تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

انفراط العقد الأوروبي

مصدر الصورة
عن الانترنيت

أحمد مصطفى

رغم أن بريطانيا كانت من أكثر المتحمسين لتوسيع الاتحاد الأوروبي بضم دول وسط وشرق أوروبا التي كانت في فلك الاتحاد السوفييتي السابق، إلا أن أحد مبرراتها للخروج من أوروبا (بريكست) كانت تلك التوسعة التي تحمست لها. ليست تلك براغماتية سياسية بريطانية، وإنما شكل من أشكال التخبط والتردد في السياسة البريطانية في السنوات الأخيرة.

صحيح أن هناك فوارق واضحة بين دول شرق أوروبا وغربها، والتي لم تستطع سنوات طويلة من دخول تلك الدول في الاتحاد الأوروبي أن تذيبها، إلا أن غرب أوروبا الذي يمثل نواة الاتحاد، لم يعد «على قلب رجل واحد» كما يفترض أن تؤدي الوحدة الأوروبية بعد أكثر من نصف قرن.

تمثل عقد الاتحاد الأوروبي الذي انتظم بقية دوله في ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، ومعها بريطانيا قبل (بريكست)، لكن هذا العقد يشهد «شبه انفراط» ظهر حتى قبل استفتاء بريطانيا على الخروج في عام 2016. يظهر ذلك جلياً في الأزمات، فقبل سنوات حين شهدت بعض دول الاتحاد الغربية مثل اسبانيا واليونان أزمات مديونية وعجز ميزانية، كان موقف ألمانيا وفرنسا متشدداً جداً بشأن تطبيق قواعد السلامة المالية الأوروبية، من دون التفات للتبعات الاجتماعية والسياسية في البلدان التي ترزح تحت وطأة الدين.

وكانت أزمة وباء «كورونا» قبل أكثر من ثلاثة أعوام، مثالاً ناصع الوضوح على أن ذلك التضامن الأوروبي انفرط عقده تقريباً؛ فقد عانت إيطاليا من أسوأ موجة للوباء وراح مئات الآلاف من مواطنيها ضحايا للفيروس، ولم تلق صرخات استغاثتها آذاناً أوروبية صاغية؛ فقد انشغلت كل دولة بهمها الداخلي ولم تهتم بغيرها.

ليس هذا فحسب، بل إن بعض الدول صارت «تخطف» معدات الوقاية من كمامات وقفازات وأجهزة تنفس صناعي مشحونة لغيرها. وحدثت عمليات سطو على شحنات قادمة من الصين، بعضها كانت مساعدات وليست تعاقدات تجارية. وفي حالات أخرى زايدت دول على «شقيقاتها» في السعر لتحصل على شحنة ربما كان غيرها أكثر حاجة إليها.

نشهد حالياً نموذجاً صارخاً آخر، هذه المرة في شرق أوروبا، على الانفراط الأوروبي، فمنذ تعليق موسكو العمل باتفاقية الحبوب في البحر الأسود، تبحث أوكرانيا عن طريقة لتصدير إنتاجها الزراعي. ومن بين المنافذ الممكنة تصدير الحبوب إلى الدول المجاورة، حيث يمكن نقلها براً بالشاحنات والقطارات أو عبر الأنهار، لتتمكن من تصديرها من دول الجوار.

وهناك حظر سابق تفرضه دول الجوار الأوكراني، من الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مثل بولندا وسلوفاكيا وبلغاريا والمجر، على واردات الحبوب والمنتجات الزراعية من أوكرانيا التي ليست عضواً في الاتحاد الأوروبي، وذلك لحماية المزارعين المحليين من إغراق المنتجات الأوكرانية وبالتالي تكبد القطاع الزراعي خسائر كبيرة.

اتخذت بروكسل (عاصمة الاتحاد الأوروبي) قراراً بتعليق الحظر مؤقتاً بما يسمح لأوكرانيا بتصدير الحبوب والمنتجات الزراعية عبر دول الجوار، إلا أن تلك الدول رفضت الانصياع للقرار الأوروبي وقررت الاستمرار في الحظر. وقدمت مصالح مواطنيها من المزارعين على «الدعم والتآخي» مع أوكرانيا التي تشهد حرباً منذ أكثر من عام.

من بين تلك الدول من هو أكثر حماساً لدعم أوكرانيا في الحرب، حتى من الولايات المتحدة. ونذكر تحديداً هنا بولندا التي طالما فعلت مثل بريطانيا في المزايدة على الأمريكيين ليس فقط في التصريحات السياسية ضد موسكو، وإنما أيضاً في تقديم العون العسكري لكييف.

لا عجب في الأمر، فوارسو ولندن لديهما حكومتان يمينيتان أقرب للتشدد منهما ل «المحافظية السياسية». وعلو صوتهما ضد روسيا ليس إلا تعبيراً عن نعرات مغالية في القومية الجوفاء أكثر منها مواقف حقيقية.

لن تعدم أوكرانيا وسائل بديلة لتصديرها إنتاجها الزراعي من الحبوب وغيرها، وروسيا لم تعلّق اتفاق الحبوب بغرض حرمان السوق العالمية من الصادرات الأوكرانية بقدر ما تريد ضمانات متساوية لتصدير إنتاجها هي أيضاً من الحبوب والمنتجات الزراعية بعيداً عن قيود العقوبات الغربية الصارمة.

ومن بين الدول الأوروبية الأربع التي لا تريد تعليق الحظر على صادرات الحبوب والمنتجات الزراعية الأوكرانية لا تجد أقرب للاتساق من المجر، فقيادتها منذ البداية لم تتشدد في اتخاذ مواقف استقطابية من حرب أوكرانيا، مثلما فعلت بولندا أو كما تفعل بريطانيا بالمزايدة على الولايات المتحدة.

مصدر الخبر
الخليج الإماراتية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.