تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

حكاية حب بين رئيس وجاليته..

محطة اخبار سورية

استغرب محلل سياسي فنزويلي هنا في كاراكاس الإجراءات الأمنية التي رافقت وصول الرئيس بشار الأسد إلى فنزويلا، وقال متسائلاً: لماذا كل هذه الحراسة وهذا التشديد الأمني؟ فالضيف ليس جورج بوش ولا باراك أوباما إنه بشار الأسد، وهو ليس في خطر في كاراكاس وبإمكانه أن يتجول في شوارعها كما لو كان في دمشق. وأضاف: الحماية الحقيقية لأي رئيس دولة هي تلك التي يمنحها الشعب وليس حراس الأمن.

 

استوقفنا الحديث، فسألنا بدورنا: من أين تعرفون بشار الأسد؟ فبدأ الرجل يحدثنا عن سورية، وكم كان يتمنى زيارتها، وأنه تعرف إليها من خلال الجالية السورية الكبيرة وأيضاً من خلال زيارتي الرئيس شافيز إلى دمشق وما يكتب في الصحافة عن المواقف السورية الرافضة للإملاءات الخارجية، ويختم قائلاً: هذا ما يجعل الرئيس الأسد ثائراً مثله مثل الرئيس شافيز تماماً.

قبل وصول الرئيس الأسد والسيدة عقيلته إلى أرض فنزويلا، غص محيط فندق «غران ميليا» حيث مقر إقامة السيد الرئيس بالسوريين الذين أتوا من كل محافظات فنزويلا حاملين ما لديهم من صور وأعلام ليرحبوا بضيفهم الكبير، وتحدثوا إلينا قائلين: كنا نحلم منذ عقود بلقائه وكلنا أمل أن يتحقق الحلم ويصبح حقيقة.

على شاشات التلفزة كانت القنوات الفنزويلية تبث مباشرة وصول الرئيس الأسد والسيدة أسماء إلى مطار كاراكاس، فوقف من تمكن من السوريين الذين سمح لهم بدخول الفندق يتابعون اللقطات المباشرة وهم عاجزون عن التعبير عن الشعور الذي خالجهم في لحظة ترقبوها سنوات، فاغرورقت أعين البعض بالدمع وتحولت إلى بكاء عند البعض الآخر، وكان المشهد كافياً للتعبير عن فرحة طال انتظارها.

خارج الفندق حيث كان الأمن الفنزويلي يفرض طوقاً أمنياً حول السوريين المحتشدين، وصل موكب الرئيس الأسد والسيدة أسماء، وسبقته سيارات الجيش الفنزويلي وعناصر أمنية مسلحة انتشرت بثوان معدودة في كل أرجاء ساحة الفندق، ترجل السيد الرئيس من السيارة التي خصصت له ورفض الدخول مباشرة إلى الفندق وذلك على الرغم من رجاء حراس الأمن الفنزويليين وبدا الرئيس الأسد وكأنه يخاطب الحراس قائلاً: أنا قطعت كل هذه المسافة وأتيت إلى هنا لألتقي إخواني وهذا ما سأفعله، واصطحب الرئيس الأسد السيدة أسماء وتوجه نحو الحشد الذي كسر الطوق الأمني وطوق بدوره الرئيس الأسد والسيدة أسماء، فكانت الصورة وكان التعبير الحقيقي للقاء توقعناه حافلاً وحميماً فكان مفعماً بحب وشوق استثنائيين بين الرئيس وجاليته، وتذكرنا ما قاله لنا ذاك المحلل السياسي الفنزويلي، فالحراس الحقيقيون للرئيس الأسد في هذه اللحظات كانوا السوريين المحتشدين أمام الفندق وليس حراس الأمن المنتشرين في كل مكان والذين بلا شك أصيبوا بدهشة وإرباك أمام الموقف والمشهد الذي تعجز الكلمات عن وصفه.

السوريون المقيمون في كاراكاس استنفروا مع الدبلوماسيين منذ عدة أيام وربما أسابيع في التحضير للزيارة الحدث، البعض منهم يتبرع لاصطحابنا في جولات داخل كاراكاس، والبعض الآخر يدعونا إلى الغداء والعشاء ومنهم من يقترب منا ليستمع إلى لهجتنا السورية ويطرب وكأنه يستمع إلى صباح فخري أو ميادة الحناوي، والجميع يحدثنا عن الحنين إلى الوطن وهموم الغربة، ويسألوننا عن الشام وحلب وطرطوس والسويداء ويروون لنا حكايات الغربة وأسبابها ونتائجها، ويشتمون فينا نحن القادمين من دمشق «ريحة الوطن» على حد تعبيرهم، الوطن الذي كلما ذكروه تدمع أعينهم.

في السيارات نستمع إلى القدود الحلبية، ويا مال الشام، والأغاني التراثية، ورنين الهواتف النقالة السورية مبرمجة على نغمة «سورية يا حبيبتي» أما النادي السوري الذي أسسه المغتربون في كاراكاس فهو عبارة عن بقعة سورية في وسط فنزويلا، فطاولة الزهر والنرجيلة واللغة الدمشقية والحلبية وسهرات شبه يومية يحييها كبار النجوم السوريين الذين يزورون كاراكاس باستمرار لإطراب جالية اشتاقت إلى كل شيء في «الوطن الأم».

اشتاقوا إلى التقاليد السورية وإلى الطعام السوري وإلى شوارع وحارات وأزقة سورية، وإلى كل السوريين، يتابعون كل المسلسلات وتكاد تكون قناة «الدراما» هي القناة الأكثر مشاهدة في فنزويلا. يستمتعون بـ«باب الحارة» و«ليالي الصالحية» وكل ما يذكرهم بالكرم والشهامة العربية والسورية تحديداً.

يقرؤون الصحافة السورية ويعرفون «الوطن» جيداً، ويعد الإنترنت مصدر معلوماتهم الرئيس، وصلة الوصل بينهم وبين الوطن.

في حديثهم عن سورية نرى في أعينهم الحب والحنين لكن بعض العتب أيضاً، عتباً على قلة المعلومات المتوافرة حول وضع المغتربين وحول الإجراءات المعقدة في بعض الحالات لزيارة الوطن الأم، البعض منهم انتبه إلى إمكانية التقدم بطلب لزيارة سورية من خلال موقع وزارة المغتربين على الانترنت والبعض الآخر لم ينتبه بعد، يريدون تسوية أوضاعهم لزيارة سورية مع أبنائهم وأحفادهم، إلا أن الروتين يقف في كثير من الحالات عائقاً أمامهم.

هم سفراء حقيقيون لسورية ومدافعون شرسون عن كل القضايا العربية، يدعمون كل ما تدعمه سورية ويرفضون كل ما ترفضه سورية، ما يحتاجونه هو القليل من التنظيم والتشجيع والتحفيز والكثير من الزوار السوريين.

أحدهم وهو كبير في السن وجاء إلى كاراكاس بصحبة أشقائه وأبنائه قادماً من ولاية تبعد 800 كليومتر في الداخل الفنزويلي، اقترب مني في بهو الفندق حين علم أني من سورية، وقال لي: هل تعلم يا بني ما الفارق بيني وبينك وأنا لا أقصد السن أو المسافة التي تبعد سورية عن فنزويلا؟ الفارق أنك تعيش في حضن الوطن، أما أنا وبعد 35 عاماً في الغربة، فأنا أحتضن الوطن، وكل ما يرتبط بالوطن، فمرحباً وأهلاً وسهلاً بالأعزاء بأبناء وطننا، واحتضني بشدة وعرف عن نفسه، وبدأ يحدثني كيف اضطر هنا في فنزويلا إلى استخدام العصا ليعلم أبناءه اللغة العربية، تلك اللغة التي يعتز ويفتخر بها.

مغترب آخر اختصر لي زيارة الرئيس الأسد بكلمات معدودة: كنا في حالة «طلاق» مع سورية وزيارة الرئيس الأسد أحيت فينا من جديد حبنا وعشقنا لوطننا، ووضع الجالية بعد زيارة الرئيس لن يكون كما كان قبل الزيارة، فنحن ملتزمون أمام سيد الوطن بأن نكون أكثر وفاء وأكثر تضامناً وأن نعمل من أجل علاقات أخوية حقيقية بين بلدينا سورية وفنزويلا.

بكل تأكيد لدى كل السوريين الذين رافقوا السيد الرئيس في زيارته إلى فنزويلا مئات من القصص المشابهة، وهي قصص نتعلم منها قسوة الغربة لعنها اللـه، ونكتشف من خلالها أن الثروة الحقيقية التي تمتلكها سورية تكمن في أبنائها وجالياتها المغتربة، ثروة علينا أن نعتني بها ونحصنها لا أن نفرط فيها، ولذلك كانت زيارة الرئيس الأسد إلى أميركا الجنوبية، وكان اللقاء مع الجاليات السورية المغتربة وكان مشهد محيط فندق «غران ميليا» الذي سيبقى محفوظاً في ذاكرتنا.

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.