم المتحدة تُفيد بأن الجزء الأكبر من الحبوب، إنّما «رسا» في الدول الأعلى دخلاً، لا الأكثر فقراً.

وبعد أيام من انسحاب روسيا رسمياً من الاتفاق، قالت وزارة الدفاع الروسية إنه بدءاً من منتصف ليل 20 تموز، سيتمّ التعامل مع جميع السفن المبحرة في البحر الأسود إلى الموانئ الأوكرانية، على أنها «تنقل معدّات عسكرية لقوات كييف». كما أعلنت الوزارة أن عدداً من المناطق، في الأجزاء الشمالية الغربية والجنوبية الشرقية من المياه الدولية للبحر الأسود، أصبحت «خطرة» على الملاحة مؤقّتاً، مشيرةً إلى أنه وفقاً للإجراءات المعمول بها، فقد تمّ إصدار تحذيرات إعلامية، تفيد بـ«سحب الضمانات الأمنية» من البحّارة المتّجهين إلى الموانئ الأوكرانية. واقترنت هذه التحذيرات مع إعلان أوكرانيا شنّ روسيا، ليل الأربعاء - الخميس، ضربات جديدة على مدن ساحلية في جنوب أوكرانيا، من بينها، لليلة الثالثة على التوالي، أوديسا، المدينة المرفئية على البحر الأسود. كما طاولت الضربات الروسية ميكولايف، وهي مدينة أخرى في الجنوب الأوكراني، وسط اتهامات غربية لروسيا بأنها «تهاجم منشآت تخزين الحبوب الأوكرانية».

الغضب «المبرَّر»
في تموز 2022، رتّبت الأمم المتحدة وتركيا اتفاقاً يتيح تصدير أوكرانيا للحبوب عبر البحر الأسود، من خلال السماح للسفن بالإبحار بأمان من موانئ يوجني وأوديسا وتشورنومورسك الأوكرانية إلى البوسفور، وضمان أن لا تتعرّض لأيّ هجوم. آنذاك، تمّ التوصل أيضاً إلى اتفاق منفصل، يهدف إلى تسهيل شحنات المواد الغذائية والأسمدة الروسية، وهو ما عمدت القوى الغربية إلى تجاهله باستمرار. وفي 31 تشرين الأول، انسحبت روسيا مؤقتاً من الاتفاقية الأولى، على خلفية ما قالت إنها «هجمات بطائرات مسيّرة» على أسطولها في البحر الأسود في سيفاستوبول. إلّا أنها سرعان ما عادت وانضمّت إليها في 2 تشرين الثاني، لمدّة 120 يوماً، ثمّ مدّدت مشاركتها ستين يوماً في آذار 2023، ووافقت على القيام بالمثل في أيار.
ولدى توقيع اتفاق الحبوب، كانت لروسيا خمسة مطالب رئيسة، تشمل إعادة ربط «البنك الزراعي الروسي» بنظام «سويفت» المالي العالمي، وتوريد قطع غيار اللازمة للزراعة الروسية، وإلغاء حظر لوجستيات النقل والتأمين، وإعادة إحياء خطّ أنابيب الأمونيا «تولياتي - أوديسا»، وإلغاء تجميد أصول الشركات الروسية. وقد أكدت وزارة الخارجية الروسية، في أيار، أنه في حال عدم الوفاء بهذه المطالب، فلن يكون هناك أيّ تمديد لمبادرة البحر الأسود، وسيتمّ وقف العمل بها، بعد 17 تموز. ومع ذلك، لم تتمّ تلبية أيّ من اشتراطات موسكو، لا بل إن الأخيرة اتّهمت كييف، الشهر الماضي، بتفجير خط «ولياتي - أوديسا» في منطقة خاركوف. أمّا على الضفة الأخرى، فكانت الحبوب تتدفّق من الموانئ الأوكرانية، وتعود بأرباح كبيرة على أوكرانيا، ليقدّر عدد من وسائل الإعلام الأميركية، مثلاً، حجم الخسائر التي ستترتّب على كييف، عقب انتهاء الاتفاق، بـ500 مليون دولار شهرياً.

غالبية صادرات الحبوب التي تمّ شحنها من موانئ البحر الأسود الأوكرانية لم تذهب إلى أفقر البلدان وأكثرها حاجة


بين «التهويل» والواقع
توحي التعليقات الغربية حول الانسحاب الروسي من اتفاق الحبوب، والتي اتّهمت بمعظمها روسيا بممارسة تصرّف «وحشي» سيؤدي إلى حرمان الدول الفقيرة من الغذاء، على غرار قول الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الإثنين، إنه يأسف بشدة لقرار روسيا الذي سيقطع «شريان الحياة» عن مئات الملايين «ممّن يعانون الجوع وارتفاع تكاليف الغذاء»، بأن معظم الغذاء الذي كان يخرج من الموانئ الأوكرانية كان يرسو في الدول الأكثر فقراً حول العالم، أو يتمّ استعماله في «البرامج الإنسانية» الهادفة إلى «القضاء على الفقر». إلّا أن الأرقام تشير إلى واقع مختلف تماماً؛ إذ إن جزءاً صغيراً من هذه الحبوب وصل إلى الدول التي هي في أمسّ الحاجة إليها. وفي هذا الإطار، ورد تقرير نشره «معهد ويلسون» الأميركي، بداية العام الجاري، أنه بالنظر إلى النتائج التي نجمت عن الاتفاق، يمكن الاستنتاج أنه «لم يكن مصمَّماً لإنقاذ المجتمعات المتضرّرة من النزاع في جميع أنحاء العالم، والتي لا تزال تعاني بأغلبها من نقص حادّ في الغذاء». وهذا ما يبرّر على الأرجح انتقادات روسيا المتكرّرة لآلية تنفيذ الصفقة، والتي جاء أقساها على لسان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الصيف الماضي، عندما اتّهم الدول الغربية بـ«خيانة» الدول النامية الأفقر حول العالم، عبر إرسال معظم شحنات الحبوب إلى أوروبا، قبل أن يتّهم، الأربعاء، خلال اجتماع للحكومة، الغرب باستخدام اتفاق الحبوب لـ«الابتزاز السياسي، وجعله أداة لإثراء الشركات المتعدّدة الجنسيات، والمضاربين في السوق العالمية»، بدلاً من مساعدة الدول المحتاجة.
وعلى عكس التصوّر الشائع، «فإن غالبية صادرات الحبوب التي تمّ شحنها من موانئ البحر الأسود الأوكرانية لم تذهب إلى أفقر البلدان وأكثرها حاجة»، وفق ما يفيد به التقرير نفسه. والواقع أن تلك التقديرات تدعمها أيضاً، بياناتٌ نشرها موقع الأمم المتّحدة أمس، تُبيّن أن الصفقة سمحت حتى الآن بتصدير ما يقرب من 33 مليون طن متري من المواد الغذائية - وغالبيتها من الذرة (16.9 مليون طن) والقمح (8.91 مليون طن) - عبر الموانئ الأوكرانية، من بينها ثمانية ملايين طنّ ذهبت إلى الصين، و6 ملايين إلى إسبانيا، تليها تركيا بـ3.2 ملايين، ثمّ إيطاليا بنحو مليوني طن، ثمّ هولندا وتليها مصر. وبالمجمل، فإن 44 في المئة من الصادرات كانت من نصيب الدول التي تصنّفها الأمم المتّحدة على أنّها «مرتفعة الدخل»، كما تمّ إرسال أكثر من 20 في المئة إلى بلدان ذات «دخل متوسط - أعلى»، فيما تمّ توزيع الكمية المتبقّية على الدول الأفقر. ومن هنا، يبيّن التقرير الصادر عن «معهد ويلسون»، أن الاتفاقية «ليست مصمَّمة لتجنّب المجاعة فوراً»، في دول مثل اليمن أو الصومال، بل هي تهدف إلى «استقرار السوق واحتواء الأسعار»، لافتاً إلى أن الحبوب التي علقت في المرافئ الأوكرانية، بعد بدء العملية العسكرية الروسية، كانت بمعظمها من الذرة التي تعاقدت عليها الشركات الدولية، «ليس بالضرورة لإطعام الناس ولكن، على سبيل المثال، لاستخدامها كوقود حيوي أو غذاء حيواني».
أمّا في ما يتعلّق بالمبادرات الإنسانية، فتشير أحدث الأرقام إلى أنه تمّ شحن أكثر من 725 ألف طن متري من الحبوب في إطار «برنامج الأغذية العالمي» (WFP) التابع للأمم المتحدة، منذ دخول الصفقة حيّز التنفيذ. وعلى رغم ذلك، نالت تلك المبادرةَ انتقادات عدّة، إذ إن كمية الحبوب التي وُزّعت خلال الأشهر التي تلت الاتفاق، كانت قليلة جداً، وعانت غالباً من تأخير في الوصول. وحتى في أعقاب وصول سفينة محمّلة بالحبوب إلى أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، في آب الماضي، حذّر خبراء الأمن الغذائي، آنذاك، من أن هذه الكميات هي مجرّد «قطرة في محيط» ما تحتاجه بلدان شرق أفريقيا لمواجهة أزمة الغذاء فيها فعلياً.
من جهة أخرى، يرى مراقبون أنه من المحتمل ألّا يكون لقرار وقف العمل بالاتفاق تأثير فوري على أسعار المواد الغذائية العالمية، على غرار ما حصل في بداية الحرب الأوكرانية، مرجِعِين ذلك، جزئياً، إلى أن مورّدي الحبوب الآخرين، بمن فيهم البرازيل وروسيا نفسها، قد زادوا إنتاجهم. كما أن بيانات الأمم المتحدة تُظهر أن الشحنات التي كان يتمّ تصديرها بموجب الاتفاق كانت قد انخفضت بالفعل قبل إعلان روسيا رسمياً وقف الاتفاق، فضلاً عن أن عدداً من البلدان كانت قد تحسّبت لهكذا سيناريو، فلجأت إلى تنويع مصادرها من الحبوب؛ إذ يقول، مثلاً، المساعد الأول لوزير التموين في مصر، إبراهيم عشماوي، في مقابلة تلفزيونية، إن «الكثير من الدول عقدت اتفاقيات لاستيراد القمح بعيداً عن روسيا وأوكرانيا تحسّباً لانسحاب روسيا»، مشيراً إلى أن مصر، ومنذ جائحة «كورونا»، «فهمت المتغيّرات العالمية» التي أدّت إلى اضطراب سلاسل الإمداد، وعملت على زيادة المخزون الاستراتيجي من السلع وزيادة السعات الاستيعابية، مؤكداً أن لدى القاهرة حالياً احتياطات آمنة من عدد من السلع الاستراتيجية، على رأسها القمح، «تكفي لستة أشهر على الأقل».

مصدر الخبر
الأخبار اللبنانية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.