تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

القاهرة تتجاوز جس النبض وتستعد لخفض دعم الخبز

مصدر الصورة
العرب

تعتزم الحكومة المصرية الإعلان عن قرار بخفض الدعم عن الخبز، وهو ملف لطالما تجنبته الحكومات السابقة لخشيتها من ردود الفعل الشعبية، وتبدو حكومة مصطفى مدبولي مطمئنة نسبيا لتفعيل القرار المؤجل، حيث أنها هيّأت الشارع نفسيا لتلقيه القرار.

القاهرة - قال مجلس الوزراء المصري، الثلاثاء، إن الاحتياطي الإستراتيجي من القمح المتوفر داخل البلاد يكفي لمدة خمسة شهور وقرابة 10 أيام من الاستهلاك، جاء ذلك بعد أن أعلن رئيس الحكومة مصطفى مدبولي قبلها بيوم عن “ضرورة تحريك سعر الخبز (العيش) بما يتناسب مع الزيادة المرتفعة في الأسعار”.

وتجاوزت الحكومة مسألة جس النبض بشأن رفع أسعار رغيف الخبز المدعم لتستعد لمرحلة جديدة تتعلق بتنفيذ القرار خلال الأيام المقبلة، ما يعبر عن تطور سياسي تجاه التعامل مع أحد أبرز الملفات الملغومة التي خشيت حكومات عدة من الاقتراب منها خوفًا من ارتداداتها بعد أن ظلت ما سميت بـ”انتفاضة الخبز” عالقة في الأذهان، حيث اضطر الرئيس الراحل أنور السادات إلى التراجع عن زيادة طفيفة في سعر رغيف “العيش” كما يسميه المصريون كدلالة على أهميته.

وقال مدبولي في مؤتمر صحافي الاثنين، إن مصر تنتج 100 مليار رغيف مدعم سنويا، يتم بيعها بإجمالي 5 مليارات جنيه، وأن الدعم الحقيقي لرغيف الخبز يتجاوز 100 مليار جنيه (الدولار = 47 جنيهًا).

كمال أبوعيطة: الإصلاح قد يتحول إلى إعدام لفرص التقدم في المستقبل

ويبدو أن الحكومة اطمأنت لإمكانية تحريك سعر الخبز بلا احتجاجات شعبية، وأدركت أن التحولات الاقتصادية والاجتماعية تمنحها مبررا للإقدام على تلك الخطوة، خاصة وأن سعر الرغيف المدعم يصل إلى خمسة قروش وهو مبلغ زهيد جدا (الجنيه= 100 قرش)، ويمكن مضاعفته بلا ضغط مادي حقيقي على الفقراء، لأن الدولة تتبنى خطط التكافل لملايين الأسر تستفيد من الدعم المقدم عبر مبادرة “تكافل وكرامة”.

واستخدمت الحكومة تكتيكات مختلفة للوصول إلى مرحلة الإعلان عن قرب اتخاذ القرار، ولجأت فترة طويلة لجس النبض بشأن تحريك السعر وبأي درجة، وطرحت الموضوع للنقاش مرات عديدة كلما حدثت أزمة في القمح أو ارتفعت أسعاره عالميا.

ومع كل موازنة مالية جديدة يبرز حجم الدعم الذي تقدمه إلى رغيف الخبز وحرصت على التسويق إلى أن تلك القيمة ستتم مضاعفتها في موازنة العام المقبل.

وخططت الحكومة لاتخاذ القرار ثم أرجأته مراعاة للفقراء، وهو ما حدث عندما أقدمت على رفع أسعار المحروقات مؤخرا، وقالت إن توجيهات رئاسية صدرت بالإبقاء على سعر الخبز مع تحمل الحكومة تكاليف زيادة إنتاجه، ما ترك انطباعًا لدى المواطنين بأن تحريك الخبز سوف يأتي حتما في خطوة لاحقة.

وأكد رئيس كتلة الحوار (حزب تحت التأسيس لديه مواقف سياسية وسطية) باسل عادل أن الحكومة تمضي في طريق تخفيف الأعباء المالية عن كاهل موازنة الدولة، وهو سياق ممتد منذ سنوات طويلة وتظهر نتائجه في خفض قيمة الجنيه، وخفض الدعم عن المحروقات والكهرباء، والكثير من الخدمات والسلع الاستهلاكية، ما جعل حديث رئيس الوزراء متوقعًا، وثمة قناعة أن الحكومة توفر برامج حماية جيدة وتعمل على تطوير القرى الفقيرة وتوفر الخدمات والمرافق الرئيسية لرفع الدعم عن بعض السلع.

مازالت أحداث "انتفاضة الخبز" أو "الحرامية"، كما أطلق عليها الرئيس أنور السادات، عالقة في أذهان الحكومات المتعاقبة

وأشار عادل في تصريح لـ”العرب” إلى أن على الحكومة التعاطي مع الخبز بخصوصية، وبطريقة مختلفة عن السلع والخدمات الأخرى، لأنه ملاذ أخير لفقراء يبحثون عما يسد جوعهم، وأن دراسة التكلفة الاجتماعية والسياسية لخفض دعم رغيف الخبز لابد أن تكون واضحة ومعروفة قبل اتخاذ القرار، ويمكن أن تذهب الحكومة نحو تخفيض الدعم عن سلع أخرى وتترك الخبز، وهناك خيارات بديلة يمكن اللجوء إليها بعيدا عن تحميل الفقراء المزيد من التكلفة والمتاعب.

ولفت إلى أن الحكومة المصرية بإمكانها التفكير في مشروعات قومية تدر دخلا إضافيا ومباشرا يتم توجيهه لاستمرار دعم الخبز، ووضع خطط أخرى لها علاقة بزيادة مساحات زراعة القمح وتقليل فاتورة الاستيراد من الخارج، وعليها أن تدرك جيدا أن من يذهبون لشراء العيش المدعم هم من معدومي الدخل، وليس من الطبقتين المتوسطة والغنية التي تحصل على الخبز السياحي غير المدعوم من الحكومة.

باسل عادل: هناك خيارات بديلة يمكن اللجوء إليها بعيدا عن الخبز

وأوضح لـ“العرب” أن الذهاب باتجاه خطوة خفض الدعم من دون التعرف بشكل دقيق على أعداد مستحقيه من الفقراء قد يصبح خطرا، ومن المهم معرفة الدخل الشهري والسنوي لهؤلاء الفقراء منعًا لتصاعد الأزمات الاجتماعية.

وشدد في حديثه لـ“العرب” على أن المصريين يعرفون جيداً أنه لا فائدة من إثارة مشكلات جماهيرية حاليا، وأن الهم الأكبر الحفاظ على تماسك وسلامة الدولة وسط تحديات إقليمية وعرة، وأن تحمل قرارات الإصلاح الاقتصادي الصعبة في السنوات الماضية برهن عن ذلك، مع ضرورة ألا تعتمد الحكومة على هذا التحمل بفرض المزيد من الأعباء، خاصة إذا تعلق الأمر بالعيش.

ومازالت أحداث “انتفاضة الخبز” أو “الحرامية”، كما أطلق عليها الرئيس السادات، عالقة في أذهان حكومات متعاقبة، حيث خرجت قطاعات عريضة من الشعب المصري في ذلك الوقت للشوارع والميادين احتجاجا على رفع سعر الخبز، وتراجعت السلطة عن رفع سعر مجموعة من السلع وأرجأت قرارات اقتصادية.

واعتبر وزير القوى العاملة المصري سابقا كمال أبوعيطة أن اقتراب الحكومة من هذا ملف الخبز يُعني أنها “اقتربت من ترك موقعها وتمرير قرار زيادة أسعار الخبز من المتوقع أن يحدد بقاء الحكومة أو رحيلها، لما يمكن أن يتبع الخطوة من اعتراضات من بعض المواطنين وستكون الحكومة قد استنزفت جميع فرصها أمامهم”.

وذكر أبوعيطة في تصريح لـ”العرب” أن إصرار الحكومة على السير في نفس خطط وإستراتيجيات الإصلاح الاقتصادي “والذي لم يحقق نتائج إيجابية منذ عقود يعبر عن قصور في رؤيتها لحل الأزمة الاقتصادية، ما يجعل الإصلاح قد يتحول إلى إعدام فرص التقدم في المستقبل”.

ولم تشهد أسعار الخبز المدعوم زيادة خلال سنوت طويلة، وظلت عند نصف قرش حتى منتصف عام 1980 إلى أن تقررت زيادة سعره إلى قرش واحد في هذا العام، وخلال العام 1984 قررت الحكومة رفع سعر الخبز المدعم إلى قرشين واستقر عند هذا المستوى حتى عام 1988 ثم قررت زيادة سعره إلى 5 قروش.

مصدر الخبر
العرب

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.