تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الإعلام وفن صناعة الأمل

تعتبر وسائل الإعلام بمختلف أشكالها من أهم عناصر البناء الاجتماعي والسياسي والثقافي والتنموي ,

 ومن خلال ذلك الدور تعوّل الكثير من الدول والحكومات والمؤسسات على وسائل الإعلام الكثير من الآمال للقيام بدور محوري وبنائي في إطار رسم السياسات العامة سواء على الصعيد الداخلي أم الخارجي، ولا يقل الدور الداخلي أهمية عن الدور الخارجي في ظروف معينة وبالمقابل يمكن لوسائل الإعلام أن تقوم بدور سلبي من خلال إشاعتها لثقافة اليأس والإحباط وإضعاف الشعور العام بالمسؤولية و الثقة بمؤسسات الدولة ، ومحاولة خلق انطباعات سلبية عامة حول قضايا استراتيجية تتعلق بعملية البناء والإصلاح والتنمية.‏
 
إن محاولة إشاعة مثل تلك الثقافة هي أحد أهم الأسلحة التي تلجأ إليها القوى التي لا تريد خيراً لبلدها، ويضيرها أن يحقق نجاحات مهمة على كافة الصعد السياسية والتنموية، إنها أشبه ما تكون بحرب من دون إطلاق نار، وتكمن خطورتها بأن أسلحتها داخلية وتلبس أحيانا لبوس الحرص على المصلحة العامة ومحاربة الفساد ونقد المظاهر السلبية في السلوك العام والخاص وتحت مسمى النقد وشتان بين هذه وتلك، فثمة بون شاسع بين الناقد والحاقد، فالنقد بناء والحقد هدام وهنا تكمن أهمية التمييز بين هذه وتلك وهنا يبرز دور وسائل الإعلام في إبراز النقد الايجابي ومحاربة النقد الهدام الذي لايرى الأشياء إلا من خلال رؤية سوداوية تعكس موقفاً سلبياً أحادي النظرة بعيداً كل البعد عن النظرة الموضوعية، رؤية لا ترى الأشياء بحجمها الحقيقي وإنما كما تتخيلها أو ترغب أن تراها.‏
 
إن لوسائل الإعلام على مختلف أشكالها سواء المقروءة أم المسموعة أم المرئية دوراً مهماً يمكن أن تضطلع به وهي أنها من أهم أدوات البناء والتنمية من خلال قوة تأثيرها وفعلها ووظيفتها وأهمية ومصداقية خطابها التي تتبناه ودورها التنويري والتنموي والتربوي والتعبوي ، وهذا لا يتحقق إلا من خلال كفاءة ووعي القائمين عليها وإيمانهم بأهمية ذلك وقدرتهم على ترجمته قولاً وعملاً عبر البرامج والخطط والاستراتيجيات التي يضعونها ، وتهيئة الكوادر القادرة على تمثل كل هذه المعاني والانخراط فيها ذهنياً وعملياً لكي تشكل ثقافة عامة في الوسط الإعلامي بكل عناصره ومكوناته .‏
 
إن خلق روح جماعية تنصهر فيها كافة المؤسسات المعنية بعملية البناء على مختلف مستوياتها، هي الخطوة الأساسية والمحورية للوصول إلى الأهداف التي تسعى إليها عملية التنمية الشاملة ، ولا يمكن لذلك أن يتحقق من دون تشكيل تيار شعبي واسع الطيف يعبّد الطريق ويشكل الوقود الحقيقي والقوة الدافعة لتحقيق تلك الأهداف.‏
 
إن الأفكار التي تطرح وكذلك الاستراتيجيات العامة لايمكن لها أن تجد طريقاً إلى النجاح إن لم تتوفر البيئة الاجتماعية والثقافية الحاضنة لها، وهنا يبرز دور وسائل الإعلام في إيجاد تلك البيئة والمساهمة الفعالة، وتهيئة التربة الصالحة لذلك.‏
 
إن فن صناعة الأمل هو تحد كبير ومسؤولية وواجب يلقى على عاتق كافة القوى المعنية بعملية البناء الوطني ، من خلال نشر ثقافة التفاؤل بالمستقبل والثقة بالخطط التي تضعها الدولة والمساهمة في تنفيذها بدل التشكيك فيها ووضع العصي في عجلاتها وعرقلة نجاحها وقتل روح المبادرة عند الأفراد والمؤسسات .‏
 
لقد علّمتنا تجارب الشعوب الكثير من الدروس في هذا المجال، ولعل التجربتين اليابانية والألمانية هما الأبرز في ذلك، فقد تعرَّض كلا البلدين إلى ظروف قاسية وصعبة ومعقدة ولكن إرادة الحياة والإصرار على النجاح والانتصار على الواقع بقيت حية في نفوس أبنائهما، واستطاع البلدان تحقيق ما يشبه المعجزة خلال عقدين من الزمن فأصبحا يحتلان الترتيب الثالث والخامس في أكبر اقتصاديات دول العالم، وكان لوسائل الإعلام الدور الكبير في ذلك من خلال تحفيز روح المبادرة والتحدي وحب الوطن وزرع وتعزيز ثقافة العمل والانجاز في نفوس أبنائهما، وبالمحصلة انتصرت ثقافة التفاؤل والانجاز على ثقافة اليأس والإحباط ومحاولة إدخال شعوبهما في خنادق اليأس.‏
 
وإلى جانب ذلك تبرز التجربة الصينية رائدة في هذا المجال عبر تركيزها على نشر ثقافة العمل و النزاهة والتناغم الاجتماعي وتكامل القطاعات الاقتصادية، ما جعل الصين تحتل المرتبة الرابعة في قيمة الناتج المحلي خلال عقدين من الزمن.‏
 
لقد أثبتت دروس التاريخ أن اشد أنواع الهزائم هي الهزيمة النفسية لأنها تدمر كل الطاقات وتبدد كل القوى ، وإن أقوى أسلحة الانتصار هو سلاح الإرادة وروح التفاؤل المقرونة بالعلم والعمل لأنها تحول كل الأشياء إلى كائنات حية تعمل وتنجز في كل زمان وتحت كل الظروف

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.