تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

كيف يرى العرب (أبو حسين) الذي لا يراهم

مصدر الصورة
تشرين
نجح الرئيس الأمريكي باراك أوباما بغزو عقول وقلوب الملايين داخل أمريكا وخارجها بفضل مهاراته الخطابية المؤثرة وقدراته الاستثنائية على بث الأمل ونشره لدى الآخرين. وهو ما أهله للفوز بثقة الشعب الأمريكي الذي انتخبه كأول رئيس أسود في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية ما قاده أيضاً لنيل جائزة نوبل للسلام التي أثار حصوله عليها جدلاً لم ينقطع بعدُ حول مدى استحقاقه لها خاصةً أنه رُشح للفوز بها بعد أربعة عشر يوماً فقط من دخوله البيت الأبيض ومباشرته مهام منصبه وقبل أن نشهد تجسيداً فعلياً لخطاباته المؤثرة ووعوده الانتخابية!!.
 
ولم يخرج العرب، بطبيعة الحال، عن دائرة هذا الانبهار العالمي بأوباما فصلّوا لأجله ورتلوا الدعوات لفوزه وسهروا للفجر يترقبون إعلان انتصاره وكادوا يقفون بينه وبين زوجته ميتشيل لتقبل التهاني بدخوله البيت الأبيض!!. ‏
 
كيف لا وباراك هو الغالي ابن الغالي حسين أوباما.. حتى إن صحفنا امتلأت بالمقالات التي تمجّد فوز (أبو حسين) وهو الاسم الذي أطلقه البعض، وفقاً للتقاليد العربية، على الرئيس أوباما!!. ‏
 
ولم تكن هذه المشاعر عابرة أو شخصية ولا فردية بدليل أن استطلاعات الرأي التي أجرتها مراكز الأبحاث الدولية المتخصصة قد أثبتت هذه النظرة الايجابية والآمال العريضة التي علقها العرب على أوباما ووضعوها أمانة في رقبته وعادوا بعدها إلى سباتهم المداري بعد أن نقلوا همومهم ومشاكلهم وقضاياهم واحباطاتهم إلى أبو حسين الذي بات يتعين عليه أن يتفرغ لحلها بعد أن منحه الشارع العربي ثقته بدليل استطلاع للرأي أجرته جامعة ميرلاند في ست دول عربية، للوقوف على رؤية شعوب المنطقة للسياسات الأمريكية تجاه قضايا منطقتهم. حيث أظهر هذا الاستطلاع أن 50% لديهم رؤية إيجابية عن (أوباما)، وقد انعكست الرؤية الإيجابية للمستطلعين العرب عن (أوباما) في ارتفاع أملهم بشأن السياسة الخارجية الأمريكية تجاه قضايا المنطقة. فبعد أسابيع قليلة من وصول إدارة أوباما إلى البيت الأبيض عبر 59% من المستطلعين العرب عن أملهم في سياسة أمريكية جديدة تجاه منطقة الشرق الأوسط. ‏
 
ولكن المشكلة أن السيد أبو حسين أوباما قد خيّب حتى الآن آمال معظم المحبين له والمراهنين عليه، صحيح أنه لم يصل بعد لدرجة السوء التي بلغها سلفه جورج بوش والتي يتعذر على أي رئيس عاقل أن يبلغها، إلا أنه أيضاً لم يحقق شيئاً ملموساً مما وعد به حتى الآن، فإذا كان 59% من المستطلعين العرب راهنوا على سياسة أمريكية جديدة غير منحازة لإسرائيل في منطقتنا فإن سياسات أوباما وأفعاله، لا أقواله، لا تزال شديدة الانحياز لإسرائيل حتى الآن. ‏
 
فبعد أن بدأ بقوة وعين مبعوثه الخاص للشرق الأوسط بسرعة قياسية سرب معلومات عن نيته الضغط على إسرائيل لوقف الاستيطان كليّاً وهو ما بث بعض الأمل الذي سرعان ما تبخر بعد أن بدأ بمسلسل تراجعاته وتنازلاته، فبدلاً من وقف الاستيطان كلياً بات يتحدث عن تجميد جزئي له، وبعد أن كان يتحدث عن ممارسة الضغوط على إسرائيل عاد ليأمل منها التجاوب مع أفكاره التي تستهدف أوّلاً وأخيراً الحفاظ على أمن إسرائيل وضمان استمرار بقائها ووجودها. ولحفظ هيبته قليلاً وصون ما تبقى من مكانة منصبه يبدو أنه عاد ليقرر ممارسة الضغوط الفعلية والجدية هذه المرّة ولكن المفاجأة أن أبو حسين أخطأ العنوان فاتجه صوب العرب ليضغط عليهم لقبول التطبيع المسبق مع إسرائيل وإعلان تخليهم الاستباقي عن حق العودة على أمل إغراء إسرائيل وجذبها لما بات يسمى مجازاً عملية السلام!! وعندما لم يلق التجاوب الذي كان يأمله حرد قليلاً وأرجأ طرح مبادرته المنتظرة على أمل أن يستجيب العرب كثيراً لضغوطه عليهم ويخفف الإسرائيليون قليلاً من ضغوطهم عليه!!. ‏
 
ولم تتوقف خيبات الأمل العربية من السيد أوباما من جمود عملية السلام وإنما أيضاً، وهذا هو الأخطر، من استمرار توفيره مظلة أمان قانونية وسياسية تحمي إسرائيل من أي مساءلة أو عقاب أمام أي مرجعية دولية أو محفل أممي وهذا ما بدا واضحاً من تداعيات تأجيل ومن ثم إقرار تقرير غولدستون ومعارضة أمريكا له عند التصويت عليه في مجلس حقوق الإنسان ومن ثم التهديد بانتظار تحويله إلى مجلس الأمن لعرقلة تفعيله هناك وهذا هو السيناريو الأقرب حدوثاً بفيتو أمريكي أو من دونه!!. ‏
 
والأخطر من هذا وذاك أن هذه السياسة الأمريكية التقليدية المنحازة لإسرائيل نقلت إلى تل أبيب رسالة واضحة مكّنتها من الاستمرار في ارتكاب جرائمها وانتهاكاتها بحقنا.. ما دام العم سام، أبيض كان أم أسود، لن يتغير معها على الإطلاق، وهو ما شهدناه على أرض الواقع طوال الأيام الماضية من تهويد لأراضي القدس وتنكيل وحشي بسكانها. ‏
 
ولكن لماذا خيب أبو حسين كل هذه الآمال التي عُلقت عليه عربياً؟ ولماذا حطم قلوب محبيه ومريديه وصبيانه وغلمانه ومنتظريه من المحيط إلى الخليج بهذه الصورة القاسية والسرعة القياسية؟!. ‏
 
أم تراه لم يقرأ بعد استطلاعات الرأي السابقة التي أجرتها المؤسسات الأمريكية على الشعوب العربية؟ ‏
 
لا شك في أن اوباما قد قرأ الاستطلاعات جيداً وفهم معانيها وأدرك دلالاتها وعمل على تجسيدها على أرض الواقع، مع وجوب الانتباه لملاحظة هامة، تتعلق بأن الاستطلاعات التي قرأها أوباما واهتم بها وعمل على هداها هي تلك التي تحدد ماذا يريد الشعب الأمريكي، لا العربي، من أوباما!! فهو الذي انتخبه وهو الذي أوصله إلى البيت الأبيض وهو أيضاً من يملك وحده حق التجديد له لولاية ثانية أو خلعه من منصبه بعد أربع سنوات. وهنا تشير الاستطلاعات إلى أن الرأي العام الأمريكي يرجح المصالح الإسرائيلية المرتبطة بالأمن ووضع إسرائيل في توازن القوى الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط وهو ما توضحه نتائج الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة التعاون الأمريكي ـ الإسرائيلي من أجل تحديد الأولويات التي ينبغي التركيز عليها حالياً والتي أكد فيها حوالي 90% ممن شملهم الاستطلاع تأييدهم لضرورة حث الفلسطينيين على وقف تعليم أبنائهم كراهية إسرائيل. بالتوازي مع تأييد حوالي 91% لأولوية وقف (المليشيات) الفلسطينية لإطلاق الصواريخ على مستوطنات ومدن جنوب إسرائيل، وذلك في مقابل تأييد 38% فقط لوقف النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية!!. ‏
 
وفي السياق ذاته كشف استطلاع للرأي أجرته مؤسسة (بيو) أن حوالي 48% من الأمريكيين لا يفضلون انخراط الولايات المتحدة بصورة أكبر في مفاوضات التسوية بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، كما كشف استطلاع آخر أجرته مؤسسة (إيبسوس) عن معارضة حوالي 45% من الأمريكيين لدعم الولايات المتحدة لإقامة دولة فلسطينية في المرحلة الراهنة. ‏
 
وبالتالي يمكن القول إن الرأي العام الأمريكي لا يفضل بأي حال قيام الرئيس أوباما بالضغط على الحكومة الإسرائيلية اليمينية بزعامة بنيامين نتنياهو لتغيير مواقفها المعلنة حيال عملية السلام ولا يجد ما يبرر انخراط الولايات المتحدة بصورة أكبر في عملية التسوية السلمية للصراع بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. وهو ما يلتزم به أوباما تماماً في سياسته وأفعاله هذه الأيام، وإن كان قد ترك للعرب بعض أقواله وخطاباته التي تسليهم وتُشعرهم بالرضا وتُساعدهم على النوم العميق!!. ‏
 
وبالتالي فإن المشكلة الحقيقية ليست هي في باراك أوباما الذي لن يكون أبداً أبو حسينهم المُنتظر.. وإنما هي في الشعوب التي اعتادت انتظار الفرج من غير مكانه، وهي أيضاً في الحكومات التي لم تستوعب بعد أن تغيير الأشخاص في الغرب لن يؤدي، كما يحدث عادةً في الشرق، إلى تغيير كامل في السياسات والمصالح والمبادئ أيضاً. وهذا ما يتعين على العرب، حكاماً ومحكومين، أن يستوعبوه جيداً من أجل العمل على تنفيذ ما يريده الشعب العربي من حكامه لا من اوباما الذي يبدو حتى الآن وفياً جدّاً لما يأمله الشعب الأمريكي منه. ‏
 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.