تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

مباحثات الحرب والسلام

تدرك إدارة الرئيس أوباما أن منطقة في العالم لم تعانِ من الآثار المدمرة لحقبة المحافظين الجدد مقدار ما عانته منطقة الشرق الأوسط التي شهدت أربع حروب في سبع سنوات (أفغانستان، العراق، لبنان، غزة).

الإدارة الديمقراطية الجديدة تعهدت منذ أيامها الأولى بمحو آثار تلك الحقبة السيئة الذكر من خلال نبذ الصدام والتأكيد على الدبلوماسية وسيلة لحل النزاعات الإقليمية. لا يتوقع أحد بالتأكيد أن تتخلى واشنطن بالجملة عن تقاليد راسخة في سياساتها تجاه المنطقة، لكنها في إطار محاولتها فتح صفحة جديدة مع منطقة عانت الأمرين من مقاربات عسكرية متطرفة، تبدو بأمسّ الحاجة لتحقيق إنجاز دبلوماسي من العيار الثقيل، وأي شيء يمكن أن يعادل بأهميته حل الصراع العربي- الإسرائيلي الذي استعصى على إحدى عشرة إدارة أمريكية سابقة على اختلاف درجات اهتمامها به.
العقبة الوحيدة التي تقف بين أوباما وتحقيق مثل هذا الإنجاز التاريخي هي إسرائيل بحكومتها اليمينية المتطرفة التي تعمل وفق أجندة متعارضة تماماً مع ما تسعى واشنطن إلى تحقيقه في هذه المرحلة.
هذا التعارض تعكسه ازدحام الوفود الأمريكية التي تزور المنطقة هذه الأيام. ففي الوقت الذي يسعى فيه مبعوث السلام إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل ومساعداه إلى فتح ثغرة تسمح باستئناف مفاوضات السلام على أسس تسمح بذلك، يصل وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس إلى إسرائيل لمناقشة مسألة الدرع الصاروخي والملف الإيراني.
خلال الأسبوع الماضي، أثارت تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون الذعر بين أركان الحكم في إسرائيل عندما تحدثت من تايلاند عن استعداد واشنطن لتوفير مظلة حماية أمنية لحلفائها في حال امتلكت إيران قدرات نووية.
تصريحات كلينتون بدت وكأنها تقر أمراً واقعاً لا تستطيع واشنطن فعل الكثير حياله. غيتس سوف يسعى من جهة إلى احتواء آثار تصريحات كلينتون، لكنه من جهة أخرى سيحذر إسرائيل من مغبة ارتكاب أي حماقة تؤدي إلى إشعال المنطقة والتخريب بالتالي على جهود التهدئة الأمريكية.
زيارة غيتس– الذي يعتبر من أشد المعارضين لمواجهة عسكرية مع إيران - استدعاها أيضاً السلوك الإسرائيلي تجاه الأحداث التي وقعت الأسبوع الماضي بين قوات اليونيفيل والقرويين اللبنانيين، حيث بدا واضحاً أن حكومة نتنياهو تحاول حرف التركيز الأمريكي عن عملية السلام وإعادة تسليط الأضواء على موضوع سلاح حزب الله والدور الإيراني في المنطقة.
إسرائيل تفعل ذلك في الوقت الذي لم تتوقف فيه عن محاولات استفزاز الإيرانيين من خلال تحركاتها العسكرية الأخيرة سواء في البحر الأحمر أو في بحر العرب.
واضح أن نتنياهو يحاول تكرار اللعبة السقيمة ذاتها التي سبق أن مارسها رئيس الوزراء السابق أرييل شارون. فمنذ جاء هذا الأخير إلى الحكم مطلع العام 2001 راح- في إطار سعيه للتهرب من استحقاقات السلام- ينذر ويكرر إن المشكلة الحقيقية في المنطقة هي العراق.
الآن يحاول نتنياهو إقناع واشنطن أن المشكلة هي إيران لأنه ليس راغباً في حل الصراع مع العرب. الفرق الآن هو وجود إدارة أمريكية أكثر اهتماماً بعملية السلام وأقل استعداداً للتماهي مع المواقف الإسرائيلية. إن شعور نتنياهو بتراجع احتمال قيام واشنطن بتنفيذ عملية عسكرية ضد إيران، دفعه إلى محاولة تحدي الإدارة الأمريكية برفضه تجميد بناء المستوطنات في القدس الشرقية ومحاولة التحرش بلبنان. في مقابل ذلك، تريد إدارة أوباما إيقاف بناء المستوطنات، وإطلاق مفاوضات على المسارين الفلسطيني والسوري في إطار مقاربة شاملة لعملية السلام وتأجيل الحديث عن مواجهة مع إيران.
إن إسرائيل تحضر لحرب وتسعى لها وتريد جرّ واشنطن إليها كمخرج من الضغوط التي تتعرض لها، في حين تسعى هذه الأخيرة بفعل عوامل التعب التي أصابتها بعد حروب الحقبة البوشية إلى التهدئة ودفع جهود السلام.
إسرائيل ستحاول إقناع غيتس بضرورة الحرب وأولويتها لمنع تحول إيران إلى قوة نووية، وهي ستحاول إقناع ميتشل بتأجيل أحاديث السلام حتى إنجاز المهمة لأن الطريق إلى السلام الموعود يمر بالنسبة لإسرائيل في طهران بعد أن مر سابقاً في بغداد قبل أن يضل غايته. فأيهما ينتصر سيناريو الحرب أم سيناريو السلام، وهل يكسر عطش نتنياهو إلى الحرب إرادة أوباما في السلام؟

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.