تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

اسطول الحرية : نقطة التحول في الصراع العربي –الإسرائيلي

نُقِل عن الرئيس بشار الأسد، أثناء استقباله المتضامنين السوريين الأربعة الذين كانوا على متن أسطول الحرية الذي تعرض لقرصنة إسرائيلية بتاريخ 31/5/2010 في عرض البحر المتوسط، قوله أن تجربة أسطول الحرية لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة تمثل نقطة تحول في الصراع العربي الإسرائيلي.

نعتقد ان  ما قاله الرئيس بشار الاسد هو خلاصة تعبر عن قوة الاستشراف السياسي المبني على التحليل المنطقي لما يجري في المنطقة والذي أكد الرئيس الاسد لمرات عديدة انه يكاد  الزعيم العربي الوحيد  الذي يملك ناصية هذا التحليل والاستشراف فيما يتعلق بالقضايا السياسية والصراع العربي – الاسرائيلي . ان ما اعلنه الرئيس بشار الاسد اصبح مسلمة اعلن أكثر من محلل سياسي واستراتيجي في العالم انها تمثل عين الصواب في تحليل ما حصل مؤخرا في كشف العدوانية الاسرائيلية للعالم اجمع .

 ونرى  ان البحث في القرصنة الاسرائيلية والعدوان على  أسطول الحرية يفرض علينا البحث في النواحي التالية :

أولاً، من الناحية الإنسانية. فقد أعاد المتضامنون تركيز الأضواء على قطاع غزة المحاصر خلافاً لأي مبدأ تقرّه القوانين الدولية، وشجّع المتضامنون بتحركهم شعوب العالم كافة للتحرك من أجل كسر الحصار اللاإنساني الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في غزة.

وقد فشلت محاولة إلقاء الرعب في قلوب منظمي حملات كسر الحصار عن غزة بحرا، فشلاً ذريعاً، لاسيما بعد أن أعلنت عدة جهات ومنظمات دولية التحضير لرحلاتٍ بحرية تضامنية جديدة مع قطاع غزة. بل وأعاد أسطول الحرية تعريف الأشياء على أصولها.

ثانياً، لقد قضت إسرائيل على جهود تحقيق السلام ولاسيما من خلال الدور التركي الجدي. فبعد القرصنة الإسرائيلية ـ حسب توصيف المعلق والإذاعي الأمريكي بيل بريس ـ من يستطع أن يتحدث عن السلام مع إسرائيل ومع الحكومة الإسرائيلية الحالية!؟ ومن يثق أصلاً بوعود رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير خارجيته اليميني المتطرف أفيغدور ليبرمان. وعندما يغيب أفق السلام في المنطقة التي توصف بأنها الأكثر حماوة في العالم، فماذا يبقى من أمل لشعوبها وكيف يمكن أن يعمّ الأمن والهدوء والاستقرار والطمأنينة!؟ وعندما تعرى إسرائيل ويظهر حقدها وشراهتها للدم، فمن الذي سيمدّ يده إليها وإلى قادتها الذين يوقدون نار الحرب في كل عمل يقومون به. بمعنى آخر، فقد ترتب على الهجوم سقوط خيار مسلسل المفاوضات العبثية الذي تنتهجه إسرائيل سبيلاً لتمييع القضية الفلسطينية ونهب الحقوق والأرض، ورفَع أسهم حماس ودعم خيار المقاومة.

ثالثاً، لقد كشفت جريمة أسطول الحرية الزيف الغربي بأوضح صوره. فبعد ان تجاهلت معظم وسائل الإعلام الغربية توجه الأسطول المكوّن من تسع سفن إلى غزة طيلة فترة التحضير للإبحار، بدت الازدواجية الغربية في مجلس الأمن والمواقف اللاحقة التي حاولت محاباة المجرم الإسرائيلي رغم وضوح الجريمة ومسؤولية القاتل. ونتساءل لو أن دولة مثل سورية أقدمت على اعتراض مثل هذا الأسطول قبالة السواحل السورية، وليس في المياه الدولية، حتى وإن لم تقم بقتل أي شخص، ماذا ستكون ردّة الفعل الغربية عليها!! وللتذكير أيضاً، لم يبق أحد من المسؤولين الغربيين لم يطالب بإطلاق الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط الأسير لدى حركة حماس، ولكنهم لم يذكروا يوماً أكثر من عشرة آلف سجين فلسطيني بينهم نواب وأطفال وشيوخ ونساء.

والأنكى أن معظم ساسة الغرب بدأ التحايل على التحقيق بشأن جريمة القرصنة الإسرائيلية بشأن رفع الحصار عن غزة وبدا يخترع الحجج والأباطيل التي أصبحت مكشوفة وعارية وممجوجة. ولم يعد بعد اليوم مسموحاً لمعظم مسؤولي الغرب التشدق عن الإنسانية والحريات والديمقراطية وهذه الشعارات التي يستخدمونها لتغليف سياساتهم وأطماعهم. أجل، ليس ما بعد 31/5/2010، مثل ما قبله.

رابعاً، تركيا. فبعد الهجوم على قاعدةٍ تركيةٍ في اسكندرون  والتي تداولت وسائل الاعلام ان اصابع الموساد الاسرائيلي تقف وراءها ، وبعد اغتيال رئيس مجلس الأساقفة الكاثوليك المتزامن مع عملية القرصنة الإسرائيلية، وبعد تأكيد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أن مصير القدس كإسطنبول، وأن غزة كأنقرة، فإن تركيا تقف اليوم بعد هذا التحول الإستراتيجي في موقفها، في مواجهـة حلـف إسـرائيلي ـ دولـي للنيل من دورها. وعلى ما يبدو، فإنه من غير المسموح دولياً وتالياً إسرائيلياً، استمرار السياسة التركية الجديدة والتي تؤكد الدور التركي الريادي في قضايا المنطقة وخاصة الكشف عن العدوانية الاسرائيلية  و مجازر إسرائيل في غزة واظهار  سياسات الغرب القمعية لإسكات الآخرين.

وإذا ما دققنا في القرصنة الإسرائيلية ضد أسطول الحرية، نجد أنها تعمدت تحديداً سفينة «مرمرة» التركية، لماذا؟ لأن الهدف هو الانتقام من اردوغان ومن مواقفه القوية ضد ممارسات الاحتلال في فلسطين وفي غزة؛ ولأن الهدف هو كبح الدور التركي المتنامي في محيطه الإقليمي، قبل أن يستفحل ولا يمكن وقف صعوده؛ اضافة الى سبب آخر  هو الاتفاق النووي الذي أبرمته تركيا والبرازيل مع إيران في 17 أيار الماضي، حيث نجحت تركيا بالقيام بما لم تستطع القوى الكبرى المعنية بالملف الإيراني القيام به؛ ولأن الزعرنة الإسرائيلية تهدف لمنع استمرار تركيا في سياستها الانفتاحية التي منحتها القوة والنفوذ، وإسرائيل لا تريد ذلك. وكان الرد الإسرائيلي عبر الرسالة الدموية القاتلة في المتوسط بأن لدور تركيا ونفوذها حدوداً.

بالتأكيد يعتبر الاعتداء على السفينة "مرمرة" محطة فارقة في تاريخ العلاقات التركية الإسرائيلية. فقد أراق الإسرائيليون الدم التركي في عدوان مكشوف يمثل اعتداء على السيادة التركية والكرامة والشرف التركي. ولذلك لا بد للرد التركي من أن يكون، على مستوى الحدث.

وبالنتيجة، فإن إسرائيل وعبر سياسات حكومتها الخرقاء تدفع تركيا، رغم محاولات الأخيرة انتهاج الحياد، إلى الوقوف في الصف المعادي لها وهذا يعتبر التحول الأكبر في تاريخ المنطقة منذ نصف قرن، لأن إفساد العلاقات التركية ـ الإسرائيلية سيغيّر موازين القوى في المنطقة وسيثبّت أسس مرحلة جديدة بالكامل.

خامساً، نقطة تحول أخرى جرت ببطء ودون ضجة إعلامية، ومنذ الساعات الأولى لعملية القرصنة الإسرائيلية؛ فتحُ معبرِ رفح الذي سيكون صعباً على مصر أن تمعن في إغلاقه بعد الآن. لقد تجاهلت القيادة المصرية طويلاً نداءات المصريين قبل غيرهم لفتح المعبر، ودعم أهالي قطاع غزة المحاصرين، وأدارت آذاناً صماء لتلك النداءات، ولكن ما إن وقعت الجريمة الإسرائيلية البشعة في عرض المتوسط، حتى سارعت هذه السلطات لفتح المعبر "ولأجل غير مسمى"، فقد أدركت أن الشعب المصري والعربي والعالم لم يعد يطيق أن يرى الحصار.

سادساً، وإذا كان من محاسبة، ويجب أن يكون، فيجب محاسبة إسرائيل أولاً على كذبها وافترائها، وإدعاء قادتها أن ناشطي السلام المتجهين إلى غزة كانوا يحملون أسلحة وأنهم من بادر بالهجوم على جنودها. فهذا الافتراء إساءة لكرامة كل المتضامنين وخاصة الشهداء الذي قضوا على أيدي جنودها. ويجب أن يتم ذلك قبل محاسبتها على جريمة القرصنة لتضاف بذلك جريمة أخرى لجرائمها. أما المحاسبة على جريمة القرصنة، فتتضمن محاسبة من خطط وأعطى الأوامر ومن نفّذ وقتل بدم بارد في ليل مظلم بارد في مياه المتوسط.

سابعاً، لقد ظهرت إسرائيل على حقيقتها المجرمة القاتلة وظهر أبناء غزة كما هم في الواقع، مدافعون عن أرضهم وحريتهم ولقمة عيشهم ضد الاحتلال البغيض، وليسوا إرهابيين كما حاولت إسرائيل دائماً أن توصمهم. وهذه الحقيقة أصبحت معروفة وملموسة جيداً حتى في أوساط المؤيدين لإسرائيل في كل أنحاء العالم. ومن تابع تعليقات الصحف الأمريكية، واليهودية بالتحديد، لاحظ كيف أنها أجمعت تقريباً على الخسارة التي سببتها إسرائيل لنفسها بهذه العملية، لدرجة ان أقرب المقربين إليها لم يستطيعوا الدفاع عنها، وأحسّوا بالحرج أمام جريمة جرت في المياه الدولية ضد أبرياء وعزّل يحملون مواد غذائية وألعاب أطفال ودواء.

باختصار، لقد خسرت إسرائيل السمعة التي كانت تدّعيها، وانكشفت على حقيقتها البشعة، وخسرت الحرب الإعلامية والعسكرية وظهر جيشها بأبشع صوره اللاأخلاقية، واللاإنسانية، وفاحت رائحتها العفنة فهرب الأصدقاء من حولها وتشتتوا وتحول بعضهم إلى أعداء، ويتم الآن الإعداد لمحاكمة قادتها السياسيين والعسكريين، بل وأصبحت سياساتها في نظر المحللين  الغربيين، ومنهم انطوني كوردسمان، "تجعلها عبئا استراتيجياً" على الولايات المتحدة. أليس هذا نقطة تحول في الصراع العربي الإسرائيلي؟؟

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.