تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

لبنان بين ضمان المقاومة وغموض الحياد!!

أحداث ثلاثة منفصلة عن بعضها ومتباعدة زمنياً، لكن ربطها ببعضها له دلالاته، ويوضح  للمتابع ما يجري في المنطقة وحقيقة النوايا الإسرائيلية وكيفية التحضير والاستعداد للرد عليها.

الحدث الأول، هو خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في مناسبة عيد المقاومة والتحرير في (25/5/2010) الذي أضاف معادلة جديدة الى معادلات المقاومة بوجه العدو الإسرائيلي. والمعادلة الجديدة التي أطلقها السيد نصر الله التي يمكن وصفها بأنها تحول تاريخي في الصراع العربي الإسرائيلي، يمكن اختصارها بأنه "إذا حاصر العدو السواحل اللبنانية فإن كل السفن المدنية والعسكرية التي تتجه الى موانئ فلسطين على امتداد البحر المتوسط ستكون تحت مرمى صواريخ المقاومة".

وهكذا، فبعد تدمير أبنية مقابل أبنية وقصف الموانئ مقابل الموانئ والمطار مقابل المطار والبنى التحتية مقابل البنى التحتية، أضاف السيد نصر الله الى ارتباك العدو ارتباكا وخوفا وخيبة وانكساراً فكانت المعادلة الجديدة في البحر في ميزان ردع جديد هو من ضمن المعلن، أما ما لا يعلنه سيد المقاومة فيبقى مفاجأة لزمن الحرب.

أما الحدث الثاني، فهو عمليات السرقة التي تقوم وتحضّر إسرائيل للقيام بها لموارد طبيعية لا تعود لها في المياه الدولية في البحر المتوسط. فقد جرى الحديث قبل أيام(8/6/2010)عن دراسات أميركية تتحدث عن كنز غازي ونفطي هائل يحوي 122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي و1،7 مليار برميل نفط في حوض ساحلي ومائي  يمتد من لواء الإسكندرون حتى جنوب غزة تحاول إسرائيل الاستيلاء عليه وتعتبره ملكاً لها. أما المعطيات فتشير إلى أن البنوك الدولية ترفض تمويل الامتيازات التي تمنحها إسرائيل للتنقيب عن النفط والغاز لإيمانها بأنها مخالفة للقانون الدولي.

ونصل إلى الحدث الثالث، وهو ما قاله النائب والزعيم اللبناني وليد جنبلاط قبل أيام(19/6/2010) خلال استقباله سفير سورية لدى لبنان من أنه «بالحفاظ على سلاح المقاومة إنما نحافظ على لبنان وسيادة لبنان والخاصرة السورية». وأنه «اليوم وأكثر من أي وقت مضى نرى أهمية هذا السلاح في الدفاع عن الثروات الوطنية التي اكتشفت في البحار، ويبدو أنها إذا لم ندافع عنها فحتماً العدو الصهيوني سينهبها كما نهب غيرها من الثروات وكما اعتقد ينهب الثروة الوطنية الغازية والنفطية في مقابل سواحل غزة». وبذلك يكون السيد جنبلاط قد حمّل المقاومة وسلاحها وقادتها مسؤولية وطنية كبيرة وطويلة الأمد، وهذا له دلالاته وأبعاده وشروط تحقيقه والقيام به.

وإذا ما عرفنا وفهمنا السياسات الإسرائيلية القائمة على استغلال خيرات المنطقة ومواردها عبر التوسع والحروب والبلطجة، أدركنا ان مواجهة هذه السياسات الاستعمارية لا تتم بلقاءات الصالونات وحفلات الكوكتيل واللجوء إلى ما يسمى "المجتمع الدولي" الذي يترك في عقل المواطن العربي صورة بائسة عنه وعن دوره المحابي لإسرائيل. ويصبح من البديهي أن حماية الحقوق والمصالح العربية تحتم على العرب بناء أنفسهم وإعداد أوطانهم ومدّها بكل ما يستطيعون من عناصر القوة لمواجهة البطش الإسرائيلي والعربدة الإسرائيلية.

وفي هذا السياق، تمثل المقاومة أسوة حسنة، ويمثل دعم المقاومة خياراً صائباً لابد منه. وهذا يتطلب، بعد المهمة الجديدة والمشرّفة التي أسندها جنبلاط للمقاومة، امتلاك القوة التي تجبر العدو على احترامنا وتلزمه حدوده. وهذا ما تفعله المقاومة ومن يساندها من دول التصدي. ومما لاشك فيه، وهو ما أصبح واضحاً الآن، أن الكيان الإسرائيلي أصبح يفكر ألف مرّة قبل القدوم أو حتى التفكير بالقيام بأي مغامرة عسكرية لايستطيع أن يتكهن بنهايتها وكيفية تحقيق النصر فيها.

فما قامت وتقوم به المقاومة حتى الآن، هو صياغة توازن إستراتيجي يقوم على إستراتيجية الرعب بما يُنهي الإستراتيجية الصهيونية المعتمدة، القائمة على فكرة الحرب والتهديد بها لإنفاذ المخططات الإستراتيجية، وتحقيق نتائج سياسية. وقد بدأنا مشاهدة تداعيات هذا التغيير والتحول الإستراتيجي الذي بدأ بانتصار حرب تموز عام 2006. ومَن يردع إسرائيل غير القوة التي تؤمن بها وسيلة لتحقيق الأهداف!؟

وإذا كان امتلاك القوة العسكرية الردعية يأتي أولاً، فإن هناك أموراً عديدة لابد من تضافرها لبناء موقف قوي وصامد. أولها الوحدة الوطنية التي تلفّ المقاومة وتحصنها، وتدعم الجيش وتقويه، وحيث يمنع الالتفاف الشعبي حول المقاومة , الصغار من اختراق الصف الوطني والتعامل مع العدو عن قصد أو عن عمد، ويحرمهم من تحقيق مكاسب فردية أنانية على حساب الوطن. وقد أكد السيد جنبلاط وبعد خبرة: "أن الدول الكبرى عندما تخطط فإن الأدوات الصغرى وكنا منها تدخل في النفق". والوحدة الوطنية، وهذا هو الأهم، تمنع بدائل الحرب الإسرائيلية العسكرية المباشرة؛ أي الفتن الداخلية المذهبية والطائفية التي تضعف البلاد وتضعف المقاومة.

وهذا الأمر يقتضي ثانياً، أن تقدّم الحكومة اللبنانية كل دعم للمقاومة معنوي وسياسي ولوجستي وكل أنواع الدعم الأخرى الممكنة. وهذا الخيار يُسقِط تلقائياً بعض الشعارات الأخرى التي تدعو لبنان الى تبني إستراتيجية الحياد. فكيف لبلد مثل لبنان يقع في قلب العاصفة أن يكون حيادياً، وهل تسمح إسرائيل له بالحياد!! وهل يمنع حياد لبنان إسرائيل من استغلالِ ثرواته ونهبها، ومن قيامها بتهديده، لاسيما وأن طائراتها تخرق الأجواء اللبنانية في كل لحظة ومتى تشاء بمناسبة وبدون مناسبة، قبل وجود المقاومة وبعده، كما أن عملاء إسرائيل ينتشرون في كل مكان.

ثالثاً، فلا بد من التذكير أن وجود ثنائية الدولة والمقاومة يمكّن الدولة اللبنانية من أن تبعد نفسها في المحافل الدولية عن الضغوط المباشرة لخدمة إسرائيل، ويمنح المقاومة في نفس الوقت هامشاً ومساحة للتصرف والحركة.

رابعاً، فإن خيار المقاومة الذي يتم التأكيد عليه وتبنيه من قبل أغلب اللبنانيين والدولة اللبنانية يتماهى مع الخط الذي اختارته ودعمته سورية النصف الآخر للبنان وبوابته إلى العرب والشرق. وهذا الخط المقاوم بدأ يحصد نتائج صموده وبدأ يجمع حوله التأييد الشعبي العربي والدولي الرسمي والشعبي. وهذا التحول هو نتيجة لصمود خط المواجهة من جهة ولسلوك إسرائيل العدواني المستمر ولرسوخ القناعة أن إسرائيل ليست في وارد القبول بالسلام في المنطقة، وأنها المعرقل لكل مشاريع السلام، وأن البدائل غير خيار الحرب ليست متوفرة كثيراً، من جهة أخرى.

خامساً، فإنه لابد من التذكير والتأكيد ان المجتمع الدولي أو الغربي تحديداً لم ولن يحمي لبنان ولا سورية ولا غيرهما، والأمثلة في الحالة اللبنانية وغيرها كثيرة. وهذا المجتمع يسعى دائماً لتحقيق مصالحه ويقدم مصالح إسرائيل وحاجاتها على كل شيء آخر، ليس إلا لأنه يعتبرها جزءا منه. وأحدث صرخة غربية داعمة لإسرائيل أطلقها رئيس الوزراء الإسباني السابق خوسيه ماريا أزنار الذي أكد ان إسرائيل ليست إلا جزءا متقدماً من الغرب، داعياً إلى تشكيل جبهة عالمية لدعمها محذراً من أن انهيارها سيقود إلى انهيار الغرب.

لذلك، وفي نهاية المطاف، فإن امتلاك المقاومة سلاحا رادعا أمام إسرائيل، يجمع على دوره اللبنانيون لم يعد ترفاً أو استعراضاً لا ضرورة ولا لزوم له. وهذا السلاح أبطل مقولة أن قوة لبنان في ضعفه، وثبّت نظرية جديدة تؤكد أن قوة لبنان في قوته وضعف لبنان في ضعفه. ويمكن الاستطراد والقول إن لبنان القوي بجيشه وشعبه ومقاومته، قوة لسورية وسند لها، وضعفه ضعف لها وعبء عليها.

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.