تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

حدود القدرة الأمريكية تحدد دورها المستقبلي!!

عقبَ نهاية حقبة الحرب الباردة بين الشرق والغرب أو بين الشمال والجنوب في نهاية الثمانينات، وجدت الولايات المتحدة نفسها قوة عظمى وحيدة، فأغراها غرور القوة وراحت تمارس سطوتها يمينا وشمالاً. مارست الأحادية القطبية بكل تفرد وعنجهية؛ شنت الحروب وفرضت كل أنواع الحصار الاقتصادي والسياسي والعسكري ورفضت المواثيق والعهود الدولية ووضعت المنظمات الدولية (وعلى رأسها الأمم المتحدة وقراراتها) جانباً، وركلت التعاون الدولي على قفاه وألقته أرضاً وخلقت سوابق في العلاقات الدولية لم تكن موجودة بهذا الشكل التاريخ.

ووصل غرور القوة إلى حد قول الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن أن من ليس معنا فهو ضدنا، فكان لهذه السياسات آثار سلبية على دول العالم بمجملها وعلى الولايات المتحدة نفسها وعلى الوضع والاستقرار الدوليين. وتحوّلت الولايات المتحدة الأمريكية من حلم ونموذج يحتذى وأملٌ ينشده شباب العالم إلى كابوس ومثال للتفرد والأنانية ولاسيما بعد أحداث الحادي عشر من أيلول. وربما كشفت هذه الأحداث هشاشة القوة الأمريكية التي لم تخضع للتجربة المباشرة قبل ذلك الحين، والتي لم تعد بعد ذاك إلى ما كانت عليه أبدا.

مع بداية القرن الحالي، بدا أن سيادة الحقبة الأحادية الأمريكية آخذة في الزوال. وشنّت واشنطن الحروب المباشرة في أفغانستان والعراق تحت شعارات مختلفة مثل الحرب على الإرهاب ونشر الديمقراطية وإسقاط الأنظمة الديكتاتورية وغيرها. لكن  جميع المؤشرات تؤكد ان الولايات المتحدة الأمريكية بدأت تغرق في بحر من الرمال المتحركة. إذ ليس المهم أن تتمكن دولة من بدء الحرب، المهم أن يكون لديها القدرة على إنهائها. والمهم أن تنتصر فيها أو أن يكون لديها القدرةعلى التحكم بنتائجها.. و وهاهي الولايات المتحدة قد غاصت  حتى أذنيها في وحول العراق وافغانستان ولا تعرف كيف تخرج منها إلى الآن.

في أفغانستان، يكاد مسلسل الحرب الامريكية المستمر ينهي عقده الأول ولا بارقة أمل في تحقيق أي نصر ـ ولو معنوي ـ هناك. وقد بدأ الحلفاء يترنحون ويتثاقلون في تقديم المساعدات والدعم. ويرغب الكثير منهم بالانسحاب من هناك اليوم قبل الغد لحفظ ماء الوجه وللحد من الخسائر.. الخسائر التي تتزايد كل يوم وعدد القتلى والتكاليف المادية والعسكرية والسياسية وكل الاستراتيجيات لم تفلح حتى الساعة.

كل القادة الذين شاركوا في اتخاذ الحرب على أفغانستان خسروا مواقعهم تباعاً وحلّت عليهم لعنة تورا بورا وقندهار وطالبان. ومعضلة أفغانستان تؤرق الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما وتقض مضجعه. فقد مضى نصف رئاسته ولم يتمكن من تحقيق وعده الانتخابي بالانسحاب من هذا البلد؛ لم يحقق النصر ولم يتمكن من الانسحاب. وقد اعترف قائده الجديد المعيّن حديثاً في أفغانستان الجنرال ديفيد بترايوس بذلك قبل قرابة عشرة أيام خلال جلسة استماع في الكونغرس حين قال ان الانتصار في أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة قد يكون " أصعب من العراق".

وإذا ما طرِح السؤال: ماذا حققت الولايات المتحدة بعد سنوات من الحرب المدمّرة في أفغانستان؟ سيكون الجواب لدافع الضرائب الأمريكي ولأهالي الجنود الأمريكيين القتلى: لاشيء. نعم لاشيء.

أما في العراق؛ فمن يمكنه التحدث عن انتصار!! فبعد سبع سنوات من الحرب يعاني الشعب العراقي ويلات الفقر والتشرد والجوع والحرمان وانعدام الأمن والماء والكهرباء. وخمسُ الشعب العراقي يعيش مشرداً خارج أرضه، فيما قُتِل مئات الآلاف ولا يزال العشرات يموتون كل يوم ، وسط الحديث عن انتشار الأمراض والأوبئة وبقايا النفايات. وأثبتت الإستراتيجية التي اتبعت في العراق عقمها وجهلها لواقع البلد وكادت تفتت بلاد الرافدين لولا حرص دول جوار العراق وأبنائه على وحدته.

واليوم تحاول الولايات المتحدة الهرب من العراق وقد بدأت تطبيق خطة الانسحاب من بلاد الرافدين قبل الموعد المحدد بشهرين.وهي التي لم ترغب الاستماع الى النصائح التي وجهها  لها قادة المنطقة وابناءها الذين يعرفون جيدا منطقتهم واحوالها .... ألم يقل الرئيس بشار الأسد قبل غزو العراق إن هذا الغزو سيفتح صندوق الشرور!؟.

ليست مشكلتا أفغانستان والعراق فقط ما تواجهه الولايات المتحدة؛ فما زال اقتصادها يعاني من الأزمة المالية الاقتصادية التاريخية وما زال يسير كالسلحفاة للخروج من الازمة ومن الركود. وما زالت انهيارات البنوك تتوالى، وما زالت نسبة البطالة في ارتفاع، وغني عن القول ما هي آثار كل ذلك وتبعاته على الولايات المتحدة نفسها وعلى دورها ومكانتها وحضورها العالمي.

أثناء وجود إدارة جورج بوش السابقة في الحكم، كان السؤال المطروح لديها؛ لماذا يكرهوننا في العالم؟ وقتها، بدا أن الجميع يعرف الجواب إلا إدارة بوش نفسه، ربما لأنها لا تريد أن تعرف. لا أحد يكره الشعب الأمريكي، ولكن الكره كان للسياسات الأمريكية المتغطرسة والأحادية والظالمة. فقد فقدت الولايات المتحدة الكثير من رصيدها واحترامها من قبل  الشعوب والدول الأخرى، وفقدت الولايات المتحدة هيبتها العسكرية والسياسية والاقتصادية، والأهم أنها فقدت مكانتها كحلم ونموذج يحتذى به، ثقافياً، لماذا؟ لأن السياسات التي اتبعتها الإدارة الأمريكية السابقة لم تبق احتراما لأحد حتى أقرب الحلفاء. والآن تحصد الإدارة الأمريكية الحالية نتائج ممارسات الإدارة السابقة، وتحاول لملمة ما تبقى من رصيد ولكن لا تبدو المهمة سهلة لأن الأدوات التي تستخدمها ما زالت نفسها وإن تغير الأسلوب.

ربما حان الوقت لتدرك الولايات المتحدة ان مشاكل العالم لا يمكن حلّها عسكريا أو عن طريق فرض العقوبات وإذلال الشعوب الأخرى، وأنه لا يمكن لدولة مهما بلغت من القوة أن تكون شرطي العالم الآمر الناهي، ولابد من التعاون والحوار مع الدول الأخرى وأخذ قوتها ومصالحها بالحسبان. لم يعد مقبولاً ولا ممكناً أن تقرر الولايات المتحدة السياسات العالمية وحدها وأن تفرضها على الآخرين. فقد أثبتت التجربة أنها لم تكن وليست مؤهلة لذلك.

في المرحلة المقبلة قد تضطر الولايات المتحدة إلى إعادة تموضع يلائم وضعها الجديد وظروفها وحدود قدراتها، ويراعي مصالحها الإستراتيجية. وقد يفرض هذا عليها إعادة النظر بعلاقاتها الدولية القائمة والتركيز على تحسين علاقاتها مع دول لطالما كانت تعتبرها عدواً أو ليست صديقة. كذلك قد تضطر واشنطن إلى التخلي عن بعض علاقاتها مع دول اعتبرتها لسنوات طويلة صديقة لها، وعن سياسات اتبعتها لفترات مديدة وأثبتت فشلها وعدم جدواها مثل سياسة الحصار الاقتصادي التي تؤثر على الشركات والاقتصاد الأمريكي كما تؤثر على الجهات المفروضة عليها.. بكلام آخر، قد تضطر (وستضطر) الولايات المتحدة إلى إعادة رسم وتحديد دورها، وفق محدودية إمكانياتها وقدراتها، خاصة مع بروز قوى دولية جديدة لم تعد تعيرها الكثير من الاهتمام وتبحث عن دور خاص بها يعزز حضورها الدولي سواء في قارة أمريكا نفسها أو أسيا أو أوروبا، وهي مؤهلة لذلك. ربما حان الوقت لتفهم الولايات المتحدة ان حدود الدور الأمريكي تقف عند حدود القوة الأمريكية المتراجعة بكل أشكالها.

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.