تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الفقراء أكثر إقبالا على الزواج في مصر

مصدر الصورة
العرب

يعكس ارتفاع عدد زيجات الفقراء في مصر سيطرة العادات والتقاليد والأعراف المجتمعية من جهة، وقبول الفتاة في الأحياء الشعبية بالقليل وعدم وضعها شروطا تعجيزية مقارنة بفتيات الطبقة الراقية، ذلك أن أبناء البسطاء يتعاملون مع الزواج كطقس ملزم لهم دون النظر كثيرا إلى الحالة المادية. ويرى متخصصون في العلاقات الاجتماعية أن المستويين التعليمي والاجتماعي للفتاة إذا كانا متواضعين يساهمان في تسريع زواجها، لكن في بعض المناطق وليس في جميعها.

القاهرة - أكدت أرقام صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر (جهة رسمية) ارتفاع معدل الزواج بين الأسر الفقيرة مقارنة بنظيرتها الأكثر غنى وتعليما، وعكس ذلك تأثير العادات والتقاليد لأنها لا تزال مسيطرة على مراحل الزواج في المناطق الشعبية والريفية والقبلية إذا قيست بحالة التحرر الموجودة بين شباب العائلات الميسورة وفتياتها.

ومن بين 929 ألف عقد زواج تم إبرامها في مصر خلال عام واحد، كانت نسبة المتزوجين من الحاصلين على تعليم جامعي وينتمون إلى مهن علمية 87 ألف عقد فقط، مقارنة بـ346 ألف عقد لشباب وفتيات عاطلين عن العمل وقرابة 130 ألف زيجة لعمال وحرفيين وبائعين بالأسواق، في تناقض بين الشرائح الأسرية المختلفة في مصر ورؤية كل منها لمؤسسة الزواج، بغض النظر عن الظروف المعيشية التي يعيشها الناس.

ومع أن جهاز الإحصاء الحكومي لم يقدم تفسيرا لارتفاع معدلات الزواج بين أبناء الأسر البسيطة بالتزامن مع تصاعد حدة الغلاء، لكن يمكن ربط ذلك بالأعراف الأسرية في مصر، فالشباب الحاصل على مؤهل متوسط يتزوج غالبا من فتاة من ذات المستوى، والتي لا تضع شروطا تعجيزية ويتم الاكتفاء بالحد الأدنى من المستلزمات، فالمهم إنجاز الزواج. وعلى النقيض، فإن انفتاح المجتمع ومحاولة الأجيال الجديدة التي حصلت على تعليم متقدم محاكاة الثقافات الغربية، انعكس على تزايد معدل إقامة علاقات عاطفية خارج إطار مؤسسة الزواج، وإصرار البعض من الشباب والفتيات على الاستقلال الذاتي عن عائلاتهم وعدم الانصياع لرغباتهم في الموافقة على بدء إجراءات الزواج، مهما كانت الظروف المعيشية ميسّرة.

وتختلف النظرة لمؤسسة الزواج بين كل شريحة حسب مستواها التعليمي وظروفها الاقتصادية ووضعيتها في التركيبة السكانية، فأبناء البسطاء يتعاملون مع الزواج كطقس ملزم لهم دون النظر كثيرا إلى الحالة المادية والوظيفة، ويصعب وجود علاقات جنسية خارج الإطار الرسمي بين أبناء الريف والمناطق القبلية لدرجة أن العلاقات العاطفية شبه محرمة عرفيا.

الشاب الحاصل على مؤهل متوسط يتزوج غالبا من فتاة من ذات المستوى لا تضع شروطا تعجيزية وتكتفي بالقليل

ويرفض الكثير من أبناء الحضر وأصحاب المؤهلات العليا رسم مسار حياتهم وفقا لتقاليد المجتمع، لذلك لا يكترثون بارتفاع معدل العنوسة بينهم، بل تغلب على النسبة الأكبر منهم فكرة عدم الزواج لمجرد توديع حياة العزوبية، ويتمسكون بالتريث واختيار الشريك المناسب أمام ارتفاع نسب الطلاق وتصدير نماذج فاشلة عن زيجات انتهت سريعا، فالقضية تبدو نفسية في المقام الأول.

ويصعب فصل الزيجات الكثيرة بين أبناء الأسر البسيطة عن ظاهرة تخلي بعض العائلات في الريف والبيئات الشعبية، وبين فقراء الحضر، عن المغالاة في شروط الزواج التي يتم فرضها، ومراعاة الظروف المعيشية لبعضهم، فلا تضع أسرة الفتاة على عاتق الشاب المتقدم لخطبتها المزيد من الأعباء ويتم الاتفاق على توفير الحد الأدنى من الاستقرار المعيشي، باعتبار أن الطرفين من بيئة ومستوى اقتصادي واحد.

وأجرى المركز المصري لبحوث الرأي العام استطلاعا حول مدى تقبل الفتيات لإلغاء عادات الزواج وطقوسه ومستلزماته، وأبدت 62 في المئة منهن، وأغلبهن من بيئات بسيطة، الموافقة على الزواج بأقل شيء شريطة أن يكون الشاب يستحق، وهي قناعات انتشرت على نطاق واسع بين الفئات البسيطة، حيث تميل الأسرة إلى تزويج الفتاة وتجنب وصولها إلى مرحلة العنوسة.

ونجحت ليلى علوان، وهي أم ريفية لخمس فتيات وشابين، في تزويج أغلبهن، على الرغم من أن زوجها توفّي ولم يترك لها سوى قطعة أرض صغيرة تزرعها بالفاكهة، لكنها نجحت في تجهيز بناتها وتزويجهن ولم يتبق سوى الشابين لأنها وضعت مطالب بسيطة أمام كل شاب يتقدم لخطبة إحدى فتياتها، فالمهم أن يحافظ عليها، وهي أيضا لن تتحمل أعباء في زواج كل فتاة.

وقالت الأم لـ”العرب” إن الزواج المدبّر عادةٌ عند غالبية الفقراء المهم إتمام الزيجة بغض النظر عن وظيفة الشاب ومستوى تعليمه، فالفقراء يتزوجون من بعضهم بعضا، سواء أكانوا جيرانا أم أقارب، وكل شخص يعرف ظروف الآخر، ولا مجال للمغالاة أو ترك الفتاة تتقدم في السن بلا زواج وانتظار الشريك صاحب المواصفات الخاصة.

ولفتت الأم إلى أن البسطاء يقدسون الحياة الزوجية، فالرجل لا يستطيع العيش من دون امرأة مهما كانت الظروف المادية أو الوظيفة ومستوى التعليم، فالزواج في سن معينة واجب، وأرباب الأسر يسرّعون في تزويج أبنائهم ولا يتركونهم يواجهون العنوسة، بتسهيل الإجراءات، وهناك قناعة عند الفقراء بأن المرأة أساس البيت.

العادات والتقاليد تسيطر على مراحل الزواج في المناطق الشعبية

ويرفض الكثير من العائلات الحضرية التعامل بقناعات البسطاء عند تزويج الأبناء، وتفرض قائمة طويلة من المطالب مثل المهر المرتفع والسكن الفاخر والوظيفة المرموقة، مع اشتراط شكل محدد لحفل الزفاف، ما يتسبب في عزوف الشباب عن الزواج وعدم الاكتراث به، مقابل التركيز على التعليم والبحث عن وظيفة تمهد لهم الطريق للاستقلال التام عن الأسرة.

ويرى متخصصون في العلاقات الاجتماعية أن الفارق في المستوى التعليمي والاجتماعي للفتاة يساهم في تسريع زيجة الأنثى في منطقة بعينها، وتدنّى معدلات زواجها في بيئة أخرى، لأن الفتاة التي لم تتعلم أو حصلت على شهادة متوسطة مستعدة للزواج من أيّ شاب، خلاف نظيرتها الحاصلة على شهادة جامعية، فهي تركز على التعليم والعمل والاستقلال وانتقاء الشريك المناسب لتلك الوضعية.

وثمة رأي منتشر في بعض الأوساط الأسرية المرموقة، وذات المستوى التعليمي المتقدم، يقوم على أن الحفاظ على الحقوق المالية للزوجة، من مهر وسكن جاهز ومستلزمات غالية الثمن ووفرة مالية للشاب ووظيفة راقية يسبق كل شيء، لأن هذه الأمور جزء أصيل من سعادة الزوجة وطريقها لتأمين حياتها مستقبلا إذا وصلت العلاقة إلى الطلاق، وهو ما لا تفكر فيه الكثير من الأسر البسيطة.

وأكد علاء الغندور الباحث المتخصص في العلاقة الأسرية بالقاهرة أن ارتفاع معدلات الزواج بين الأسر البسيطة يعزز تقديسهم للحياة الأسرية القائمة على التشارك، وهذا يفسر أن أزمة الشباب مع فكرة الزواج لا ترتبط بالظروف الاقتصادية، والموضوع له أبعاد نفسية تتعلق بالتشاؤم والحكم المسبق على الزيجة بالفشل بسبب ما يسمعه من صراعات بين المتزوجين لا يتخيلها عقل.

وأضاف لـ”العرب” أنه يصعب فصل الزيجات الكبيرة بين أصحاب المستوى الاجتماعي المتواضع عن اقتناع الكثير من الأسر البسيطة بأن الحياة الزوجية يفترض أن تقوم على التفاهم والمودة والتشارك في تحمل المسؤوليات بين الرجل والمرأة، وكلاهما لا يستغني عن الآخر، بينما ينتشر التمرد بين بعض الشباب المنتمين إلى عائلات متحضرة غنية بالاستقلال عن مؤسسة الزواج لبلوغ الراحة النفسية.

وبعيدا عن مبررات كل أسرة ونظرتها إلى مؤسسة الزواج، فإن الأرقام الصادرة عن جهاز الإحصاء الحكومي تشير إلى حقيقة هامة تتعلق برؤية العائلات البسيطة للسعادة الزوجية، فهي لا ترتبط بالنواحي المالية بقدر ما ترتبط بالتفاهم والمودة والتحمل مهما بلغت قسوة الظروف. فقد يكون الشاب عاملا بسيطا وقادرا على تحمل المسؤولية وتأمين العلاقة أكثر من متعلم ومثقف وذي مستوى مادي مرموق.

أحمد حافظ كاتب مصري

مصدر الخبر
العرب

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.