تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

بانتظار مبادرة أوباما!!

حسب الكاتب ريتشارد هيس في كتابه الهام جداً بين حربين، الذي راجعه مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق زبيغنيو بريجنسكي في مقال نشرته مجلة فورين أفيرز الشهيرة، فإن إدارة الرئيس بوش (الأب) استبقت مؤتمر مدريد للسلام في العام 1991 بإقناع منظمة التحرير الفلسطينية بالتخلي عن إنكار وجود إسرائيل مقابل إقناع الإسرائيليين، وكان رئيس وزرائهم وقتها اليميني المتطرف إسحاق شامير، بالعدول عن توقهم غير المنطقي لتحقيق حلم الدولة الإسرائيلية الكبرى.

 
كان وزير خارجية الولايات المتحدة في ذلك الحين جيمس بيكر وقد ساعده في صوغ هذه المعادلة المشار إليها آنفاً كل من ريتشارد هيس هذا نفسه ودينيس روس ودانييل كورتزر وحقيقة أن موقف جورج بوش (الأب) الحازم جداً حيث كان فعل ما يفعله الآن باراك أوباما برفض استمرار الإسرائيليين ببناء المستوطنات واستخدام سلاح القروض الائتمانية ضد شامير وإسقاطه لحساب فوز إسحاق رابين قد فتح كل تلك الآفاق التي فتحت أمام عملية السلام قبل أن تصاب بالانتكاسة المستمرة حتى الآن .
 
حول هذه المسألة ضمن زبيغنيو بريجنسكي مقاله في الـ فورين أفيـرز ما يلي : لكن هزيمة بوش (الأب) في انتخابات نهايات العام 1992 قد أطاحت جهود السلام الأمريكية وهكذا ومع اغتيال إسحاق رابين فقد فقدت واشنطن شريكاً شجاعاً في عملية السلام ... ولعل ما بدد الآمال التي أعقبت مؤتمر مدريد أن إدارة بيل كلنتون تقاعست عن متابعة جهود بوش (الأب) وأنها عندما حاولت تدارك الأمور في نهايات الولاية الثانية لم تجد ما تفعله سوى تنظيم مؤتمر كامب ديفيد الثاني بطريقة مستعجلة وارتجالية فجاءت النتيجة ذلك الفشل الذريع الذي انتهت إليه تلك المحاولة.
 
وحسب ريتشارد هيس أيضاً فإن جـــورج بوش (الابن) قد أخفق في تحقيق السلام الحق الذي يضمن أمن إسرائيل ويوفر الحـل العادل الذي يريده الفلسطينيون وأنه، أي بوش (الابن)، قد اقترح خريطة طريق ملتبسة المعالم ومجهولة الأهداف وحيث لعبت الولايات المتحدة لتطبيقها دور الوسيط غير المحايد والمنحاز إلى الإسرائيليين وكانت النتيجة دخول العملية السلمية المأزق الذي دخلته والمستمر حتى هذه اللحظة .
 
وهكذا فإن المطلوب الآن هو أن يستخلص الرئيس أوباما العبر التي تضمنها كتاب هيس هذا المشار إليه وأن يتفادى الوقوع في الأخطاء التي وقع فيها كل من بيل كلنتون وبوش (الابن) فالمسألة ليست مسألة التقدم بمبادرات وتصورات على الورق إنها أولاً مسألة أن تلعب الولايات المتحدة دور الوسيط المحايد فعلاً وثانياً أن يتسلح الرئيس الحالي بالحـــزم الذي تسلح به بوش (الأب) ويلزم بنيامين نتنياهو بما كان ألزم به الرئيس الأسبق إسحاق شامير وساقه مرغماً إلى مؤتمر مدريد.
 
الآن ليست مصداقية الولايات المتحدة وحدها هي التي في الميزان بل أيضاً مستقبل مصالحها الإستراتيجية في هذه المنطقة وفي كل إطار ما بعد هذه المنطقة ولهذا فإن لم يكن الرئيس باراك أوباما، الذي من المتوقع أن يكشف النقاب عن مبادرته الموعودة قريباً، حازماً مع هذه الحكومة الإسرائيلية كحزم بوش (الأب) مع حكومة إسحاق شامير السابقة فإن أمريكا ستخسر فرصة تاريخية، وإن قطباً دولياً جديداً سيظهر ولو بعد عقد أو عقدين من الزمن ليملأ الفراغ الذي سيحصل، ليس في الشرق الأوسط وحده وإنما في العالم بأسره في حال فشلت عملية السلام.
 
إذا كان باراك أوباما لن يتحلى بالحزم المطلوب إلى جانب الحكمة المفترضة فإنه من الأفضل ألا يتقدم بمبادرته هذه التي يجري الحديث عنها فأهل هذه المنطقة وفي مقدمتهم الفلسطينيون ملّوا المبادرات التي انتفخ بها أرشيف هذه القضية وهنا فإنه على الرئيس الأمريكي أن يدرك أن ترك بنيامين نتنياهو ومن معه من غلاة اليمين المتطرف يتلاعبون بمصير الشرق الأوسط، الذي هو على كل هذه الأهمية الإستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة، سوف تكون عواقبه وخيمة وأول هذه العواقب هو تقويض سياسة الأمن القومي الأمريكية هنا في هذا الإقليم الشرق أوسطي وفي الإطار الذي يمتد إلى أفغانستان وبحر قزوين حيث لأمريكا مصالح حيوية إستراتيجية أيضاً.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.