تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الفضاء الإعلامي السوري التركي وأهمية التواصل

تلعب وسائل الإعلام في تركيا دوراً مهماً في الحياة العامة ، وتعتمد عليها القوى السياسية بشكل كبير في تعبئة الرأي العام حول العديد من القضايا التي تعتبر مثار جدل ، ويتشكل حولها اصطفاف شعبي وتعكس وجهات نظر لقوى سياسية مهمة وفاعلة في الحياة السياسية التركية.

 
ومن يتابع الحراك السياسي والاجتماعي في تركيا منذ إعلان الجمهورية التركية في منتصف العقد الثالث من القرن الماضي يلمس تنافساً قوياً بين تيارين مهمين شغلا تركيا لفترة طويلة ولا يزالان، الأول عمل على غربنة الحياة العامة ومحاولة إلحاق تركيا ثقافياً بأوروبا وسلخ هويتها المشرقية، وكرّس ذلك دستورياً ومؤسساتياً عبر المؤسستين العسكرية والقضائية وحوّله إلى خطاب رسمي للدولة التركية إلى درجة أنه منع كل القوى الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام من الدعوة إلى أي سلوك أو نشاط له طابع إسلامي، وهو ما يتناقض مع بنية النظام العلماني الذي يعني فيما يعنيه الحيادية من الدين وعدم إدخاله في الحياة السياسية، وعلى خلفية مناهضة النشاط الديني أغلقت العديد من الصحف ذات التوجه الإسلامي في تركيا وكذلك نشاطات الجمعيات والمدارس بما في ذلك منع المحجبات من دخول الجامعات أو ممارسة الوظائف العامة ، ما حذا رئيس الوزراء الحالي السيد رجب طيب أردوغان إلى إرسال ابنته للدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك الأمر بالنسبة لعشرة آلاف فتاة ذهبن للدراسة في أذربيجان ، واستمر ذلك حتى بداية القرن الحالي ، ومع وصول حكومة حزب العدالة والتنمية الذي انتهج سياسة انفتاح على المجتمع التركي بكل أطيافه السياسية وتنوعه الثقافي والعرقي، وراعى فيه بنية المجتمع التركي وثقافته وبنيته الروحية وتاريخه وانتمائه إلى محيطه الإسلامي والمشرقي عموماً ، دبّ حراك جديد في الحياة العامة التركية على الصعد السياسية والاجتماعية والإعلامية وكان لوسائل الإعلام التركية على مختلف انتماءاتها الإيديولوجية وتوجهاتها السياسية دور أساسي في مواكبة ذلك التحول ، والمساهمة في تشكيل رأي عام حوله ، ومن يستعرض بنية الإعلام التركي الذي يشكل جسماً مهماً في الحياة التركية ورقماً صعباً ويظهر ذلك جلياً من استعراض مكوناته واستطالاته عمودياً وأفقياً، فالصحافة التركية تعود من حيث النشأة إلى بداية القرن الثامن عشر أيام السلطنة العثمانية، حيث صدرت عشرات الصحف في مختلف ولاياتها بلغت مع بداية القرن العشرين أكثر من مئة وثلاثين صحيفة، كان العديد منها يصدر باللغة العربية ومع إلغاء نظام السلطنة وقيام الجمهورية التركية أغلقت عشرات الصحف ولم يبق سوى خمس صحف تمثل وجهة نظر الحكومة التركية الكمالية وفي مقدمتها صحيفة الجمهورية ثم حريت ومليت وغيرها من صحف كانت في الحصيلة تدعو للغربنة وإلحاق تركيا بالثقافة الأوروبية وفصلها عن محيطها الإسلامي، ولم يحدث تحول في ذلك التوجه إلا مع بداية الثمانينات من القرن الماضي مع وصول حكومة تور كوت اوزال ، ولكن الانعطاف المهم كان مع وصول حكومة السيد رجب طيب اردوغان للحكم.‏
 
ومن خلال استعراض وضع الصحافة التركية في الوقت الراهن يتشكل لمتابع الشأن الإعلامي التركي تصور عام لهذا الإعلام بكل مكوناته، ففي تركيا تصدر حوالي 3450 صحيفة مركزية ومحلية و1090 محطة إذاعية مركزية ومحلية إضافة إلى أكثر من 248 محطة تلفزيونية فضائية ومحلية تسيطر عليها سبع مجموعات إعلامية ومؤسسات كبرى يمكن تصنيفها من حيث توجهها الإيديولوجي إلى اتجاهين خمس منها ذات توجه ليبرالي ويساري واثنتان ذات توجه إسلامي ويبرز اسمان مهمان فيما يمكن تسميته إمبراطورية إعلامية تركية وهما مؤسستا دوغان وفتح الله غولين تسيطران على أغلبية وسائل الإعلام التركية ، ومن خلال استعراض أهم الصحف في تركيا من حيث الانتشار والتوزيع نجد أن أكثر الصحف صعوداً من حيث أرقام الطباعة والتوزيع صحيفة «زمان» التي وصلت مطبوعاتها إلى حوالي 900000 نسخة توزع يومياً علماً أنها صدرت في النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي وكذلك صحيفة «ستار» ذات الانتشار الواسع في السوق الإعلامي التركي.‏
 
والمتابع لما تكتبه الصحافة التركية عن العرب وقضاياهم ولا سيما قضية الصراع العربي - الصهيوني.‏
 
يلاحظ تحولاً مهماً وإيجابياً في طريقة تعاطي أغلب هذه الصحف مع تلك القضايا وتناولها بشكل موضوعي وتقديمها للرأي العام التركي بعيداً عن أي خلفية إيديولوجية أو موقف مسبق، وهذا ما جعل الرأي العام ينظر إليها بشكل مختلف عما كان يجري سابقاً ، ولا شك أن للتحول السياسي التركي دوراً كبيراً في ذلك إضافة للتواصل الإعلامي والزيارات المتبادلة للإعلاميين الأتراك لسورية وبعض الدول العربية، وإطلاعهم عن كثب على حقيقة ما يجري في المنطقة وما لمسوه من حفاوة ومحبة يكنّها السوريون والعرب عموماً للشعب التركي والرغبة الصادقة في إقامة أفضل العلاقات معه وهذا ما يلمسه أيضاً كل من يزور تركيا ويلتقي فعالياتها السياسية والاجتماعية.‏
 
إن فتح البوابات الإعلامية سيشكل نافذة مهمة وجسراً للتواصل بين الشعبين السوري والتركي ما ينعكس بشكل إيجابي على العلاقات المتميزة التي أرسى دعائمها كل من السيد الرئيس بشار الأسد والحكومة التركية ممثلة بالرئيس غل والسيد رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء، ووجدت قاعدة شعبية واسعة تتفاعل معها وتبارك خطواتها ، وهذا ما يعطيها المزيد من القوة والاستمرار لأنها تحقق مصالح الشعبين وتنعكس بشكل إيجابي على المنطقة مايساهم في تنميتها وازدهار شعوبها ومساهمتهم في تحقيق السلم العالمي .

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.