تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

جاك خزمو: الاعتماد على الذات فقط

 

محطة أخبار سورية

رئيس تحرير مجلة البيادر السياسي المقدسية: جاك خزمو

التصويت على قرار مجلس الأمن رقم 1929 الهادف إلى تشديد العقوبات الاقتصادية على ايران بسبب "برنامجها النووي" هو بحد ذاته بمثابة درس وعبر للعديد من دول العالم، وفي مقدمتها أقطارنا العربية التي باتت تعتمد على دعم أو قوة الآخرين متناسية أن لديها قوة كبيرة جداً لكنها غير مستعملة إلا لخدمة الآخرين أيضاً.

 

من كان يفكر بأن روسيا، الدولة شبه العظمى التي تبني مفاعلاً نووياً لايران، والجارة والصديقة لايران، تصوّت لصالح القرار، ومن كان يصدق أن الصين التي تعتمد على النفط الايراني المصدّر اليها تصوت لصالح القرار أيضاً... دولتان حليفتان لم تخذلا مصالحهما بل خذلتا فقط الصديقة ايران..

 

وبعد التصويت سارعت كل من الصين وروسيا إلى القول أن هذا القرار الأممي الجديد لن يغلق الباب أمام الجهود الدبلوماسية أو الحوار السياسي مع ايران من أجل التوصل إلى حل حول هذا الملف النووي، أي أن الدولتين أرادتا الحفاظ على مصالحهما مع ايران والغرب في آن واحد، ولو كانت النتيجة هي "إساءة" لايران، كما هي إساءة لسمعة ومصداقية كل منهما في العالم..

 

هذا التصويت يُذكّر العالم بالموقف الروسي عام 1990 إذ أن روسيا طمأنت العراق بأن حرباً لن تشن عليه، وإذا بالحرب تشن عليه أوائل عام 1991 تحت شعار تحرير الكويت. ولو كانت روسيا صادقة لاوصت العراق بضرورة الانسحاب من الكويت سلمياً، ولمنعت وقوع هذه الحرب التي ساهمت في مصادرة العديد من نفوذها في منطقة الشرق الأوسط.

 

ولا ينسى أحد الموقف الروسي "الرمادي" أو "الوسطي" في عام 2003 الذي سمح للرئيس جورج بوش الإبن باحتلال العراق، من دون أسباب وأعذار واثباتات واتهامات صادقة.. فالموقف الروسي هو موقف "متلون" غير قابل للاعتماد عليه لأنه ليس موقفاً صلباً كما كان قبل انهيار الاتحاد السوفياتي، إذ كان حينها أي زعيم روسي يهز العالم بأقواله، وكان يحظى بمصداقية قوية، والامثلة على ذلك كثيرة عبر تاريخ تلك الحقبة.

 

ويجب ألا ننسى أن مجلس الامن سارع إلى إصدار قرار ضد ايران، ولكنه عندما يتعلق الوضع بالقضية الفلسطينية، أو الوضع في الشرق الأوسط، فإن المجلس يصبح عاجزاً عن إصدار بيان رئاسي فارغ المضمون والفعل لأن الإدارة الاميركية لا ترغب في صدور أي بيان، ولا تريد "الخدش" ولو قليلاً بكرامة أو قوة اسرائيل!؟

 

أدان العالم كله الهجوم الشرس والاعتداء البشع غير القانوني على سفن أسطول الحرية فجر 31 أيار المنصرم، وفي المياه الدولية، على بعد حوالي مائة كيلومتر عن الشواطىء الاسرائيلية، ولكن وللأسف فإن مجلس الأمن لم يستطع ترجمة هذه الإدانة العالمية الواسعة إلى قرار، بل إكتفى بإصدار بيان رئاسي فارغ الفعل.. وليس بالمستوى المطلوب.. مطالباً بإجراء تحقيق حول ما جرى ليدخلنا في متاهة النقاش حول طبيعة هذا التحقيق: هل هو دولي كاملاً، أم شبه دولي، أو بمعايير دولية، أو تحقيق اسرائيلي بمشاركة دولية.. وهذه المتاهة قد تؤدي إلى "تنفيس" الوضع العالمي الغاضب على اسرائيل.

 

من كل ما يجري دائماً في مجلس الأمن يمكن القول أننا لا نعتمد على أنفسنا بل نعتمد على الآخرين، ونعتمد على عطف الآخرين علينا لأننا نظن أن هذا الأسلوب أفضل لنا وأكثر فاعلية، ولكنه في الواقع أسلوب فاشل لأن العالم – وكما قال الرئيس بشار الأسد – لا يحترم إلا القوي.. ومن يقول أن عالمنا العربي ليس قوياً فهو يضحك على نفسه.. نعم انه ضعيف الآن نتيجة انقساماته وخلافاته التي تغذيها العلاقة مع الادارة الاميركية التي هي ذاتها مسرورة ومرتاحة جداً لأن العرب يعتمدون عليها ويصغون إلى نصائحها، ويلبون مطالبها..

 

العرب أقوياء إذا اتحدوا، وإذا قرروا أن يكونوا كذلك، وإذا قرروا استخدام واستثمار امكانياتهم وطاقاتهم الجمة للحفاظ على مصالحهم في العالم، وفي إحياء نفوذهم السياسي على الساحة الدولية، وفي تحقيق العدالة في منطقة الشرق الأوسط.

 

لا يحتاج العرب الى قرار من مجلس الأمن لرفع الحصار عن قطاع غزة، فهم قادرون على رفعه وكسره لأن معبر رفح مع القطاع هو عربي وتحت السيادة المصرية.. ولا نحتاج إلى أساطيل حرية، ولا إلى عطف العالم علينا، بل يجب أن نفرض رأينا ومواقفنا على العالم، وتحقيق مطالبنا العادلة والمشروعة.

 

العرب يحتاجون الى التخلي عن سياسة "الاتكال" على اميركا أو روسيا أو الصين.. عليهم الاتكال على قوتهم وانفسهم.. وعندها سيحترمهم العالم كله، وسيعود لهم وجود على الساحة الدولية.

 

العالم ممالق لاسرائيل، العالم كله منافق، وخاصة القادة إذ أنهم يعرفون الحقيقة، ولا يتجرأون على قولها.. يعرفون أن اسرائيل هي مصدر عدم الاستقرار في العالم نتيجة سياستها ومواقفها ضد شعبنا الفلسطيني، ورفضها لاحترام القانون الدولي والمواثيق والاتفاقات الأممية.. ورغم ذلك فهم يقفون إلى جانبها ويدعمونها.

 

العرب قادرون على اتخاذ قرارات حاسمة وحازمة ومصيرية، وقادرون، إذا أرادوا، على هزّ الأمم المتحدة، وكذلك الولايات المتحدة، وفرض إرادتهم وطلباتهم على العالم كله..

 

العرب قادرون على تحقيق المعجزات، ولكن هل ينقصهم أي شيء.. نعم تنقصهم الإرادة القوية المستقلة، وتنقصهم الاستقلالية الكاملة في اتخاذ القرار.. فهل يتجاوزون هذا النقص، وينطلقون نحو مرحلة جديدة شعارها العزة والكرامة والسيادة، ورفض كل أنواع الاحتلال في العالم.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.