تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

إخفاق القرصنة الإسرائيلية!!

سيمر وقت طويل بالتأكيد قبل معرفة النتائج الحقيقية الكبيرة  للإخفاق الإسرائيلي السياسي والإعلامي والعسكري في القرصنة على أسطول الحرية المتجه إلى قطاع غزَّة. ومما لاشك فيه أن استشهاد هذا العدد الكبير من المتضامنين الدوليين على أيدي قوات النخبة البحرية الإسرائيلية أعاد إلى الواجهة قضية حصار غزة وتجويع اهلها وإفقارهم حتى الموت. وإذا ما استمرت إسرائيل في احتجاز الناجين من المتضامنين الدوليين فإن ذلك رغم قسوته وصعوبته على هؤلاء، إلا أنه سيبقي الجرح نازفاً والضوء مسلطاً على قضية الحصار. وبعد مرور يومين على عملية القرصنة الإسرائيلية في المياه الدولية يمكن قراءة عدد من الملاحظات والنتائج منها:

أولاً، حصدت إسرائيل بعد عمليتها الإجرامية إدانةً دوليةً وعالميةً واسعة استنكاراً لسلوكها العدواني لم تنفع معها عمليات التجميل والرتوش في إخفاء الوجه البشع لها. وسيمضي وقت طويل قبل أن ينسى العالم هذه الفعلة القبيحة التي كشفت زيف ما يسمى "الديمقراطية" الإسرائيلية في المنطقة، وأبرزت الطبيعة المتطرفة والهمجية لقادة إسرائيل وجيشها "اللا أخلاقي" واللا حضاري واللا إنساني.

ثانياً، أرادت إسرائيل من خلال عملية القرصنة في عرض البحر منع المقاومة في غزة من تحقيق انتصار آخر عبر وصول القافلة إليها، يعيد الأضواء إلى الحصار الذي يتعرَّض له الشعب الفلسطيني في أرضه. لكن، ومن حيث لا تدري، وبسبب حماقة قادتها وتسرعهم، سجَّلت المقاومة انتصاراً أكبر وأوسع والشهداء ليسوا فلسطينيين، بل دوليين أتوا من أكثر من أربعين دولة.

ثالثاً، بدأت العديد من الدول تشعر بالخجل من علاقاتها مع إسرائيل وألغت أنشطة كان مقرراً القيام بها مع الجانب الإسرائيلي، ولكن الأهم في هذا السياق هو الموقف التركي بعد استشهاد أكبر عدد من المتضامنين الأتراك في العملية الإسرائيلية.

وإذا كانت العلاقات التركية- الإسرائيلية متردِّية أصلاً والثِّقة في شبه انعدام، فإن هذه العلاقات ستصبح أسوأ بعد31/أيار/2010. لن يكون بمقدور إسرائيل وإن حاولت، استعادة الثقة والدفء إلى علاقات البلدين. ولن تسمح تركيا ولن ترضى بأن تهان كرامتها ويُقتل أبناؤها. وبعد غرق هذه العلاقات بدماء الشهداء الأتراك، لن تعود العلاقات إلى طبيعتها مطلقاً، بل وستأخذ تركيا خطوات، ستكون بالتأكيد، عقابية وقاسية وبحجم الضرر الذي لحق بها.

وهذا الابتعاد التركي عن إسرائيل سيقربها بشكل أسرع وأكبر ـ وهي القريبة أصلاً ـ من خط دول المقاومة والمواجهة. ولن تأبه كثيراً للانتقادات الإسرائيلية والأمريكية، لاسيما بعدما جرَّبت الزيف الغربي في موضوع الاتفاق الثلاثي البرازيلي-التركي- الإيراني بشأن ملف إيران النووي. وهذا التحول التركي ستكون له أبعاد كبيرة في المنطقة. فبعد أن كانت تركيا تجري المناورات مع تل أبيب أصبحت تجريها مع دمشق. وعندما تحمي أنقرة ظهر دمشق وتقيم معها أوثق العلاقات فمعنى ذلك أن العزلة لم تعد مفروضة على سورية بل على إسرائيل.

وتزامنت العملية الإسرائيلية في البحر المتوسط مع عملية ضد ثكنة تركية في اسكندرون قام بها حزب العمال الكردستاني وقتل فيها /6/ جنود أتراك وإذا ما ثبت تورط إسرائيل كما بدأ يتسرب، في توقيت وتنفيذ العملية فسيكون لذلك عواقب وخيمة.

رابعاً، إن قيام إسرائيل بالقرصنة على ناشطي السلام العزَّل، أربك المحور العربي والإقليمي والدولي الذي كان يطالب بإعطاء إسرائيل فرصة لتحقيق السلام. لكن الأمر انتهى، عملية السلام ماتت وإكرام الميت دفنه. وإذا كان بعض العرب متمسكين بعملية السلام ومبادرة السلام العربية العفنة بسبب رفضهم الانضمام لخطِّ المقاومة، فإن عليهم بعد الآن البحث عن سبب آخر وحجَّةٍ أخرى لرفض دعم المقاومة، أو الإسراع بالتراجع عن الخطأ وإعلان مواقف واضحة والعمل على تقديم كل ما من شأنه تثبيت خيار المقاومة ودعمه.

والمسألة ليست استعداداً لشن الحرب بقدر مل هي بناء للقدرات الذاتية لمواجهة قد تقوم مع عدوٍّ لا يؤمن إلا بالحرب والقوة وسيلةً لبلوغ أهدافه.

خامساً، لقد أظهر الهجوم الإسرائيلي على أسطول الحرية فشلاً عسكرياً مريعاً. فقد استخدمت إسرائيل وحدات النخبة البحرية لقتل الأبرياء ومحاصرتهم.  وكانت تتوقع أن تنتهي هذه العملية خلال ساعات قصيرة مثل نزهة ترفيهية. وما جرى يبيّن القصور والحماقة والتسرُّع في الإعداد لهذه العملية. بل ويكشف عن استخفاف وغباء في تنفيذ المهمة لاسيما بعد إعلان إسرائيل المسبق الإعداد لها. وكما يُقال: من فمك أدينك. بل وأكثر من ذلك فقد اعتمد قادة إسرائيل على كذبةٍ سخيفة مفضوحة واحدة لتبرير العملية وهي أن المتضامنين هم من باشروا بالاعتداء.

سادساً، لم يكن الجانب الإعلامي لعملية القرصنة أقلُّ فشلاً. فقد ظهر الإرتباك على قادة العدو واستغرق وزير الدفاع إيهود باراك تسع ساعات بعد العملية ليظهر في وسائل الإعلام بينما عقد نائب وزير الخارجية داني أيالون مؤتمراً صحفياً بالعبرية ليتوجه به إلى العالم. أما رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو فقد بدا غائباً عن المشهد وتنقلت تسيبي ليفني زعيمة المعارضة بين الشاشات والفضائيات تحاول تبريد الأجواء وإخفاء الفشل وكأنها رئيسة الوزراء الفعلية. واستخدمت القنوات التلفزيونية الإسرائيلية  ووسائل الاعلام الاخرى عناوينا  تضيف للفشل فشلاً آخر.

سابعاً، لقد ادعى نتنياهو الذي كان في جولة خارجية أنه ألغى لقاءً له كان مقرراً مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما. ولم يصدر عن البيت الأبيض ما يثبت إدعاء رئيس الوزراء الإسرائيلي حيث تؤكد مصادر اعلامية فلسطينية  أن  أوباما هو من ألغى اللقاء بعد العملية الإسرائيلية حتَّى لا يظهر بمظهر المؤيد لها رغم أن الموقف الأمريكي في مجلس الأمن لم يكن مشرِّفاً ومثله الموقف البريطاني اللذان أعاقا صدور قرار قوي من مجلس الأمن الدولي يدين القرصنة الإسرائيلية.

والخلاصة أن إسرائيل وضعت نفسها في مواجهة المجتمع الدولي وكشفت عن وجهها الحقيقي. وما قيامها بالعملية في عرض المياه الدولية إلا تأكيد جديد عن  استخفافها بالقوانين والأعراف الدولية. فقد تعوَّدت أن تكون فوق القانون ولا تحاسب، ولكن ليس بعد اليوم. إسرائيل تسير من إخفاق إلى إخفاق وهذا نصرٌ للمقاومة. ولكن علينا توقع الأسوأ من الكيان الإسرائيلي كلما انحدر وكلما ضاقت عليه الظروف بسبب سياساته الرافضة للسلام وبسبب همجيته وسلوكه القمعي.  

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.