تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

باريس على «الطريق إلى دمشق»

مصدر الصورة
الاخبار اللبنانية

محطة أخبار سورية

العلاقات الفرنسيّة السوريّة ملف ليس مزاجيّاً أو يمكن أن يصوغه شخص بحسب رأيه. هذا ما «تقوله» العاصمة الفرنسية باريس من خلال تأليف لجنة برلمانيّة من مخضرمين في الخارجيّة والسياسة لبحث هذا الملف، بل للبحث عن «الطريق إلى دمشق»

 

في نوع من المنافسة الشديدة بين النشاط الدبلوماسي لقصر الإليزيه ولجنة الشؤون الخارجية في الجمعية الوطنية الفرنسية، صدر تقرير أعدّته لجنة برلمانية ترأستها الاشتراكية إليزابيث غيغو، وزيرة العدل السابقة ومستشارة الرئيس فرنسوا ميتران، ومقررها اليميني رينو موزولييه، إضافة إلى تسعة نواب تحت عنوان «أيّ طريق للوصول إلى دمشق؟» ، يمكن اعتباره «رداً» على تقرير المبعوث الخاص للرئاسة فيليب ماريني وإن كان من الصعب في هذه المرحلة التفرقة بين نقاط التقاطع ونقاط اللقاء في التقريرين. وقد ناقشت اللجنة البرلمانية التقرير المكثّف قبل أسبوع من عرضه على الصحافة. وكشفت بعض المصادر لـ«الأخبار» أن التقرير قاد أفراد اللجنة إلى المنطقة مرات عدة وقابلت عدداً كبيراً من المسؤولين والشخصيات، واستمعت خلال سنتين إلى عدد كبير من الخبراء في الشرق الأوسط والعلاقات الفرنسية السورية. ورغم أن التقرير أعدّ لتقويم علاقات باريس ودمشق، إلا أنه يستشف من قراءة معمّقة في طياته أنه أشبه بتقويم «سياسة انفتاح» الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي على دمشق التي كانت انعكاساتها على لبنان من أبرز نتائجها، وشكلت «قطيعة» بالنسبة إلى سياسة سلفه جاك شيراك.
واحتلت دراسة العلاقات بين لبنان وسوريا حيّزاً كبيراً من التقرير البالغ نحو ١٥٠ صفحة، نقلت فيه اللجنة انطباعاتها وبعض «ما نقل إليها من شكاوى وتحليلات» ممن التقتهم. يبدأ الفصل اللبناني بعنوان بصيغة سؤال: «هل يمكن تطبيع العلاقات بين سوريا ولبنان؟». ويعتبر في فصله الأول الذي يعود إلى مؤتمر سان ريمو عام ١٩٢٠ الذي قسم بين سوريا ولبنان، أنه تم «سلخ بعض المناطق لتكوين لبنان الكبير» (إضافة إلى ضم لواء الاسكندرون لتركيا)، ما مثّل «إهانة للسوريين لأنه كسر تواصل ووحدة جغرافية وتاريخية» كان ينتج شعوراً بالانتماء إلى «وحدة اقتصادية متكاملة». ونقل التقرير حيثيات جلسة الاستماع إلى سفير فرنسا في إسرائيل، كريستوف بيغو، قوله إن سوريا حتى تاريخ تبادل السفراء بين بيروت ودمشق كانت في «واقع عدم الاعتراف بكيان أنتجته فرنسا خلال الانتداب».

 

يدخل التقرير في تفاصيل «التكوين السوسيولوجي الاقتصادي الطائفي» للعلاقات الاقتصادية التي «تبرر هذه العلاقة العضوية» بين البلدين، ولا يتردد عن الملاحظة أن عدداً كبيراً من كبار التجار ومصرفيي لبنان هم أصلاً «كاثوليك من حلب»، فيما يسوق دراسة لباحثة فرنسية تذكّر أن «٦٠ في المئة من عائلات لبنان تربطها علاقات قرابة في سوريا». ولم ينسَ التقرير ذكر بيروت كمتنفس طبيعي للمثقفين السوريين، ولكن يعرض أيضاً «بالتفصيل» تقارير دبلوماسية فرنسية تشير إلى أن «لبنان كان حتى عام ٢٠٠٥ الرئة الاقتصادية لسوريا وملجأ المصالح المالية للنظام السوري»، إذ قدرت اللجنة البرلمانية أن سرية المصارف في لبنان جذبت «ثلث الموجودات النقدية السورية» وأن بيروت تمثّل «قاعدة انطلاق الاستثمارات السورية في الخارج». وتطرق التقرير إلى «معاهدة الأخوّة الموقّعة عام ١٩٩١ وتهدف إلى اندماج اقتصادي»، إلا أنه يشير إلى أن الاتفاقات الثنائية لم تعط الثمار المطلوبة لأسباب عديدة، منها أن سوريا «كانت مهتمة بحماية صناعتها الناشئة وزراعتها»، وبالتالي منعت دخول البضائع والسلع المنافسة الآتية عبر بيروت.
وفي فصل العلاقات بين لبنان وسوريا، الذي وضع تحت عنوان تساؤلي أيضاً هو «التردد السوري في تطبيع العلاقات مع لبنان»، يعود التقرير إلى سرد سريع لتاريخ العلاقات بين البلدين وخصوصاً منذ بداية الحرب الأهلية عام ١٩٧٥. ويذكر أن «تدخل القوات السورية جاء بناءً على دعوة المسيحيين» فدخلوا تحت غطاء دولي، ثم يصف كيف: «فرض الحضور العسكري السوري وقف الاقتتال، وحكومات وحدة وطنية تحتاج دائماً إلى دعم» دمشق. ويذكر التقرير أن الرئيس السابق حافظ الأسد بعدما «وضع بالقوة حداً لمقاومة الجنرال ميشال عون» عمل على «إقامة توازن طائفي كرّسها اتفاق الطائف» الذي يشير إلى «بند خروج القوات السورية شرط تحقيق إصلاحات سياسية بما فيها إلغاء الطائفية»، ويرى التقرير أن هذا «غير ممكن». ثم يذكّر التقرير بظروف «خروج القوات السورية» بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري تحت «ضغط المعارضة اللبنانية والمجتمع الدولي». ويصف التقرير المفاوضات اللبنانية اللبنانية في قطر التي قادت إلى «انتخاب الرئيس ميشال سليمان وانسحاب المجتمعين في وسط بيروت وتأليف حكومة وحدة وطنية (بأنها جرت) كما كان يطالب حزب الله» مع الاعتراف بأن المجتمع الدولي «شكر في حينها سوريا لمساهمتها في الحل». ويحدد التقرير بدء تطبيع العلاقات بين دمشق وبيروت إلى لقاء الرئيسين سليمان والأسد في باريس إبان قمة المؤتمر من أجل المتوسط ويشدد على مسألة «فتح سفارة لبنانية في دمشق». وفي سياق تحليل الانتخابات الأخيرة يكرر التقرير تحليل بيغو السفير الفرنسي في إسرائيل الذي رأى أن «سوريا لم ترغب في التدخل كي لا تقوّي حزب الله»، وهو ما وافقه عليه حسب التقرير السفير جان كلود كوسران الوسيط الذي أدى دوراً في إعادة ربط العلاقة الفرنسية السورية وتسهيل حلحلة الوضع في لبنان بالدعوة إلى مؤتمر سان كلو، فيصف نتائج الانتخابات بأنها «مفاجأة، إذ إن حلفاء سوريا هزموا». ويقول إن البعض يرى يد السعودية وراء ذلك، إذ دعمت مالياً عودة السنّة للمشاركة في الانتخابات، إلا أنه يستطرد بأنه «من غير المستبعد أن تكون سوريا وإيران اقتنعتا بأن ربح حلفائهما «قد يكون مربكاً وأقل فائدة على ضوء تصاعد التهديدات الإسرائيلية لإيران وفرضية أزمة خطيرة في المنطقة»، إلا أن التقرير يخلص إلى الاعتراف بأنه أياً كانت التساؤلات فإن سوريا «تركت الانتخابات تجري بحُرية».
إلا أن اللجنة سلطت الأضواء على بعض النقاط في العلاقات بين البلدين التي ترى أنها لم تحرز تقدماً مثل «ترسيم الحدود» الذي ترى فيه «خطوة مهمة جداً لتحسين الأمن والسلم الإقليميين»، لكونه يسمح بالعمل الناجع للحد من تهريب السلاح الذي يمثّل حسب قول التقرير «أهم عامل ضغط وتأثير لسوريا على حزب الله وهو ما يساهم بتقويته كميليشيا»، وهي نقطة ترى اللجنة أنها تمثّل «استقطاباً للتوتر في الساحة اللبنانية»، لكنها تعترف بأنها شكّلت إحدى نقاط خطاب القسم لسليمان وأنها ذكرت في البيان الوزاري الأخير.

 

وأشارت اللجنة إلى قول رئيس الوزراء سعد الحريري بأن العلاقات بين البلدين تتطور على نحو تدريجي، وأنه يتباحث مع دمشق بشأن مجمل العلاقات بين البلدين. وقد نقل التقرير في الصفحة ٧٦ أن بعض السياسيين اللبنانيين يرون في زيارة الحريري لدمشق «رمز تبعية»، بينما يشدد الدبلوماسيون الفرنسيون الذين التقتهم اللجنة على أنه «كان الثمن الذي طُلب من السعودية للوصول إلى حكومة وطنية والسبيل لوصول الحريري إلى رئاسة الحكومة».
ويأخذ هذا طابعاً وصفه مقرب من اللجنة بأنه «مثير» عندما يصل إلى محاولة استشراف مستقبل العلاقات بين البلدين في سرده لشهادات الشخصيات التي قابلتها اللجنة (ومن بينهم الرئيس اللبناني ميشال سليمان ورئيس الوزراء سعد الحريري، ورئيس الوزراء السوري ناجي العطري ووزير الخارجية وليد المعلم ورئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع والنائب نوار الساحلي والنائب السابق عمار الموسوي ورياض سلامة والنائب وليد جنبلاط والنائب سليمان فرنجية والنائب ميشال عون وفريد الخازن والأمين العام للمجلس الأعلى اللبناني السوري نصري خوري). فقد نقل التقرير على لسان الرئيس سليمان الذي وصفه بأنه مقرب من سوريا «شكوى وأسفاً وهو محقّ في ذلك لإصرار الرئيس السوري على لقاء بشكل رسمي ومستديم ليس مسؤولي حزب الله، لكن قادة بعض الأحزاب اللبنانية الأخرى»، ويتبع التقرير بأن سليمان يرى ضرورة «أن تقتصر العلاقات الثنائية على التواصل الرسمي بين البلدين».
ويخلص قسم التقرير المتعلق بلبنان إلى أن «سوريا ما زالت تمارس نفوذاً مباشراً أو غير مباشر على لبنان» ويشير إلى الترابط المباشر بين الملف اللبناني وعلاقات سوريا مع إيران. وذكّرت غيغو بـ«صورة الزعماء الثلاثة» في قمة دمشق (الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس الإيراني أحمدي نجاد والأمين العام لحزب الله) ورأت فيها تغييباً لمؤسسات الدولة اللبنانية. من هنا، دعت اللجنة إلى الابتعاد عن الأوهام التي يحملها البعض لفسخ العلاقة السورية الإيرانية في هذا المجال، وتتساءل في الوقت نفسه عما قدمه الغرب لدفع دمشق إلى تنازلات وتقديم تضحيات سياسية.

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.