تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

القوى الخمس التي تهدد الإعلام السوري

 

محطة أخبار سورية
 ما مدى قدرة الإعلام السوري على لعب دور التواصل مع الجماهير؟ وهل كان هناك سياسات إعلامية واضحة في السنوات الماضية؟ وهل هناك حاجة لتطوير سياسات التواصل لتتواكب مع المتغيرات الإقليمية والدولية؟
نموذج القوى الخمس:
من الواضح أن أي تطوير لواقع الإعلام السوري يتطلب وضع استراتيجية جديدة ينجم عنها سياسات مختلفة، وسنحاول فيما يلي الاقتصار على محاولة تقديم فهم أوضح وإطار تحليلي للبيئة المؤثرة في الإعلام السوري، وذلك باستخدام نموذج بورتر للقوى الخمس والذي يعالج التهديدات الناجمة عن القوى التالية: (دخول لاعبين جدد - المزودين - الزبائن - المنافسين - الاستبدال)، وذلك بهدف الإضاءة على مكامن التهديدات للقطاع الإعلامي.
تهديد دخول لاعبين جدد:
يحدد النموذج آلية لدخول اللاعبين الجدد، حيث أن أي قطاع يسيطر عليه مجموعة محدودة من اللاعبين سيغري جهات أخرى بالدخول، وترتبط هذه العملية بمدى القيود الموضوعة أو بغياب هذه القيود، وتستمر هذه العملية إلى أن يصبح دخول لاعبين جدد غير مجدياً، وعندها تستقر هذه العملية.
بالنسبة للإعلام السوري، فقد كان مغلقاً على الإعلام الحكومي لسنوات كثيرة، بسبب قيود حكومية، وعندما سمح للإعلام الخاص بالدخول دون قيود، تدفقت الوسائل الإعلامية والإعلانية للدخول بطريقة أدت إلى منع دخول لاعبين جديين إلى هذا القطاع الهام، وذلك بسبب انعدام الجدوى، وهذا أدى إلى عدم قدرة هذا القطاع على النمو بالشكل السليم.
تهديد المزودين:
هناك نوعان من المزودين للقطاع الإعلامي: مزودو المحتوى، ومزودو الخدمات الطباعية، وفي سوريا لا يوجد وكالات أنباء متعددة تزود بالمحتوى، حيث تعتبر (سانا) هي مصدر المعلومات المعتمد، وتعمد بعض الجهات الحكومية والأحزاب إلى نشر معلوماتها من خلال صحف خاصة بها، مما يجعلها تلتف على ضرورة نشر المعلومات الخام، بينما لا يوجد جهات قادرة أو مكلفة بإجراء دراسات ميدانية، بالإضافة إلى عدم وضوح لقواعد العمل في الإعلام المحلي، وكل ذلك أدى إلى ضحالة في مصادر المعلومات المحلية وأضعف من القيمة المضافة التي يمكن أن تقدمها وسائل الإعلام، وجعل من القص واللصق من وسائل الإعلام الدولية هو التوجه السائد، ومع انتشار الفضائيات ومواقع الإنترنت ودخول الصحف من الدول المجاورة والتغطية الإذاعية، تعرض الإعلام المحلي لتهديد ناجم عن من كان يعتبرهم مصدر معلوماته (بسبب غياب المصادر الوطنية الفعالة).
ومن ناحية أخرى، فإن انتشار الوسائل الإعلانية، والتي تقدم فعلياً قيمة مضافة محدودة على صعيد المحتوى، بينما تمتلك إمكانية انتشار واسعة، فإن العاملين في قطاع الطباعة أصبح بإمكانهم دخول هذا القطاع والاستيلاء على معظم الحصة الإعلانية، هذا إن لم نتحدث عن قطاع الإعلانات المباشرة، ونعتقد أن هذا ما حصل، وكل ذلك ساهم في عدم بناء مؤسسات إعلامية وطنية فعالة.
تهديد الزبائن:
ينظر القارئ لمعظم وسائل الإعلام المحلية كمصدر لنشر المعلومات الرسمية ليس إلا، فالمعلومات تصدر متأخرة من جهة، ويعلم القارئ أن سقف التحليل محدود عبرها، وبالتالي فهو يبحث عن التحليلات في الصحف والمحطات الفضائية الخارجية، وفي ظل الضخ الهائل للمعلومات الفورية من مصادر شتى، لم يعد الإعلام يستقطب المواطن. وبالتالي فقد الإعلام المحلي قدرته على توجيه الرأي العام، أما الإعلام الإلكتروني فقد تعرض لنكسات عدة تجلت في عدم أصالة معظم محتواه، وغياب التنوع الفكري، بالإضافة إلى غياب الحدود الفاصلة بين المدونات الشخصية والمواقع الإعلامية ومواقع مؤسسات المجتمع المدني، وكل ذلك جعل ساحة الإعلام الإلكتروني غير قادرة على تحقيق التواصل مع الجماهير، وهكذا فقدنا الفرصة التي كان ممكناً للإعلام الإلكتروني أن يلعبها.
تهديد المنافسين:
يعاني قطاع الإعلام المحلي من عدم الربط بين انتشار الوسيلة الإعلامية والعائد المادي الذي يجب أن تتوقعه (كما يحصل في كل وسائل الإعلام في العالم)، ففي سوريا تلعب مؤسسة توزيع المطبوعات دوراً محورياً في توزيع المطبوعات بطريقة تتناسب مع توزيع بضائع استهلاكية كالأغذية، وليس بطرق مهنية واحترافية تتناسب مع المحتوى الإعلامي، وأهمية وجود دراسات دقيقة للشرائح الجغرافية والفكرية والاجتماعية وآليات التعاطي معها، أو للمرونة في تعديل الخطط حسب نتائج التوزيع. أما المؤسسة العربية للإعلان، فهي الجهة التي توزع الإعلانات على الصحف بالطريقة التي تراها مناسبة، وتشكل ازدواجية ضريبية لقطاع الإعلام، وإن نظرنا لدور المؤسستين معاً، فنرى بالنتيجة هو خلق سوق غير تنافسية في مجال الإعلام. ومن ناحية أخرى، فقد ساهم دخول الإعلام الإلكتروني في توسيع هذه الظاهرة، حيث غابت الشفافية المالية عن هذه المواقع، ولم تتحمل هذه المواقع مسؤولياتها الأدبية (من حيث حقوق النسخ ومن حيث الاحتفاظ بمصادر المعلومات للقضاء المختص)، مما أدخل قطاع الإعلام في فوضى أدت إلى ما وصلنا إليه، والذي يمكن تشبيهه بالرمال المتحركة التي سيغرق فيها الجميع لصالح وسائل الإعلام الخارجية التي تقف على أرض صلبة.
تهديد الاستبدال:
يعتبر الإعلام البديل الأكثر صعوداً على مستوى العالم، ولكن محلياً له نكهة مختلفة، فوسائل الإعلام العالمية قد أدركت دور المواقع الاجتماعية مثل (فيسبوك - تويتر) ومواقع الحوسبة الغائمة (مثل يوتيوب وفليكر) والمدونات الشخصية في تأمين بديل أكثر فعالية، وحاولت تعديل طرق عملها بما يؤدي للاستفادة من التوجه الجديد، أما في سوريا، فإن التهديدات السابقة قد جعلت من تهديد الاستبدال جدياً وحتمياً، فالاستبدال تقنياً يفترض أن يجبر الجهة المعنية على وضع سقف لابتعادها عن قواعد اللعبة، فإن رفعت شركة نقل الركاب عبر الباصات الأسعار كثيراً (على سبيل المثال) سيجد المواطن أنه من الأفضل له ركوب السيارة، وإن رفع صاحب السيارة أجرة السفر في سيارته، سيجد المواطن أن ركوب الطائرة أصبح ممكناً، وفي حالتنا، فإننا ندفع الآن ثمن الأخطاء في المحاور المبينة سابقاً، والابتعاد كثيراً عن قواعد العمل الإعلامي، حيث تراكمت المعوّقات التي تهدد بناء إعلام جدي بطريقة جعلت من المواقع الاجتماعية مصدراً رئيسياً للمعلومات للعديد من السوريين وتواصلهم، وإن جمعنا هذا التهديد مع التهديد الناجم عن وسائل الإعلام الخارجية (كما بيّنا سابقاً)، نجد أننا قد وضعنا إعلامنا المحلي في طريق مسدود لا يمكنه الخروج منه دون تغيير جذري في السياسات الإعلامية.
وختاماً، نعتقد أن إعادة إنتاج المشكلة عبر تعديلات طفيفة على آليات العمل الحالية لا يمكن أن تشكل قاعدة للتغيير المطلوب، فدور وسائل الإعلام الحديثة قد وصل لمستوى من الأهمية لا تسمح بالتعامل معه كما تتم إدارة القطاعات الخدمية (رغم أهميتها)، وعلينا اليوم قبل غدً أن نضع سياسة إعلامية جديدة تنظر بجدية للتهديدات التي ذكرنا بعضها، فالأداء الإعلامي يعتبر واحداً من أهم مقومات الدول الحديثة، حيث يعتبر التواصل الفعال مع الجماهير في قمة الأولويات.
 
 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.