تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

ليس دفاعاً عن ايران بل حرصاً على مصالحنا العربية..

 

رئيس تحرير مجلة البيادر السياسي : جاك خزمو

 

 

 

 

 

من الممكن حل الملف النووي الايراني بكل هدوء وسهولة وبساطة إذا اعترف العالم بأن من حق ايران وكل دول العالم امتلاك أو الحصول على الطاقة النووية لأغراض سلمية. أما إذا أراد العالم أن يحاسب أية دولة في العالم على "نياتها" و"حسابات وتقييمات أعدائها"، فأن العالم كله سيكون في حالة فوضى، وعدم ثقة وتوتر، إذ أن كل واحد يبدأ بالتفكير السيء والخبيث تجاه الآخر، وهذا أمر خطير ومرفوض.

من يهول ويزّمر ويبالغ بخصوص الملف النووي الايراني هي اسرائيل التي تمتلك قوة وقدرات ومنشآت وأسلحة نووية، وترفض التوقيع على اتفاقية الحد من انتشار الاسلحة النووية، حتى انها ترفض تطبيق وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية كلها، وهي التي تعرّض كل منطقة الشرق الأوسط للأخطار والتوترات والفوضى وعدم الاستقرار نتيجة سياستها التوسيعة المتمردة على كل شيء في العالم لا يخدم مصالحها ومآربها ورغباتها..

تحاول اسرائيل ان توهم العالم بأن امتلاك ايران لسلاح نووي يشكل خطراً على المنطقة كلها، أما امتلاكها لهذا السلاح فهو يوفر الأمن والطمأنينة فقط للشعب الاسرائيلي وليس للمنطقة بأسرها..

وتحاول أن تحرض بعض الدول العربية الخليجية على الانضمام الى المجموعة الدولية المعادية لايران، والتي ترفض امتلاك ايران للطاقة النووية لاغراض سلمية محاسبة ايران على "نواياها"، وكأن هذه المجموعة تستطيع قراءة المستقبل، أو انها "قارئة جيدة للفنجان"، وبالتالي حسمت طبيعة نوايا ايران التي نفى قادتها مراراً وتكراراً سعيهم لذلك، ومؤكدين في الوقت نفسه احترامهم وتطبيقهم لقوانين منع انتشار الاسلحة النووية إذ أن ايران عضو في منظمة الطاقة النووية وتحترم قراراتها.

وتحاول اسرائيل جر اميركا لمواجهة جديدة بعد أن غدرتها وأوقعتها في المستنقع العراقي.. ولكن اميركا تعالج ذلك بهدوء مدركة أبعاد ومخاطر معالجة هذا الملف بصورة "إعتباطية" و"عنترية".. حتى أن اميركا تتريث في فرض عقوبات اقتصادية على ايران بخصوص هذا الملف..

وهناك جهود اسرائيلية حثيثة لاقناع الصين بقبول فرض عقوبات اقتصادية على ايران، وهناك اتصالات من بعض الدول العربية الخليجية – كما تروج وكالات الأنباء – مع الصين لاقناعها بفرض عقوبات على ايران، واستعداد هذه الدول تصدير النفط المطلوب للصين في حالة اتخاذ ايران موقفاً يقطع امداد الصين بالنفط..

تصوّروا، اسرائيل تطالب بفرض عقوبات دولية وهي ذاتها لا تطبق أي قرار دولي، وهذا يؤكد أن العدالة في العالم غائبة، و"العدالة" فقط للقوي، وأظن أن ايران "قوية" إلى حد ما، فلذلك فإن مثل هذه العقوبات لن تؤثر على سياستها، بل ستؤدي الى تمسكها القوي بسياستها الحالية، وهي امتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية.

ولا شك أن اسرائيل تعزف على وتر هذا الملف وتحاول الايقاع بين دول الخليج وايران، وكذلك تحاول اشعال نار الفتنة المذهبية بين الشيعة والسنة في المنطقة العربية، أي أنها تود "خلط" و"خربطة" الأوراق السياسية لهدف أساسي واحد وهو إبعاد الغضب العالمي المتزايد والمتعاظم على سياستها في منطقة الشرق الأوسط، وإجراءاتها القمعية التي لا تعرقل جهود التفاوض والحل السلمي فقط، بل تهدد أمن المنطقة، وتريد أن تدفعه إلى الدمار الشامل..

إذا وقعت مواجهة عسكرية – لا سمح الله – فإن من يدفع الثمن هو العالم الاسلامي سواء ايران أو دول الخليج أو العالم العربي.. وسيتعرض النفط للدمار، وبالتالي فإن مصالحنا ستتأثر وستدمر وسنواجه مشاكل عدة، وهذا ما تسعى إليه اسرائيل من خلال التطبيل والتزمير والمبالغة حول هذا الملف النووي.. وهو ليس ملفاً بل اسرائيل جعلت منه ملفاً لتحقيق مآرب سياسية على ساحتنا العربية، وعلى ساحة الشرق الأوسط.

يجب على قادة دول الخليج العربي أن يكونوا يقظين وواعين حتى لا يقعوا في "الفخ" الاسرائيلي، فايران ليست العدو الأول للعرب، وهي لا تحتل أراضٍ شاسعة، ولا تقتل شعباً، ولا تدمر مدناً، ولا تصفي قيادات، إن من يقوم بذلك هي اسرائيل.. وايران دولة عضو في رابطة دول العالم الاسلامي، ولذلك فهي جارة أولاً، وهي دولة مسلمة ثانياً، ومصالحها مشتركة مع عالمنا العربي في منطقة الخليج ثالثاً.. وإذا اختلفنا مع ايران حول سياسة ما، أو موقف ما، فإنه يمكن معالجة ذلك عبر الحوار الهادىء، ولكن اختلافنا حول موضوع ما لا يستدعي الوقوف الى جانب أعداء الامة بدلاً من استثمار الموقف الايراني ليكون الى جانبنا في مواجهة عدونا الحقيقي.

كل ما نطلبه هو ألا يقع عالمنا العربي، وخاصة دول الخليج، "بشباك" اسرائيل، وينجر نحو مواجهة تخدم اسرائيل أولاً وأخيراً، وعلينا بالعكس الدفاع عن حق ايران وكل دولة عربية في امتلاك الطاقة النووية لأغراض سلمية، وعلينا أن نعمل، وكما طلبت سورية مراراً وتكراراً، على جعل منطقة الشرق الأوسط كلها خالية من السلاح النووي.. وهذا بالطبع يتطلب أن تكون اسرائيل تحت طائلة القانون الدولي وليست فوقه، وأن تنصاع للقرارات الدولية وتطبقها قبل أن تطالب الآخرين باحترام قرارات ورغبات الشرعية الدولية.

علينا أن نهتم بمصالحنا وسلامتنا ومستقبلنا، وعلينا أن نعمل كل ما يخدم هذه المصالح، وان نكون أقوياء لأن هذا العصر هو عصر "الأقوياء"، والعالم وللأسف لا يحترم إلا القوي، والحق لن يدافع عنه ويصونه إلا القوي.

نأمل أن يعي قادتنا العرب في الخليج أخطار ما تسعى اسرائيل إلى جرنا إليه... ونأمل أن ندافع عن كلمة الحق، ولا نخاف من قولها... وعلينا أن نقول لاسرائيل، كفى تمرداً على القوانين الدولية؟ ولا يحق لك التدخل بشؤون الآخرين؟ – ولا يحق لك بتاتاً المطالبة بفرض عقوبات دولية على ايران، لأن العقوبات يجب أن تفرض عليك قبل أيران، لأنك، ومنذ عشرات السنين، وانتِ تضربين بعرض الحائط القرارات الدولية..

ويجب أن يبقى في ذهننا دائما أن عدونا لا يسعى لخيرنا بل لتدميرنا، حتى يبقى مسيطراً على هذه المنطقة، ولن يتردد في استغلال أي ملف للإنقضاض علينا.. والملف النووي الايراني هو أحد هذه الملفات القابلة للتسخين والاستثمار..

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.