تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

مصائر الشعوب رهن التقارير الكاذبة

محطة أخبار سورية

الشائعات التي روّجها تصريح بيريس عبر بعض المصادر الإعلامية المرتبطة بالموساد عن نقل صواريخ سكود من سورية إلى حزب الله، وردود الفعل الأميركية الرسمية حولها، أعادت إلى الأذهان منظر الوزير في عهدي صانعي الحروب بوش الأب و الابن ، كولن باول، في مجلس الأمن عام 2003، حين أمسك زجاجة صغيرة، وادّعى أمام العالم أن أسلحة جرثومية بحجم هذه الزجاجة، قد تعرض حياة الملايين للخطر، وأنّ امتلاك العراق لأسلحة بيولوجية وكيميائية أمر لا غبار عليه، وأن العراق يخدع المفتّشين الدوليين، وأنّ صبر الولايات المتحدة نفد معه، ولم تعد قادرة على الانتظار. وأتذكر جلسات مجلس الأمن في شباط 2003 حين ألقى وزير الخارجية الفرنسي دوفيلبان في ذلك الوقت كلمته الشهيرة دفاعاً عن مشروع التمديد للمفتّشين الدوليين، وعدم استسهال الذهاب إلى الحرب، وحين طالب مفتش الأسلحة الدولي هانز بليكس بفترة مدتها ستة أشهر أخرى فقط لاستكمال عملية التفتيش وتقديم النتائج النهائية الحاسمة إلى مجلس الأمن، بعد أن أكد بالوقائع أن العراق يتعاون بشكل ممتاز في تسهيل عمليات التفتيش، وأن البعثة قادرة على استكمال عملها خلال ستة أشهر. وأتذكر في ذلك الوقت كيف انبرى أكثر من وزير ( ووزيرة) خارجية أوروبي دون أدنى شعور بالمسؤولية التاريخية، يعبّرون عن أن الانتظار لم يعد مقبولاً ولو لأيام، وأن صدام يخدعهم منذ أكثر من اثني عشر عاماً، وأنه من واجب الأسرة الدولية أن تضع حداً لهذا الخداع. وكنت في قاعة مجلس الأمن في تلك الاجتماعات التاريخية، أنظر إلى وجوههم، وأعلم أنهم على يقين بأن ما يقولونه كذب وافتراء، وأنهم يستخدمون الخوف المشروع من الأسلحة النووية ذريعة لشنّ الحرب على العراق وتدمير هذا البلد وإعادته إلى القرون الوسطى كما قال جيمس بيكر لطارق عزيز في فيينا في كانون الثاني 1991. وها نحن اليوم، وبعد سبع سنوات ونيف من جلسات مجلس الأمن تلك، وبعد حرب مدمّرة سفك فيها بوش ومجموعته من المحافظين الجدد دماء أكثر من مليون من المدنيين العزل في العراق، وتم استخدام الأسلحة الأميركية الفتاكة بما في ذلك اليورانيوم المنضب لتدمير العراق أرضاً ومياهاً وزراعة واقتصاداً وثقافة وعلماً وفناً، وبشكل يعتبر هذه الحرب التي جاءت بذريعة (حماية أمن إسرائيل) في عداد جرائم الحرب الكبرى في تاريخ الإنسانية المتحضرة .

 

وها هو كولن باول، وبعد أن غادر الأضواء، وأصبح قادراً على قول حقيقة ما كان يعلم ويعتقد آنذاك، يعترف، ربما بعد صحوة ضمير متأخرة، أنه كان يعلم أن ما كان يقوله أمام مجلس الأمن ليس صحيحاً، ويعتبر البعض هذا الاعتراف ( فضيلة) ودلالة على عظمة الديمقراطية بدلاً من محاسبة المسؤولين عن اختلاق الأكاذيب والترويج لها بهدف شنّ الحروب المدمّرة على الشعوب المسالمة وهم متأكدون من الإفلات من الحساب والعقاب، لأنهم هم الذين يمتلكون زمام المؤسسات الدولية، والمحاكم الدولية ويوجهونها كما يريدون.

 

 

واليوم، وبعد أيام من إعلان بيريس عن كذبته، سارع أحد وزرائه إلى التهديد بما قاله جيمس بيكر سابقاً عن شنّ هجمات على سورية لتدمير جسورها وطرقها ومحطاتها الكهربائية و(إعادتها إلى العصر الحجري) ، وسارعت الدوائر الإعلامية لالتقاط هذه الكذبة والترويج لها أثناء انعقاد مؤتمر أمن الطاقة النووية في واشنطن منذ أسبوعين، والخبر كذب مفضوح إلى درجة أنه مدعاة للسخرية وليس للإجابة، فصواريخ سكود يبلغ طولها عشرات الأمتار، وكل صاروخ بحاجة إلى شاحنة كبرى لحمله ونقله، ولا يمكن لبلد صغير مثل لبنان تحلّق يومياً في أجوائه طائرات الاستطلاع المعادية أن يخفيها. كما أن التقنيين يعرفون إن عملية إطلاق صواريخ سكود عملية تحتاج إلى زمن وجهد، وعمل جماعي، ولا تناسب نوع المعارك التي يخوضها حزب الله في الدفاع عن لبنان ضد الهجمات الإسرائيلية. إن مجرد ترويج كذبة نقل هذه الصواريخ الكبيرة الثقيلة من سورية إلى لبنان، تثير الشكوك عن الأهداف المتوخاة منها خاصة أن ذلك لم يترافق - كما يحدث عادة - مع نشر صور مختلقة لهذه الصواريخ أثناء عملية النقل؟ ولكن ودون أن تقوم إسرائيل بأي من هذه الخطوات، أو تبرهن على أي شيء، فقد أعلن مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان (أن الولايات المتحدة ستعتبر أي نقل لصواريخ سكود من سورية إلى حزب الله عملاً خطيراً وستبقي جميع الخيارات مطروحة على الطاولة في الضغط على دمشق كي ترجع عن ذلك). ‏

 

وامتنع فيلتمان عن تحديد ما إذا كانت الولايات المتحدة قد تأكدت من حدوث أي عملية نقل، فالمهم بالنسبة له أن يكرر ما يقوله الإسرائيليون. كما تقدم نائبان أميركيان بمشروع قرار بغية ( تشديد العقوبات ضد سورية)، واعتبر النائب الديمقراطي اليون انغل وزميله الجمهوري مارك كيرك، المعروفان بتطرف مواقفهما المعادية للعرب، أن عملية النقل(تزعزع استقرار الشرق الأوسط وتشكل تهديداً وجودياً لإسرائيل واستقلال لبنان). ‏

 

كما ذكرت هيلاري كلينتون أن ( الولايات المتحدة أعربت عن قلقها البالغ من التقارير التي تحدثت عن نقل أسلحة معينة إلى سورية واحتمال نقلها فيما بعد إلى حزب الله). ورأت في إرسال السفير الأميركي إلى سورية (أداة تمنحهم نفوذاً إضافياً وتضيف عمقاً وتحليلاً ومعلومات بخصوص تصرفات سورية ونياتها). وأشارت إلى (قائمة شكاوى واشنطن المتواصلة ضد دمشق) والتي تتضمن اتهامات باستضافتها (متشددين) فلسطينيين وأنها تغذّي العنف في العراق. وتُعتبر تصريحات فيلتمان وكلينتون والنائبين الأميركيين، صدى لتصريحات نتنياهو ومتطرفين إسرائيليين آخرين حول سورية فهم كالببغاء يرددون دوماً أكاذيب الإسرائيليين بغض النظر عن مدى افتضاح مثل هذه الأكاذيب . ‏

 

ولكن من الواضح أن كذبة السكود والتصريحات الببغاوية جاءت لتوفير التغطية السياسية اللازمة لفشل إدارة أوباما في مواجهة تعنت حكومة نتنياهو المتطرفة التي رفضت كل الدعوات الأميركية لإيقاف الاستيطان، أو التحرك نحو سلام عادل وشامل، وفي وقت وجه رئيس حكومة الكيان تحديات واستفزازات إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما قاربت حدّ الإهانة لدولة عظمى تسلّح وتموّل كياناً صغيراً يتمرد عليها علنا ً، في هذه المرحلة بالذات تمّ اختلاق أكذوبة نقل صواريخ سكود، لإبعاد الأنظار عن حقيقة أصبحت واضحة، وهي أن ( إسرائيل) هي العقبة الوحيدة للسلام في الشرق الأوسط وبلا منازع ، ولتحويل أنظار الولايات المتحدة إلى خطر وهمي محدق بأمن إسرائيل كي يحصل المسؤولون الأميركيون على فرصة جديدة لاظهار هيبة بلادهم، التي لطخها نتنياهو وليبرمان بالعجز، من خلال إطلاق التصريحات المتغطرسة ضد سورية. كما أن اختراع هذه الكذبة، وفي هذا التوقيت، يهدف إلى تقويض التقدم الإيجابي الذي تحرزه العلاقات السورية – الأميركية في ظلّ إدارة الرئيس أوباما. فمنذ استلام أوباما، وكلما بذل جهداً حقيقياً ومخلصاً لتحسين العلاقات مع العالم الإسلامي عبر تطبيع علاقاته مع سورية والدفاع عن العدالة في فلسطين ، يخترع الإسرائيليون إما قصة السماح بالتسلّل إلى العراق، وإما تغذية ( التشدّد الفلسطيني)، وإما تسليح حزب الله، لوضع حدّ لأي تطور حقيقي ممكن في هذه العلاقات. ‏

 

يدرك العالم اليوم أن الكيان الصهيوني هو عدوّ السلام في الشرق الاوسط، وهو المروّج للحروب الهمجية على العرب، وهو الحائل دون استقرار العلاقات بين الولايات المتحدة والعالمين العربي والإسلامي. فالمتطرفون في إسرائيل وحلفاؤهم في الولايات المتحدة، يخترعون الأكاذيب التي تؤدي إلى الحروب، والمعاناة البشرية، والكوارث، وهم المسؤولون عن تشويه سمعة الولايات المتحدة، وسفك دماء جنودها، وهدر أموالها في حروبها على العالم الإسلامي، فهم المسؤولون عن إلحاق الأذى بالشعب الأميركي وشعوب المنطقة معاً من خلال الترويج لمثل هذه الأكاذيب المفضوحة . ‏

 

الرئيس أوباما، وربما هناك غيره يحاولون تصحيح هذا الوضع ، ولكنهم غير قادرين على التأثير في حلّ هذا الصراع، وبذلك تبقى الغلبة للمتشددين والمتطرفين من العنصريين المعادين للعرب والمسلمين في الإدارة الأميركية وإسرائيل، وتبقى المنطقة والعالم على فوهة بركان إسرائيلي يقذف بأكاذيبه وحروبه وشروره، ويدفّع الشعب الأميركي وشعوب المنطقة ثمن تطرّف وكذب وعطش هؤلاء المتطرفين المتواصل للدماء العربية الذين يجرّون بلداننا ، بلداً بعد آخر، من حرب إلى حرب، ويفلتون من الحساب والعقاب، فيعيدون اختلاق الأكاذيب مستخدمين آلة إعلامية أصبحت بوقاً إجرامياً منصرفاً لنقل الأكاذيب الإسرائيلية دون وازع من ضمير.‏

  

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.