تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

تهريب الثروة الحيوانية إلى تركيا و«ترجع» أسلحة وأشياء أخرى؟

مصدر الصورة
تشرين

 

في الوقت الذي تصدر فيه وزارة الزراعة قراراً بإحداث مديرية تسمى مديرية مشروع تطوير الثروة الحيوانية، تشهد الحدود السورية- التركية عمليات كثيفة لتهريب الثروة الحيوانية إلى جانب مادة المازوت وتشير أرقام الجهات المختصة إلى تنامي ظاهرة سرقة وتهريب المواشي إلى دول الجوار خاصة تركيا التي استنزفت الثروة الحيوانية السورية عن طريق تعرضها إلى عمليات انتهاك بالاتفاق ما بين أشخاص وتجار أتراك وسوريين على الحدود وبيعها بأسعار مضاعفة وذلك لجودة لحوم الأغنام والأبقار السورية وتميز جلودها في الصناعة ما ساهم في ارتفاع الأسعار محلياً.

فقد بدأ المواطن يلمس اختلافاً كبيراً بين المستورد والمحلي على الرغم من المواصفات التي تتميز بها اللحوم والدواجن والأسماك الأجنبية وهو ما يبعث على الاستغراب حيث إن تجاراً من تركيا قد استغلوا الإرباك الحاصل على الحدود في الاستفادة من الثروة الحيوانية السورية ‏

بداية الخيط ‏

الفوضى التي تشهدها الحدود السورية- التركية يمكن ملاحظتها بالعين المجردة وخاصة فيما يتعلق بتهريب المازوت والماشية، فكل ما يدب فوق الأرض قابل للتهريب، ويشكل تهريب الأغنام آفة متعاظمة تهدد «الثروة الحيوانية» في الصميم، حيث تم إحباط أكثر من عملية تهريب فقد وضع احد الأجهزة المختصة في إدلب يده مؤخرا على شبكة امتهنت تهريب الأبقار إلى تركيا متخذة من طول الحدود مكاناً خصباً لعمليات التهريب التي مازالت مستمرة رغم حملات متواصلة تقوم بها الجهات المختصة، وتشهد الحدود العديد من الظواهر السلبية في مجال التهريب للثروة الحيوانية خاصة الأبقار ولعل ما يؤكد استمرار عمليات تهريب «الثروة البقرية» الارتفاع المستمر والمطرد في أسعار اللحوم الحمراء داخل القطر. ‏

وعلمت «تشرين» أن الجهات الأمنية أوقفت خلال العملية أكثر من 30 مهرباً وبحوزتهم أعداد كبيرة من الأبقار أي ما يقارب الـ50 رأساً من البقر وإلى جانبها المئات من رؤوس الأغنام والماعز قامت بتسليمها إلى مركز مباقر الزربة في حلب بعد تنظيم قضايا جمركية بحق المهربين وضبط مركزين لتمويل مهربي الأبقار في جسر الشغور وحارم، وهاتان المنطقتان تعدان إحدى أهم مناطق الرعي وتسمين الأبقار. ‏

وبينت مصادر مطلعة أن عمليات التهريب بعد أن كانت تتم بواسطة سيارات نقل أغلبيتها من الشاحنات أصبحت الممرات الضيقة وأغصان الأشجار تشارك في عمليات التهريب وقد تفرغ عدد كبير من أبناء القرى في منطقتي حارم وجسر الشغور المحاذيتين لولاية أنطاكية لمهمة الاستلام والتسليم، وتفنن المهربون في طرق التهريب وسلكوا كل الطرق لتجنب نقاط التفتيش الأمنية. ‏

تكشف إحدى القصص عن حجم المغريات التي يخفيها هذا النوع من التهريب، فقد لجأ أحد المهربين وبطريقة عجيبة إلى وضع أغصان الأشجار على الأبقار بقصد إبعاد الأنظار عنه إلا أن خطته لم تثمر فكانت العيون الساهرة والضبط وقضبان السجن في انتظاره. ‏

وكانت مصادر فلاحية قد كشفت عن تفاقم ظاهرة تهريب المواشي وخاصة الأبقار في ظل غياب وزارة الزراعة برصد وتعقب حركة الأسواق وتنقل الماشية بالتعاون مع مصالحها في المحافظات من خلال حملات يتم خلالها التثبت من مصدر الأبقار المنقولة ووجهتها وتحرير بطاقة معاينة يلتزم بموجبها الناقل بعدم التفريط فيها إلا بصورة قانونية. ‏

ويفيد آخرون بأن أكثر نوع يتعرض للتهريب من الثروة الحيوانية هو الأبقار ويشددون على ضرورة التصدي لظاهرة تهريب المواشي، ووضحوا بأن التصدي لهذه الظاهرة يكمن في تحسين مناخ نشاط تربية الماشية عبر تأمين حاجيات المربين من الأعلاف في ظروف مناسبة أهمها توفير الأعلاف بأسعار مناسبة. ‏

تهريب متزايد ‏

وكشف عدد من المواطنين عن عمليات تهريب منظمة للمواشي وبينها إناث المواشي المحظور تصديرها، وتلقت دائرة حماية المستهلك بلاغات من المواطنين تفيد بأن سعر الكيلو غرام من لحم الغنم ارتفع إلى 600 ليرة مقارنة بـ 450 ليرة عن العام الماضي. ‏

وعزا المواطنون التصاعد في أسعار اللحوم إلى عمليات التهريب التي تنشط عبر الحدود السورية- التركية. ‏

ويقول مربي الأغنام جاسم المصطفى: إن تهريب الأغنام والأبقار إلى تركيا انعكس على أسعار اللحوم كلها التي تمثل مصدراً غذائياً مهماً للعائلة والتي بدورها أصبحت قدرتها الشرائية للحوم في انخفاض مستمر بسبب تقلبات السوق المتأثر بالأوضاع الاقتصادية. ‏

ويشير عدد من مربي الماشية إلى أن الأغنام المحلية والماشية عموماً تتميز بمواصفات عالية الجودة وبخلوها من الأمراض ولهذا أصبحت سبباً مهماً في تعرضها للتهريب إلى تركيا، أما السبب الآخر فهو ارتفاع أسعار الأعلاف التي صارت هي الأخرى تُهرب، وكما هو معروف فإن الفلاح بالحدود الجبلية يهتم كثيراً بتربية المواشي في الحقول الزراعية، إلا أن تدني مستوى الإنتاج الزراعي وتصحر أغلب المساحات الزراعية نتيجة شح المياه أدت به الحال إلى بيع أغلب ماشيته قبل أن تتعرض للهلاك. ‏

يذكر أنّه في آخر اجتماع للجنة الزراعية الفرعية في إدلب أشار فرع أعلاف إدلب إلى أن مختلف أنواع الأعلاف متوافرة بالمحافظة بما يلبي حاجة الثروة الحيوانية وأنه يمكن لمربي الثروة الحيوانية الحصول على احتياجات حيواناتهم من مراكز الأعلاف المنتشرة في جميع أرجاء المحافظة كما تم فتح دورة علفية جديدة منذ بداية الشهر الماضي وجميع المخصصات متوافرة. ‏

مخابئ سرية ‏

ويروي بعض سكان القرى الحدودية في منطقتي حارم وجسر الشغور المحاذيتين للأراضي التركية عن وجود بعض المخازن والمراكز مخصصة لعملية تجميع المواد المهربة من «أغنام وأبقار وغير ذلك»، حيث عندما يحين الليل تبدأ عملية شحنها وتهريبها عن طريق الحمير أو مركبات مخصصة لذلك، وإن معظم الماشية المسروقة تتم بالمرحلة ذاتها، وقد يكون أبطالها غرباء عن المنطقة أي من المناطق المجاورة بالاتفاق مع شباب من أبناء المنطقة العاطلين عن العمل التي بلغت درجة اليأس بهم ليكونوا من أتباع عصابات التهريب، هؤلاء الشباب يترصدون الضحايا من سكان مناطق إدلب، فيلتحقون بالمراعي الجبلية ويستولون على مواشيهم وينسبونها إلى مجموعات لصوص في أغلب الأحياء. ‏

وحسب التحقيقات التي كشفت الجهات المختصة عنها أن السارق والضحية يكونان في أغلب الأحيان من العائلة الواحدة نفسها أو هناك قرابة بينهم، كما تفيد تقارير الأمن الجنائي أنه خلال السنوات الأخيرة تم توقيف العديد من الأشخاص من منفذي السرقة الموصوفة للمواشي، وفي هذا الشأن لا تزال تحريات وتحقيقات الأجهزة المختصة متواصلة لوضع حد لهذه العصابات المتخصصة في سرقة المواشي بالاعتماد على شهادات أصحاب الماشية المسروقة الذين يتعرفون إلى مواشيهم بالأسواق الأسبوعية المنتشرة في مناطق المحافظة. ‏

وعلى سبيل المثال فقد شهدت مدينة أريحا قبل يوم من عيد الأضحى المبارك عملية سطو على إحدى زرائب واسطبلات تربية الأغنام حيث تعرض بعض المربين إلى سرقة أغنامهم كاملة التي تجاوز عددها الأربعين رأساً من الغنم، وكان سكان منطقة إدلب في معرتمصرين والهباط أكدوا أن العديد من رؤوس الماشية سرقت من أماكن مختلفة خلال الأشهر الأخيرة الماضية، حيث يستغل اللصوص الذين يحترفون هذا النوع من السرقات حلول الليل بظلامه، وغياب الإنارة بضواحي التجمعات النائية والبعيدة عن الأنظار للسطو على قطعان الماشية والذهاب بها إلى الحدود التركية وبيعها هناك إلى السماسرة ومهربي الثروة الحيوانية. ‏

وكان المهندس عماد الدين البيسوني معاون مدير الزراعة لشؤون الثروة الحيوانية في إدلب قد لفت إلى أن عدد الأبقار في المحافظة وحسب إحصائيات الثروة الحيوانية للعام الماضي يبلغ 56495 رأس بقر في حين يبلغ عدد رؤوس الأغنام 684569 رأساً إضافة إلى 177272 رأس ماعز و105 رؤوس جاموس و161 رأساً من الإبل. ‏

وتشير إحصائيات وزارة الزراعة إلى أن عدد الثروة الحيوانية في سورية يبلغ حوالي 18،5 ملايين رأس منها 15،5 ملايين رأس من الأغنام، وحوالي 1،1 مليون رأس من الأبقار والبقية ماعز وإبل وحيوانات أخرى.‏ ‏

أساليب الظاهرة ‏

يكشف سكان القرى المحاذية لنهر العاصي أن ظاهرة تهريب الماشية بدأت تشهد جملة من التحولات منها لجوء المهربين السوريين الذين يرعون أغنامهم على بعد أمتار فاصلة فقط من نظرائهم الأتراك إلى رمي الخرفان بجانبهم بمجرد مرور دوريات مختصة، والتي لا يمكنها الملاحقة داخل الأراضي التركية، كما إنهم وبالنظر إلى تشدد حراس الحدود في مراقبة الخرفان الصغيرة المرشحة للتهريب، يلجؤون إلى إخفاء الخراف الصغيرة وسط الكبيرة. ‏

ولا بد من لفت النظر إلى أنّ لكل منطقة في الشريط الحدودي اختصاصها التهريبي الغالب وليس الوحيد، فالمناطق كلها تشتهر بتهريب المازوت، ففي منطقة جسر الشغور إلى جانب المازوت تهرب المواشي والأبقار، أما منطقتا سلقين وحارم فتشتهران بتهريب المازوت. ‏

وفي ظل تنامي ظاهرة التهريب على الحدود الشمالية السورية فرض على المهربين استعمال وسائل جديدة كالحقائب الظهرية لتهريب المخدرات، واستعمال الدراجات النارية لتجاوز المسالك الجبلية، غير أن أكثر الوسائل قلباً للمعادلة هي الهاتف النقال، فمنذ انتشاره صارت عمليات التهريب عمليات حسابية تعتمد على السرعة والجاسوسية والمراقبة، وليس رجال الجمارك هم فقط من يراقبون... بل هم مُرَاقَبون أيضاً من مخبرين يوظفهم المهربون الكبار والعاديون بمبالغ مالية حيث يفضل هؤلاء الانتشار على شكل رعاة ويقومون برصد تحركات كل من هبَّ ودبَّ في مناطق الحدود. ‏

إجراءات المكافحة ‏

وحول الإجراءات المتبعة للحد من عمليات التهريب يكشف عناصر الجهات المختصة والضابطة الجمركية أن هناك العديد من الإجراءات التي تنفذ من قبل الدوريات، للقضاء على التهريب بكل أشكاله ومنافذه، وهذه الإجراءات تتمثل بتعقب المهربين ومداهمة أوكارهم واستخدام المخبرين، إضافة إلى نشر السيطرة، والدوريات، في الأماكن الحدودية والطرق التي يسلكها المهربون، مشددين على ضرورة أن تتبع هذه الإجراءات، عقوبات قانونية صارمة بحق المخالفين. ‏

وعبروا عن أسفهم على أن كل المهمات التي تنفذها شرطة الجمارك، من مصادرة المواد المهربة، والقبض على المهربين، والتضحيات التي تقدم في سبيل ذلك، تقابل بإجراءات قانونية ضعيفة تتخذ بحق المهربين فتصيبهم بالإحباط. ‏

وتفيد مصادر مطلعة في ضابطة جمارك إدلب أن عناصر الضابطة تمكنوا خلال الأشهر العشرة الماضية من هذا العام، من مصادرة 459 رأساً من الثروة الحيوانية كانت بصدد التهريب إلى تركيا وتحقيق 49 قضية جمركية بلغت غرامتها حسب إحصائيات الضابطة /27503100/ ليرة. ‏

يشار إلى أن رؤوس الثروة الحيوانية المضبوطة موزعة على الشكل التالي: 260 رأس بقر و130 رأس ماعز و69 رأس غنم.. ‏

خطة ‏

من يقف على أطلال جبال حارم وجسر الشغور المطلة على أراضي أنطاكية يلاحظ أن ثمة خللاً واضحاً في كيفية توزيع مراكز المراقبة المتقدمة، ويبدو هنا أن الجانب السوري يدفع أحياناً ثمن الأخطاء الإدارية، فعدد المراكز السورية المتقدمة على طول 150 كم تكاد تكون معدومة وهي كذلك... في حين يصعب إحصاؤها في الجانب التركي. ‏

*- علام العبد

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.