تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

أميركا «ترحّل» الهجوم البرّي: مخاطر وافرة... وفوائد غير مضمونة

مصدر الصورة
الأخبار اللبنانية

لا يزال العدوان الإسرائيلي على غزة، والذي «تهندس» حكومة بنيامين نتنياهو خيارات توسيعه نحو عملية برية في القطاع، على نيّة «مداواة جراح» كبرياء الكيان، عقب عملية «طوفان الأقصى»، يثير تساؤلات في أوساط تل أبيب وداعميها، أكثر ممّا يَطرح أجوبة حول سيناريواته والتداعيات المتوقّع ترتّبها عليه. ولعلّ هذا ما يفسّر، عمليّاً، اندفاع مسؤولين إسرائيليين في أكثر من مناسبة، منذ صبيحة السابع من تشرين الأول الجاري، إلى التهديد باجتياح القطاع، ومن ثمّ تردّدهم، فتراجعهم مراراً عن إعلان موعد محدَّد للعمل البرّي.

عوامل داخلية

في خلفية هذا التردّد (التأجيل)، تَحضر اعتبارات داخلية وخارجية عدّة. وقد أخذت وسائل إعلام عبرية على عاتقها الكشف عن بعض ملابساتها، إذ أشارت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، مثلاً، إلى اختلاف في وجهات النظر بين كلّ من نتنياهو، ووزير الأمن يوآف غالانت، حول إمكانية تمدُّد الحرب، ربطاً بتطوّرات الوضع في غزة، حيث يتهيّب الأول، بخبرة «السياسي المخضرم»، تبعات دراماتيكية لخطوة من هذا النوع، بخاصّة في ما يخصّ الجبهة الشمالية مع لبنان، فيما لا يُظهر الثاني، وهو «الجنرال» السابق الحديث العهد في السياسة نسبياً مقارنة بنتنياهو، على رغم شَغله مناصب وزارية وتشريعية بدءاً من عام 2015، مبالاة في هذا الإطار. وجهة نظر غالانت، والتي تدفع في اتّجاه الحرب، من دون أن يمانع شمولها «حزب الله»، ظهّرها موقفه الأخير الذي أكّد فيه أن العملية البرية المحتملة في غزة ستستغرق ما يصل إلى ثلاثة أشهر، متوعّداً باجتثاث حركة «حماس».

ومن جملة العوامل الداخلية التي تقف حائلاً أيضاً بين نتنياهو وقرار بدء العملية البرية، خلافه مع عدد من قيادات جيشه، ومن بينهم الجنرال روني نوما، الذي يتولّى قيادة إحدى الفرق العسكرية، إضافة إلى عامل آخر شديد الأهمية، يتمثّل في تجاهل حكومة اليمين المتطرّف الإسرائيلية، عائلات الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية، وإصرارها على السير في تصعيد الحملة ضدّ الفلسطينيين بصرف النظر عن مصير هؤلاء. هذه «اللامبالاة» من جانب حكومة الاحتلال تجاه «مواطنيها»، تجلّت في أوضح صورها من خلال ما صرّح به المندوب الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، جلعاد أردان، حين قال إن «القلق في شأن مصير الأسرى لن يمنعنا من القيام بكلّ ما يتطلّبه الأمر لضمان مستقبل إسرائيل»، وهو ما ولّد حالة غضب عارمة لدى عائلاتهم الذين خرجوا في تظاهرات، مطالبين بسجن نتنياهو.

عوامل خارجية

وفي ما يتّصل بالاعتبارات الخارجية، بات واضحاً أن إسرائيل، «المدينة» لدعم إدارة جو بايدن اللامحدود، تجد نفسها غير قادرة على القفز فوق الهواجس الأميركية في ما يخصّ خيارات التعامل مع غزة، ولا سيما بعد إشارة إيران الواضحة، على لسان وزير خارجيتها، حسين أمير عبد اللهيان، إلى إمكانية تدخُّل «محور المقاومة» بأكمله دعماً للشعب الفلسطيني، في حال استمرّ العدوان على القطاع، وهو أمر لا تحبّذه إدارة بايدن، لِما قد يترتّب عليه من أعباء جديدة على الولايات المتحدة، وحلفائها الغربيين، المنغمسين أصلاً في حربهم بالوكالة ضدّ روسيا على أرض أوكرانيا. ووفق التقديرات الأميركية، فإن الدخول البري إلى غزة، حتى وإنْ نجح في إلحاق ضرر جوهري بقدرات المقاومة الفلسطينية، ولا سيما حركة «حماس» (على رغم الإقرار بصعوبة هذه المهمّة، بالنظر إلى القدرات العسكرية لدى الأخيرة)، فإنه سيسفر عن خسائر بشرية كبيرة في صفوف الإسرائيليين، فضلاً عن انعكاساته السلبية على «صورة إسرائيل الدولية»، على خلفية الأزمة الإنسانية المتفاقمة في غزة.

لا تبدو مواقف حلفاء إسرائيل الدوليين المعلَنة، أقلّ تحفُّظاً في الإعراب عن مخاوف من تنفيذ عملية مشابهة في غزة

إضافةً إلى ما سبق من عوامل تبدو حاكمة، وربّما حاسمة في تأجيل قرار التوغّل الإسرائيلي البرّي، لا يخفي مسؤولون أوروبيون وأميركيون في كواليس لقاءاتهم مع المسؤولين الإسرائيليين، خشيتهم من أن يعاد سيناريو اجتياح لبنان عام 1982، والذي رمت من خلاله تل أبيب إلى القضاء على «منظمة التحرير الفلسطينية» بصورة سريعة، قبل أن ينتهي المطاف عام 2000، بـ»فيتنام إسرائيلية». وفي السياق نفسه، يشير مسؤول أميركي رفيع في وزارة الدفاع، إلى أن قرار واشنطن إرسال عدد من القطع البحرية في اتّجاه الشرق الأوسط، يبرز الجانب المتعلّق برغبة بلاده بـ «منْع توسّع الصراع (في غزة)». وقد تعزّزت تلك المواقف أكثر، وتحديداً الموقف الأميركي، في ضوء ما أُشيع خلال الساعات الماضية عن طلب وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، من القيادتَين السياسية والعسكرية في إسرائيل، تأجيل الغزو البري، وذلك بهدف كسب الوقت لإجراء مفاوضات في شأن الأسرى والرهائن الذين تحتجزهم المقاومة الفلسطينية، والسماح بوصول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى القطاع، وبغرض إتاحة الفرصة لواشنطن لاتّخاذ تدابير وقائية تحسُّباً لإمكانية تعرّض مصالحها في المنطقة لهجمات من قِبَل قوى المحور الإقليمي الذي تدعمه إيران، في حال قرّرت إسرائيل بدء الهجوم البرّي على القطاع.

وفي هذا السياق، أفادت صحيفة «نيويورك تايمز»، نقلاً عن مصدر أميركي مطّلع على ملفّ المفاوضات الجارية حول تبادل الأسرى بين «حماس» وإسرائيل، بأن الحركة كانت حذّرت من أن الغزو البرّي للقطاع سيقلّل احتمال إطلاق سراح الأسرى المحتجزين لديها. وعلى ما يبدو، يتقاطع الموقف الأميركي، المتحفّظ حيال بدء عملية برّية، مع موقف بعض القوى الدولية، ولا سيما روسيا، التي حذّر رئيسها، فلاديمير بوتين، من أن هذا الخيار سيؤدي إلى «خسائر غير مقبولة على الإطلاق بين المدنيين الفلسطينيين»، مضيفاً أن بلاده «مستعدّة للعمل مع شركاء لهم دور بنّاء» لِلَجم التصعيد في الأراضي المحتلّة، مع تجديده التمسك بـ»حلّ الدولتين». بدوره، قال الناطق باسم الرئاسة الروسية، ديمتري بيسكوف، إن الدبلوماسيين الروس يبذلون قصارى جهدهم في ما يتعلّق بوضع الرهائن الروس المحتجزين في غزة، كاشفاً أن موسكو «تجري بعض الاتصالات لهذا الغرض».

التشتّت الأميركي: سوء الفهم وارد!

وفي العموم، لا تبدو مواقف حلفاء إسرائيل الدوليين المعلَنة، وفي طليعتهم رئيس الولايات المتحدة، جو بايدن، أقلّ تحفُّظاً في الإعراب عن مخاوف من تنفيذ عملية مشابهة في غزة، إذ سبق أن أعرب بايدن عن رغبته بتأجيل إسرائيل عمليتها البرية المحتملة في القطاع، إلى حين الإفراج عن مزيد من المحتجزين، ومنهم أميركيون، وهو تصريح عاد وتراجع عنه لاحقاً، في مؤشّر واضح إلى حجم القلق وحالة «اللايقين» اللذيْن تعيشهما الإدارة الأميركية في محاولتها تقدير الموقف المستجدّ في الشرق الأوسط. وفضلاً عن الظروف المتعلّقة بالبيئة الدولية المعقّدة، والزاخرة بالتحدّيات، فإن الإدارة الأميركية تعيش مأزقاً دستورياً سياسياً في الداخل، لا يقلّ «حراجة»، وسط جدل حول مدى صلاحية البيت الأبيض في تمرير أيّ مساعدات عسكرية إضافية لإسرائيل في الفترة المقبلة، على وقْع الخلافات المستمرّة بين النواب «الجمهوريين»، الذين لديهم الأغلبية في مجلس النواب، حول مرشحهم لملء المقعد الشاغر في رئاسة المجلس.

هذا الجانب من تشتّت الإدارة الأميركية، بين سعيها لردع طهران وحلفائها بهدف «شدّ أزر» تل أبيب، وخشيتها من تمدّد الحرب، لفت إليه النائب الأول لمستشار الأمن القومي، جون فينر، حين نبّه إلى أن قرار إدارته إرسال حاملة الطائرات «يو إس إس جيرالد فورد» إلى المنطقة، لا يمكن عدّه انخراطاً مباشراً في الصراع، كاشفاً أنه «ليس من الواضح ما هي المهام المنوطة بحاملة الطائرات والمجموعة القتالية المرافقة لها، لناحية دعم إسرائيل، في حال آلت الأمور إلى قيام الأخيرة بتنفيذ عملية عسكرية (في غزة) على عاتقها».

ولعلّ الباحث المتخصّص في شؤون الشرق الأوسط في «مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية»، دانيال بايمان، كان أكثر وضوحاً في» تفنيد» مظاهر القلق في دوائر واشنطن، من التطوّرات في غزة، وامتداداتها الإقليمية المحتملة، إذ يقول: «كان لديّ اعتقاد بأن إسرائيل قد تمكّنت، على مدى الأعوام الماضية، وبشكل فعّال، من ردع حزب الله»، مستدركاً بأن «الأمور تبدو شديدة الخطورة في الوقت الراهن». ويلمّح بايمان إلى أن ما يجري من مناوشات صغيرة بين «حزب الله» والجيش الإسرائيلي يُنذر بمخاطر الانزلاق السريع نحو صراع أوسع نطاقاً.

وفي معرض حديثه عن اقتراب كلّ أطراف الصراع الإقليمي من حافة الحرب، يضيف بايمان أنه «بات من الصعب، بالتزامن مع تصاعد الاحتقان الإقليمي، تحييد تلك الأطراف المتعدّدة عن التطوّرات في المنطقة»، في إشارة إلى طهران وحلفائها من جهة، وواشنطن وحلفائها من جهة أخرى، محذّراً من أن «الرسائل والإنذارات العسكرية المتبادلة بين طرفَي الصراع، يمكن أن يُساء فهمها بسهولة (من جانب أحدهما)، أو أن تخرج عن نطاق السيطرة».

مصدر الخبر
الأخبار اللبنانية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.